تظهر الاتهامات الأمريكية المتكررة والعلنية لباكستان بعدم الجدية في مكافحة الجماعات المتشددة التي تستهدف المصالح الغربية في أفغانستان، أزمة ثقة غير مسبوقة وشكوكا متصاعدة في العلاقات بين البلدين الحليفين، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه الشراكة الصعبة بين الجانبين، والتي يبدو أن كلاهما بحاجة إليها في الوقت الراهن على الأقل.
فعلى مدى عقود كانت العلاقات الأمريكية- الباكستانية علاقات استراتيجية، وشكل التعاون العسكري والأمني بين البلدين حجر الزاوية في تلك العلاقات.. فالولايات المتحدة حليف أساسي لباكستان، التي تتمتع بموقع خاص كشريك غيرعضو في حلف شمالي الأطلسي.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا لافتا في قوة هذه العلاقات، مع تزايد الشكوك وأزمة الثقة المتبادلة بينهما؛ لاسيما من جانب الولايات المتحدة التي باتت تمارس ضغوطا متزايدة على باكستان لدفعها للعب دور أكثر فاعلية في جهود الحرب على الإرهاب.
وتتهم واشنطن إسلام آباد بعدم الجدية في جهود مكافحة الإرهاب، وإيواء متطرفين أفغان ومنهم عناصر في حركة طالبان يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنهم مرتبطون بالمؤسسة العسكرية الباكستانية. ووفقا للمسؤولين الأمريكيين فإن الإستخبارات الباكستانية تدعم شبكة سراج الدين حقاني المتشددة والتي تتخذ، حسب الإدعاءات الأمريكية، من منطقة شمال وزيرستان القبلية المحاذية للحدود الأفغانية مقرا وقاعدة للتخطيط لشن هجماتها ضد القوات والمصالح الأمريكية والغربية في أفغانستان. لكن باكستان تنفي هذه الاتهامات بشدة.
وفي بداية هذا الاسبوع جدد الرئيس الأمريكي اتهاماته لإسلام آباد ب”الكذب والخداع وإيواء متطرفين” في الوقت الذي تتلقى فيه مليارات الدولارات كمساعدات من الولايات المتحدة، فيما أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الامم المتحدة “نيكي هيلي” أن واشنطن قد توقف مساعدات مالية لباكستان التي اتهمتها السفيرة بممارسة ما وصفتها بـ “لعبة مزدوجة”. وكانت صحيفة (نيويورك تايمز)، قد ذكرت الاسبوع الماضي أن إدارة ترامب تدرس جديا وقف مبلغ 255 مليون دولار من المساعدات المتأخرة أساسا لاسلام آباد بسبب عدم تشديدها الاجراءات ضد المجموعات الارهابية في باكستان.
وردا على هذه الاتهامات لوحت باكستان بإعادة النظر في تعاونها مع الولايات المتحدة؛ وقالت السفيرة الباكستانية لدى الأمم المتحدة، مليحة لودهي، إن “بلادي مستعدّة لإعادة النظر في تعاونها مع الولايات المتحدة ما لم يتم تقدير هذا التعاون”.ودعت الولايات المتحدة إلى “عدم إلقاء اللوم في أخطائها وفشلها على الآخرين”، مؤكدة أن باكستان “أسهمت بأكبر قدر من التضحيات في محاربة الإرهاب الدولي”. وفي وقت سابق استدعت وزارة الخارجية الباكستانية السفير الأمريكي في إسلام آباد “ديفيد هيل” لابلاغه احتجاجها على اتهامات ترامب وخيبة أملها من هذه الاتهامات، التي حذرت من أنها تقوض الثقة بين البلدين.
الاتهامات الامريكية الأخيرة لباكستان ليست جديدة أو مرتبطة بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، فالتوتر بين البلدين حيال هذا الملف بدأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتحديدا عقب مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في غارة أمريكية على مخبئه بإحدى البلدات الباكستانية في 12 مايو 2011. ففي شهر سبتمر من نفس العام اتهم رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق الادميرال مايكل مولن في شهادة أدلى بها أمام الكونجرس جهاز الإستخبارات الباكستاني بدعم شبكة سراج الدين حقاني. وكانت شهادة مولن أول اتهام علني من جانب واشنطن لباكستان، إذ أن المسؤولين الامريكيين كانت تساورهم الشكوك منذ وقت طويل عن صلات مزعومة بين إسلام آباد وبعض العناصر المتشددة، لكنهم كانوا نادرا ما يتحدثون عنها علانية وبشكل مباشر.
وبينما يرى مراقبون أن هذه الاتهامات تعكس نفاد صبر واشنطن تجاه ما تعتقد أنه عدم جدية من قبل إسلام آباد لإتخاذ أي فعل ضد شبكة حقاني، يعتبر الجانب الباكستاني أن ليست سوى محاولة أمريكية لتبرير اخفاق القوات الأمريكية في أفغانستان في التصدي لحركة طالبان.
إلا أنه ورغم الموقف الامريكي المتشددة من إسلام آباد يرى مراقبون أن واشنطن لا تملك خيارات كثيرة في هذا الإطار سواء بالنظر إلى الموقف الراهن في أفغانستان أو الوضع الداخلي في باكستان. فالولايات المتحدة التي قررت في شهر أغسطس الماضي تعزيز وجودها العسكري وزيادة عدد قواتها في أفغانستان، على عكس ما كان متوقعا، تبدو بحاجة ماسة لمساعدة باكستان في هذه المهمة بالنظر لما توفره من طرق امداد ومساعدات لوجستية لهذه القوات. كما أن المساعي الأمريكية لتعزيز دور الهند في أفغانستان على حساب باكستان، يصطدم بحقائق والعداء التاريخي بين الأفغان والهند بما لا يمكنها أن تحل محل الدور الباكستاني المتشابك والمتداخل مع الساحة الأفغانية.
وتعيد هذه الأزمة المتصاعدة بين واشنطن وإسلام آباد، تسليط الضوء على مسيرة العلاقات الباكستانية الأمريكية، والتي توصف بأنها علاقات متقلبة، حيث مرت بمراحل مختلفة تراوحت بين التقارب والتباعد. ففي ثمانينيات القرن الماضي وخلال حقبة الحرب الباردة ارتبط البلدان بعلاقة شراكة استراتيجية، وظلت العلاقة قوية حتى انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في عامي 1988/1989.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 عاد الاهتمام الأمريكي بباكستان كحليف استراتيجي، ومن أكثر الدول أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة لإيصال الإمدادات العسكرية واللوجستية لمحاربة عناصر طالبان والقاعدة في أفغانستان.
وفي إطار هذا التعاون الاستراتيجي وافقت باكستان على استخدام القوات الأمريكية لأراضيها. لكن شكوك المسوؤلين الأمريكيين حول حقيقة الدور الذي تلعبه باكستان تزايدت عقب مقتل أسامة بن لادن داخل الأراضي الباكستانية، الأمر الذي أثار علامات استفهام لدى الأمريكيين حول ما إذا كانت السلطات الرسمية الباكستانية على علم بمكان إختبائه طيلة السنوات الماضية أم لا.
وفي شهر أغسطس الماضي، أعلن ترامب عن استراتيجية جديدة بشأن جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان والهند)، ربط فيها انسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان بتحسن الظروف الأمنية هناك، اتهم باكستان بتوفير ما وصفه ب”ملاذ للإرهابيين”، كما تحدث عن دور أكبر للهند، الخصم اللدود لباكستان، في تحقيق الاستقرار واستعادة الأمن في أفغانستان، وهو ما أثار غضب وهواجس إسلام آباد التي بدأت في البحث عن بدائل وخيارات جديدة لعلاقاتها المتوترة مع واشنطن. فعملت على تعزيز علاقاتها مع الصين وإيران وتركيا، وفتح صفحة جديدة من العلاقة مع روسيا.
المصدر:أ ش أ