تتمتع كل من ألمانيا ومصر بثقل سياسى لا يستهان به فى شتى المحافل الدولية. هذا الثقل فرض نفسه بعدما صارت ألمانيا الموحدة بمثابة المحرك الرئيسى للوحدة الأوروبية، وإحدى القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم.
أما مصر، كبرى الدول العربية من حيث عدد السكان والمكانة والموقع، فينظر إليها الأوروبيون دائماً كمفتاح رئيسى لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.
ولعل الموقع الاستراتيجى والدور الريادي، الذى تلعبه مصر فى العالم العربي، من الأسباب التى جعلت العلاقات المصرية الألمانية تشهد تطورات كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية يساعد على نموها رغبة البلدين لبناء علاقات وثيقة ومتنوعة وحرص من الحكومة الاتحادية فى ألمانيا لدعم الجهود المصرية فى بناء دولة حديثة وديمقراطية وحرص القاهرة على تنويع التعاون مع دول كبرى مثل المانيا حيث ترى مصر فى ألمانيا شريكا كبيرا وهاما فى أوروبا يعمل معها لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى ومكافحة الإرهاب.
حالة جمود
وكانت العلاقات بين البلدين قد تعرضت لحالة من الجمود فى اعقاب ثورة 30 يونيو 2013 حيث كانت ألمانيا من بين الدول التى تحفظت على ما شهدته مصر من تغييرات، ولكن سرعان ما تغير هذا الوضع وعادت العلاقات إلى طبيعتها والتى تمثلت فى علاقات تعاون بناء بين البلدين تأكدت فى ملف الزيارات المتبادلة بين الجانبين والتى كانت نقطة فارقة فى مستقبل العلاقات بين مصر وألمانيا وفتحت صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الراسخة والقوية بين البلدين ، إذ التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل 6 مرات منذ توليه رئاسة الجمهورية، كما زار وزير الخارجية سامح شكرى برلين فى يوليو الماضى وعقد جلسة مشاورات ثنائية مع نظيره الألمانى هايكو ماس.
بداية العلاقات
تعود العلاقات الدبلوماسية بين مصر وألمانيا إلى ديسمبر 1957، وتتسم العلاقات بين الدولتين بان كل دولة منهما لها ثقلها ووزنها داخل المنطقة الإقليمية والجغرافية التى تنتمى إليها وبشهادة معظم المراقبين السياسيين يربط بين الدولتين تاريخ من التقارب الشديد فى المواقف والاحداث فقد سبق ان تبنت مصر وألمانيا مواقف سياسية موحدة تجاه قضايا عالمية هامة مثل حرب العراق ومكافحة الإرهاب.
كما أدى التفاهم السائد بين القيادات السياسية إلى تعزيز التبادل الثقافى والعلمى بين البلدين. وانطلاقاً من تقدير ألمانيا لقيمة مصر الاستراتيجية كان لمصر نصيب الأسد فى حصة المعونات الألمانية المقدمة لدول العالم العربي. وتحولت علاقة الصداقة القوية إلى شراكة إستراتيجية يتبادل فيها الطرفان مشاعر الاحترام والثقة رغم اختلاف الثقافات والأديان وفى السنوات الاخيرة تربط بين البلدين اهتمامات ومصالح مشتركة ثنائياً ودولياً منها عملية السلام بالشرق الأوسط، والعلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى والتعاون الأورومتوسطي.
تعزيز التعاون
ففى الزيارة الاولى التى قام بها الرئيس السيسى لألمانيا فى الثانى من 2 يونيو 2015 تم تعزيز التعاون فى مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والعسكرية والأمنية وقد نجحت زيارات الرئيس ولقاءاته المتعددة مع المستشارة أنجيلا ميركل فى توثيق العلاقات بين البلدين وفى جذب الاستثمارات والسياحة الألمانية لدعم الاقتصاد المصرى وفى 11 يونيو 2017 زار الرئيس عبد الفتاح السيسى المانيا للمشاركة فى القمة التى تنظمها ألمانيا لمجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا تحت شعار «الاستثمار فى مستقبل مشترك»، والمشاركة فى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادى المصرى الألمانى.
وعقد الرئيس مباحثات ثنائية مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وعدد من الوزراء الألمان وبحث الجانبان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة مكافحة الإرهاب، والتطورات الراهنة المتعلقة بقطر، فضلاً عن بحث سبل التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بالمنطقة، وخاصةً بالنسبة للأزمة الليبية وقبيل هذا اللقاء قامت المستشارة الألمانية ميركل بزيارة للقاهرة فى مارس 2017، وكانت المباحثات المصرية- الألمانية ناجحة فيما يخص العلاقات الثنائية، والتطورات التى شهدتها على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، كما تم التشاور حول الملفات والقضايا الإقليمية والدولية التى تهم القاهرة وبرلين، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، والأوضاع فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط، وتفاقم ظاهرتى الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وهو ما يفرض ضرورة السعى المشترك من أجل إيجاد حلول سلمية للنزاعات فى المنطقة.
وفى 28 يوليو 2017 وقعت كل من مصر وألمانيا اتفاقا سياسيا للعمل المشترك فى مجال الهجرة، حيث ينص الاتفاق من بين ما ينص عليه على مجموعة من التدابير لمكافحة أسباب الهجرة، وعلى العمل المشترك فى مجال إعادة المهاجرين المصريين إلى وطنهم والعودة الطوعية لهم وكذا مساندة اللاجئين والمجتمعات التى تستضيفهم فى مصر. وتتركز محادثات الرئيس السيسى مع المستشارة الالمانية بعد غد على سبل دعم العلاقات الثنائية، فضلا عن القضايا الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى قضايا الاتحاد الإفريقى.
وسيجرى الرئيس السيسى خلال الزيارة لقاءات بكبار المسئولين الالمان على هامش مؤتمر الاستثمار فى افريقيا الذى يعقد فى برلين للعام الثانى على التوالى تحت رئاسة ميركل التى وضعت الشراكة مع دول إفريقيا على رأس أولويات اجتماع قمة العشرين العام الماضى وأعلنت تخصيص 300 مليون دولار إضافى لمساعدة الدول الإفريقية الراغبة فى الإصلاح، وذلك فى إطار مشروع «مارشال» لتنمية إفريقيا بهدف تجفيف منابع الهجرة.. وتهدف ألمانيا من خلال خطة مارشال إلى حماية المصالح المشتركة بينها وبين الدول الافريقية وإيجاد المساواة فى إطار التعاون الأوروبى الإفريقي، فيما يخص الحفاظ على مصالح الطرفين، من خلال ثلاث ركائز أساسية، هى الاقتصاد والتجارة وخلق الوظائف، إلى جانب إحلال الأمن والسلم والديمقراطية ودولة القانون.
شريك مهم
حيث سيسعى الرئيس من خلال تلك اللقاءات لتعزيز علاقات البلدين فى مختلف جوانبها الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية، حيث ترى مصر فى ألمانيا شريكا كبيرا وهاما فى أوروبا يعمل معها لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى ومكافحة الإرهاب كما توجد آفاق متنوعة للتعاون بين البلدين، من بينها مجالات الصناعة والزراعة والتعليم والبحث العلمى والطاقة خاصة الجديدة والمتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والنووية، فضلا عن العمل على الاستفادة من التكنولوجيا الألمانية المتطورة فى مجال الاتصالات والنقل والمواصلات.
معروف ان العلاقات السياسية بين مصر وألمانيا تقوم على أُسس تحكمها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ويعززها تنوع واسع لمجالات التعاون بين الجانبين، وتفهم لمكانة ودور كلا البلدين فى إطار موقعهما الجيواستراتيجي، ويؤكد الجانب الألمانى دائمًا على أن مصر تُعد من أهم الشركاء فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، والذى يظهر جلياً فى التأييد الألمانى للموقف المصرى إزاء قضية الشرق الأوسط ودعوتها إلى حل النزاع العربى الإسرائيلى على أساس إقامة الدولتين «الفلسطينية والإسرائيلية»، علاوة على أنها تدعم مصر فى سعيها نحو تحقيق وفاق بين الفرقاء الفلسطينيين. إضافة إلى ذلك يوجد تقارب فى وجهات نظر البلدين حيال المجالات التى تتناولها اللجنة المشتركة، وهى: الحوار السياسى ـ التجارة والصناعة ـ البيئة ـ البحث العلمى ـ الثقافة ـ القضاء ـ الهجرة.