منذ أرسى اللبنانيون، “الميثاق الوطني” الذي أقر عام 1943، من خلال اتفاق غير مكتوب يحصل بموجبه التوزيع الطائفي المعمول به حتى اليوم لتقسيم السلطة يبدو أن اللبنانيين يعرفون الفراغ الرئاسي وقد عايشوه 3 مرات.
وتعاني لبنان، الدولة المجاورة لسوريا ويعيش على أرضها نحو 5ر1 مليون لاجئ سوري هربا من الحرب الدائرة هناك، من فراغ رئاسي منذ مايو 2014 وسط تعطل شبه يومي لمؤسسات الدولة فضلا عن مصالح المواطن اللبناني.
وينص الدستور في لبنان على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة.
ومنذ استقلال لبنان وحتى اليوم تبين الانتخابات السابقة أن الممارسة استقرت على اعتماد نصاب الثلثين في كل جلسات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ عام 1943، بما فيها تلك التي جرت في أجواء الحرب عام 1976 لانتخاب خلف للرئيس سليمان فرنجيه (جد المرشح الرئاسي الحالي سليمان فرنجيه)، وجلسة انتخاب بشير الجميل صيف عام 1982.. فقد طال انتظار اكتمال النصاب في المدرسة الحربية في الفياضية؛ لذلك لم تنعقد الجلسة إلا بعد انقضاء ساعتين ونصف، وبعد ما اكتمل نصاب الثلثين.
وقد عرف اللبنانيون منذ الاستقال عام 1943 الفراغ في سدة الرئاسة مرتين قبل دستور الطائف (الذي جرى التوصل إليه عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عاما) ومرة بعده وبموجبه. وكانت المرة الأولى مع الرئيس بشارة الخوري عندما كلف قائد الجيش الماروني اللواء فؤاد شهاب، ترؤس حكومة انتقالية عام 1952.
وقد استعان الرئيس أمين الجميل بتلك السابقة ليلجأ إليها عشية انتهاء ولايته الرئاسية بساعات، في 22 سبتمبر 1988؛ إذ عمد إلى تعيين قائد الجيش الماروني العماد ميشال عون رئيسا لحكومة مؤقتة شكلها من الضباط الستة الأعضاء في المجلس العسكري، وذلك منعا للفراغ في مركز الرئاسة بعد أن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهل المحددة دستوريا.
لكن هذه الحكومة لم تحظ بقبول الفريق الآخر (المسلمون) خاصة وأن منصب رئيس الوزراء منصب من نصيب الطائفة السنية وفقا للأعراف السياسية اللبنانية، وقد استقال الوزراء الضباط المسلمون من الحكومة العسكرية؛ فانقسم البلد بين حكومتين: واحدة في قصر الرئاسة ببعبدا، وأخرى في السرايا الحكومية في بيروت الغربية.
واستمر الانقسام على الرغم من توقيع اتفاق الطائف في 22 أكتوبر 1989، وانتخاب رئيسين جديدين للجمهورية (رينيه معوض في 7 نوفمبر، وقد اغتيل في 22 نوفمبر، ثم إلياس الهراوي في 24 نوفمبر 1989)، حتى قامت القوات السورية، في ظل غطاء أمريكي، بإنهاء “تمرد العماد عون” في 13 أكتوبر 1991.
أما تجربة الرئيس الأسبق إميل لحود (1998 – 2007) فقد كانت في ظل الدستور الحالي، مع انتهاء ولايته من دون انتخاب رئيس جديد، فانتقلت السلطة دستوريا إلى مجلس الوزراء، الذي يترأسه رئيس وزراء سني الذي كان أنذاك فؤاد السنيورة.
ويثير الفراغ الحاصل اليوم العديد من المخاوف المشروعة على استقرار لبنان وعلى استمرارية عمل مؤسساته السياسية، إذ أنه تاريخيا، ترافق الفراغ الرئاسي مع انقسام سياسي حاد وتنازع للشرعية إن كان بين حكومتين كما جرى في عام 1988 أو عدم اعتراف قسم كبير من القوى السياسية بشرعية الحكومة القائمة كما كان الحال مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى.
وفي كلتا الحالتين يتبين أن الفراغ السياسي أدى إلى شلل لمؤسسات الدولة وأسهم بشكل كبير في زيادة تعميق الانقسام السياسي في ظل شغور المنصب الأعلى في الدولة.. كما يتبين أن الفراغ الرئاسي قد ترافق مع أحداث أمنية خطيرة ذهب ضحيتها العشرات من المواطنين وزادت من الشرخ بين اللبنانيين، ومع تعمّق الانقسام السياسي الداخلي والاقليمي يخشى من أن يؤدي الفراغ الرئاسي إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان ويهدد بتأجيل جديد للانتخابات البلدية المقررة في مايو المقبل ما قد يزيد من ترهل النظام السياسي اللبناني ويطيح بشرعية مؤسسات الدولة المنتخبة ديمقراطيا.
ويأتي هذا الفراغ الرئاسي في ظل تجدد الاشتباكات بين مسلحي “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” في جرود بلدة عرسال الواقعة عند الحدود اللبنانية السورية بين الحين والأخر، في محاولة للتسلل للأراضي اللبنانية في ظل غياب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط