اليوم الدولي لذكرى كارثة تشيرنوبيل حيث أدى انفجار في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في 26 أبريل عام 1986 إلى انتشار سحابة مشعة على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، وهي ما يسمى الآن بـ: بيلاروس، وأوكرانيا والاتحاد الروسي.
وتعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في البلدان الثلاثة إلى الإشعاع ، وتسبب بمقتل 31 شخصا بحسب الأرقام الرسمية، فيما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى وفاة 9000 شخص من جراء كارثة تشيرنوبيل.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 152/71 في ديسمبر 2016، سعياً منها لزيادة الوعي بالآثار الطويلة الأجل لكارثة تشيرنوبيل، إعلان يوم 26 أبريل بوصفه اليوم لإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبيل، على أن يبدأ إحياؤه كل سنة اعتباراً من عام 2017.
وكانت محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في يوم 26 أبريل 1986 ، بدا أن إيقاف النظام لمدة 20 ثانية لاختبار أثر انقطاع الكهرباء هو مجرد اختبار آخر للمعدات الكهربائية، إلا أن خطأ في التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد اليورانيوم المستخدم وتوليد الكهرباء إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال وبعد 7 ثوان أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى إحداث موجة انفجار كيميائية، أطلقت بدورها ما يقرب من 520 نويدة من النويدات المشعة الخطرة إلى الغلاف الجوي.
وفي حين أن رئيس الفريق المناوب انتبه إلى الخطر وحاول إغلاق المفاعل مما يجعل أعمدة الجرافيت تنزل في قلب المفاعل وتبطئ من سرعة التفاعل النووي وتكون الحرارة، إلا أن هذه الطريقة جعلت الحرارة تزداد لوهلة قبل أن تشرع في الانخفاض وبما أن المولد كان غير مستقر والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار، كان هذا هو العامل الذي أدى إلى اعوجاج أعمدة الجرافيت وعدم إمكانية إسقاطها في قلب المفاعل وجعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشعل بعض الغازات المتسربة وتتسبب في الكارثة.
وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أ جزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، التي تتبع ما يعرف الآن بيلاروس وأوكرانيا وروسيا ووفقا لتقارير رسيمة، لقى 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف منظف من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع.
ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد عن اجمالي سكان النمسا وتعرضت 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف إجمالي مساحة إيطاليا.
وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدانمرك، للتلوث بالعنصر المشعين سيزيوم – 137 (عمره النصفي هو 30 سنة) وعنصر سترونتيوم – 90 (عمره النصفي هو 28 سنة). وأعيد توطين ما يقرب من 404 آلاف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.
ولم تصدر تقارير عن الحالة حتى اليوم الثالث من انفجار تشيرنوبيل ثم قامت السلطات السويدية بوضع خارطة لمستويات الإشعاع المتزايدة في أوروبا مع اتجاه الرياح، وأعلنت للعالم أن حادثة نووية وقعت في مكان ما من الاتحاد السوفياتي وقبل إعلان السويد، كانت السلطات السوفياتية تقوم بعمليات مكافحة للحرائق وعمليات تنظيف، إلا أنها اختارت أن لا تقدم تقريرا عن الحادث أو حجمه بشكل كامل.
ولم تكن هناك سلطة شرعية قادرة على التعامل مع الحالة وتقديم أجوبة لأسئلة مثل: هل مغادرة المنزل آمنة؟ هل مياه الشرب مأمونة؟ هل تناول الوجبات المحلية آمنا؟ وكان بإمكان الإعلان عن تدابير وقائية أن يساعد السكان على تجنب التعرض لبعض النويدات المشعة، مثل اليود 131، التي يعرف أنها تسبب سرطان الغدة الدرقية كما أن الإخلاء المبكر كان من شأنه أن يساعد الناس على تجنب المنطقة برمتها عندما كانت نويدة اليود 131 في أخطر حالاتها، في فترة 8 إلى 16 يوما من انبعاثها.
وخلال السنوات الأربع من حادثة تشيرنوبيل، قررت السلطات السوفياتية إلى حد كبير، التعامل مع الآثار الناجمة عن الانفجار على المستوى الوطني وبدون مساعدة سوفياتية، سعت الأمم المتحدة وشركاؤها إلى طرق لتقديم الدعم في حالات الطوارئ، الذي اشتمل على تقييم السلامة النووية والظروف البيئية للمنطقة الملوثة، وتشخيص مختلف الظروف الطبية التي سببتها الحادثة وركزت الأمم المتحدة على زيادة الوعي لدى سكان المنطقة، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من النويدات الموجود في البيئة والمنتجات الزراعية.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1986 و1987، شارك ما تقديره 350 ألف منظف من الجيش وموظفي المحطة النووية والشرطة المحلية ورجال المطافئ في الأنشطة الأولية الرامية إلى احتواء الحطام المشع وإزالته وتعرض نحو 240 ألف منظف لأعلى الجرعات الإشعاعية لدى اضطلاعهم بأهم أنشطة التخفيف من حدة الكارثة ضمن المنطقة المحيطة بالمفاعل والممتدة على مسافة 30 كلم وبعد ذلك ارتفع عدد المنظفين المسجلين إلى 600 ألف، مع أنه لم يتعرض لمستويات عالية من الإشعاع إلا نسبة قليلة منهم.
وتم في فصلي الربيع والصيف من عام 1986، إجلاء 116 ألف شخص من المنطقة المحيطة بمفاعل تشيرنوبيل إلى مناطق غير ملوثة وتم ترحيل 230 ألف آخرين في الأعوام اللاحقة ويعيش نحو 5 ملايين نسمة حالياً، في مناطق من بيلاروس والاتحاد الروسي وأوكرانيا حيث يفوق ترسب السيزيوم المشع 37 كيلوبيكريل/م2، ولا يزال نحو270 ألف شخص من أولئك الناس يعيشون في مناطق صنفها الاتحاد السوفييتي كمناطق ذات رقابة مشددة، حيث يتجاوز التلوث بالسيزيوم المشع 555 كيلوبيكريل/م2.
ويعتبر البعض عام 1990 عاما حاسما في مشاركة الأمم المتحدة في عملية إنعاش تشيرنوبيل فقد اعترف الحكومة السوفياتية بالحاجة إلى المساعدة الدولية وكنتيجة لذلك، اعتمدت الجمعية العامة القرار 45/190 ، داعية فيه إلى التعاون الدولي في معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها وطلبت الجمعية العامة في هذا القرار، وضع برنامج لتنسيق الأنشطة التي ستضطلع بها الهيئات والمؤسسات والبرامج التابعة لمنظومة الأمم المتحدة والتي تشارك في الجهود الرامية إلى معالجة الآثار الناجمة عن كارثة تشيرنوبيل وتخفيفها، وأن يكلف أحد وكلاء الأمين العام بمهة التنسيق، وأن تشكل فرقة عمل مسؤولة عن حفز أنشطة الأمم المتحدة في هذا الميدان ورصدها، وأصبحت لجنة التنسيق الرباعة – المكونة من وزراء من بيلاروس وروسيا وأوكرانيا – بالإضافة إلى منسق الأمم المتحدة المعني بتشيرنوبيل جزءا من آلية التنسيق على المستوى الوزاري.
وفي عام 1992 بعد سنة من إنشاء فرقة العمل، بدأت إدارة الشؤون الإنسانية (التي أصبحت تسمى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية منذ العام 1997) بتنسيق التعاون الدولي بشأن تشيرنوبيل. وإنشئ الصندوق الإستئماني لتشيرنوبيل، بغرض التعجيل بالمساهمات المالية لأنشطة تشيرنوبيل، في عام 1991 تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وبدأت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إدارة مجموعة متنوعة من المهام والمسؤوليات من صياغة الاستراتيجة، إلى الترويج، إلى تعبئة الموارد، إلى التوعية، وتوجيه مساهمات المانحين.
ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد عن 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة في مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات.
ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أنه لا يمكن الفصل بين مهمة الإنعاش البيئي والصحي وبين مهمة التنمية، وفي عام 2001 أصبح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكاتبه الإقليمية في البلدان الثلاثة المتضررة، جزءا من آلية التنسيق من أجل التعاول بشأن تشيرنوبيل، وفي العام التالي، أعلنت الأمم المتحدة تحولا في استراتيجيتها بشأن تشيرنوبيل، مع تركيز على نهج انمائي طويل الأجل عوضا عن المساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ.
وفي عام 2004، أُعلن عن قرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن نقل مسؤولية التنسيق من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كجزء من التحول في الاستراتيجية القائمة بناء على توصيات تقرير لعام 2002 تحت عنوان “الآثار الإنسانية لحادثة تشيرنوبيل النووية : استراتيجية من أجل الإنعاش”.
وفي سياق تحمل مسؤوليات التنسيق، حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ثلاث مجالات لها أولوية في ما يتصل بتشيرنوبيل: توفير المعلومات، بما في ذلك تعزيز أنماط الحياة الصحية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستندة إلى المجتمع المحلي؛ المشورة في مجال السياسات، والرامية إلى مساعدة الحكومات في ترشيد الأنفاق بشأن تشيرنوبيل.
وقدمت نتائج ملخصات منظمة “جرين فاكتس” ، التقرير المتعلق بإرث تشيرنوبيل، رسالة مطمئنة بشأن تأثير الجرعة المنخفضة للإشعاع وسيستخدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذه النتائج بوصفها مواد مرجعية في الجهود المبذولة لتخفيف مخاوف السكان المتضررين وتقديم مشورات مفيدة بشأن كيفية الحياة والعمل بأمن في المنطقة.
وكشف تقرير للأمم المتحدة إلي أنه بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، لا تزال الآثار الحقيقية للإشعاع على صحة سكان تلك المنطقة تتجلى.
إذ تم تسجيل نحو 20 ألف حالة من حالات سرطان الغدة الدرقية في الفترة بين عامي 1991-2015، بين السكان الذين كانوا دون سن 18 عاما في عام 1986، وقت وقوع الحادث، في كل من بيلاروسيا وأوكرانيا ومناطق في الاتحاد الروسي. هذا وفق ما جاء في ورقة بيضاء أصدرتها لجنة الأمم المتحدة العلمية المعنية بآثار الإشعاع الذري في ذكرى حادث تشيرنوبيل، وقدمت فيها نتائج جديدة حول الآثار المترتبة لكارثة تشيرنوبيل على حالات سرطان الغدة الدرقية. وذكر التقرير أن اللجنة تقدر الآن أن واحدة من بين كل أربع حالات السرطان هذه تعزى إلى التعرض للإشعاع الناجم عن الحادث.
بعد 33 عاما.. أوكرانيا تحتوي آثار تشيرنوبل بـ”الهيكل الهائل” وقد كشف “فولوديمير زيلينسكي” الرئيس الأوكراني، أنه بعد مرور 33 عاما أستطاعت أوكرانيا أن تحتوى آثار تشيرنوبيل عن طريق الانتهاء من الهيكل الهائل الذي تم بناؤه لاحتواء مئات الأطنان من المواد المشعة الناتجة عن كارثة تشيرنوبل النووية عام 1986 فقد تم الانتهاء من وضع محبس جديد على الملجأ القديم علامة بارزة في عام 2019، من خلال صناديق يديرها البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وسلم المحبس الجديد إلى حكومة أوكرانيا في 10 يوليه 2019.
ويعتبر المشروع من حيث التعاون الدولي هو واحد من أكبر من أي وقت مضى في مجال السلامة النووية. وقد بلغت تكلفة السقيفة المعدنية أو المأوى المعدني لمفاعل الطاقة المنصهر رقم 4 حوالي 1.5 مليار يورو، بينما بلغ إجمالي قيمة المشروع حيث منحت أكثر من 45 دولة مبلغ قدره 2.2 مليار يورو، واستغرق العمل فيه 9 أعوام .
وبحسب المعلومات، يبلغ طول السقيفة التي ستغلق قلب المفاعل الذي يحتوي على 200 طن من المواد المشعة، 257 مترا وتزن أكثر من 40 ألف طن، وقد تم وصفها بأنها أكبر هيكل بري متحرك تم بناؤه على الإطلاق وتم تصميم السقيفة بهدف منع أي انهيار آخر في مفاعل تشيرنوبيل بعد انهيار جزء من القاعة التي تحتوي على المفاعل عام 2012.
وساهمت حوالي 45 دولة في تكلفة المشروع، وكذلك الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الأموال المقدمة من البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، فيما دفعت أوكرانيا نفسها حوالي 100 مليون يورو.
وقال نائب مدير المشروع “فيكتور زاليزيتسكي”، الذي كان جزءا من الفريق المشارك في جهود تنظيف الموقع منذ عام 1987، إنه يشعر بالفخر لأنه كان قادرا على العمل في مشروع “له أهمية كبيرة للبشرية جمعاء” غير أن زاليزيتسكي، عبر عن قلقه من أن الدولة التي مزقتها الحرب، قد تكافح من أجل تغطية نفقات وتكاليف الصيانة للسقيفة الجديدة، محذرا من أنه لا بد من الانتهاء من باقي الأعمال، أو الأعمال العالقة مثل تفكيك الأجزاء غير المستقرة من المفاعل النووي .
وأضاف زاليزيتسكي ، أنه يبدو أن أوكرانيا ستترك وحدها للتعامل مع هذا الهيكل… لم يتم الانتهاء من العمل بعد، ونحن بحاجة إلى التفكير في كيفية تمويل هذا المشروع في المستقبل وأن على أوكرانيا أن تكون مستعدة لتوسيع نطاق الوصول إلى المنطقة لكل من العلماء والسواح على السواء، منوها إلى أن تشيرنوبيل تعتبر مكانا فريدا من نوعه على هذا الكوكب حيث تنتعش الطبيعة بعد كارثة تكنولوجية كبرى.
المصدر: أ ش أ