يثير اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا حول اللاجئين جدلا واسعا على الساحة الأوروبية حيث اعتبرته عدد من الدول والمنظمات الحقوقية مخالفا للشرعية الدولية ومضرا لللاجئين في الوقت الذي اعتبره القادة الأوروبيون والأتراك إنجازا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الثنائية بينهما.
وكان الاتحاد الأوروبي وتركيا قد توصلا في بروكسل يوم الجمعة الماضي – بعد مفاوضات طويلة – إلى اتفاق يقضي بعودة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يعبرون إلى اليونان بما فيهم السوريون، إلى تركيا، في المقابل يستضيف الاتحاد الأوروبي لاجئا سوريا مقابل كل مهاجر سوري يتم إعادته إلى تركيا على ألا يزيد العدد على 72 ألف شخص، كما يقدم الاتحاد دعما ماليا يبلغ 3 مليارات يورو لأنقرة وذلك في إطار تحسين الظروف المعيشية للاجئين السوريين هناك.
وينص الاتفاق أيضا على تسهيل إجراءات دخول المواطنين الأتراك إلى “منطقة شنجن” دون تأشيرات، فضلا عن تحقيق تقدم في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ورغم إشادة الدبلوماسيين الأتراك وعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين بما تم التوصل إليه خلال قمة بروكسل إلا أن هذا الاتفاق لم يحظ بقبول عدد من الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية التي رأت أنه مخالف للقوانين الدولية ومتعارض مع مبادئ الاتحاد الأوروبي القائمة على احترام حقوق الإنسان وحماية اللاجئين، مؤكدين أن تركيا ليست بلدا آمنا للمهاجرين، ومتهمين الاتحاد الأوروبي بالتنصل من أزمة اللاجئين العالمية.
كما لم يلق هذا الاتفاق قبولا على المستوى الشعبي حيث اندلعت العديد من المظاهرات في عدد من دول العالم من التي رفع فيها المتظاهرون شعارات “كفى عنصرية” منتقدين سياسة أوروبا الفجة تجاه اللاجئين وإغلاق الحدود أمامهم واصفين تلك الأحداث بأنها “عار على أوروبا”.
ويتفق عدد كبير من المراقبين على أن هذا الاتفاق لن يقدم حلولا عملية لأزمة اللاجئين للعديد من الأسباب أهمها أنه سيواجه العديد من الصعوبات في التنفيذ، فوفقا لما نص عليه الاتفاق يجب أن تقوم اليونان بتسجيل كافة طالبي اللجوء في جزرها في بحر إيجه وفق القوانين، في حين سيعيد مسؤولوها إلى تركيا كل من لم يقدم طلب لجوء أو من رُفضت طلباته، ومن أجل القيام بذلك تحتاج اليونان إلى تعيين نحو 4000 شخص من القضاة والمترجمين ومسئولين أمنيين وهو أمر مشكوك في إمكانية تحقيقه نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها اليونان حاليا والتي قد تعرقل من قدرتها على القيام بهذا الدور، حتى أنها أقرت بصعوبة تنفيذ الاتفاق على الفور نظرا لوجود بعض التفاصيل الرئيسية التي لا تزال تحتاج إلى العمل عليها.
كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد أكدت على أن نظام أثينا ضعيف للغاية مما دفعها للحكم بأن إرسال المهاجرين من البلدان الأوروبية الأخرى إلى هناك يعد أمرا غير إنساني.
ومن معوقات التنفيذ أيضا أنه يجب على تركيا إرسال هيئة لمتابعة سير الإجراءات في الجزر اليونانية، بالتوازي مع إرسال أثينا هيئة عنها إلى أنقرة لنفس السبب وهو الأمر الذي قد يخلق بعض التوترات وصعوبة في التنفيذ بالنظر إلى العلاقات التاريخية المتأزمة بين البلدين، فضلا عن ذلك فإنه لكي تتمكن تركيا من وقف تدفق المهاجرين على أوروبا فإنها ستحتاج إلى عملية إعادة انتشار كبيرة لأجهزتها الأمنية للقضاء على عمليات تهريب البشر المربحة وهو أمر يصعب تحقيقه حاليا في ظل تفضيل النظام التركي لأولويات داخلية أخرى أكثر إلحاحا.
ومع ذلك يتفق المراقبون على أن هذا الاتفاق يشكل نقطة تحول نوعية في مسار العلاقات الأوروبية التركية فهو بمثابة صفقة لخدمة مصالح الطرفين، غير أن تركيا هي الفائز الأول من هذا الاتفاق. فقد نجحت في استغلال أزمة المهاجرين التي تهدد أمن واستقرار القارة الأوروبية لتحقيق مكاسب تاريخية لها حيث جلب هذا الاتفاق أموالا إضافية للأتراك وفتح الباب أمام إمكانية دخولهم إلى الأراضي الأوروبية دون تأشيرة، والأهم أنه أعاد فتح المفاوضات حول انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من الجمود وهو ما يعد إنجازا تاريخيا في مسار المفاوضات بين الطرفين واعتبر مكسبا سياسيا لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أما على الصعيد الأوروبي فيرى هذا الفريق من المراقبين أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعد المستفيد الأكبر أوروبيا من هذا الاتفاق حيث أنه ضمن لها دخول لاجئين شرعيين إلى الأراضي الأوروبية يمكن الاستفادة بهم لتعويض نقص الأيدي العاملة في كثير من الصناعات الألمانية، كما أن هذا الاتفاق قد ساهم – من وجهة نظر عدد من القادة الأوروبيين – في حل واحدة من أصعب الأزمات التي واجهت القارة الأوروبية وهددت وحدتها وهي أزمة اللاجئين حتى لو كان الثمن تخليها عن بعض مبادئ الشرعية الدولية.
أما الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق فهم اللاجئون الذين أغلقت أمامهم أبواب الهجرة غير الشرعية للقارة الأوروبية، وتحطمت آمالهم في الحصول على حياة آمنة ومستقرة في أوروبا في الوقت الذي تتعرض فيه تركيا لانتقادات دائمة لعدم قدرتها على توفير المساكن الملائمة للاجئين وفرص تعليم لهم.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)