يحيي العالم بعد غد السبت، الذكرى الـ18 لليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة لعام 2017 تحت شعار “عدم ترك أحد خلفنا: إنهاء العنف ضد النساء والفتيات”؛ في إطار حملة لتعزيز عالم خالٍ من العنف لجميع النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، والتي تهدف إلى الوصول لأكثر الفئات المستضعفة، بما في ذلك اللاجئات والمهاجرات والأقليات والشعوب الأصلية والسكان المتأثرون بالصراعات والكوارث الطبيعية.
وفي إطار الاحتفال بهذا اليوم، سيتم تقديم مبادرة “تسليط الضوء من أجل القضاء على العنف ضد النساء والفتيات”، والمقدمة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتهدف إلى الدفع بهذه المسألة إلى دائرة الضوء وتضعها في طليعة الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة بما يتمشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وستقدم المبادرة استثمارا أوليا في حدود 500 مليون يورو سيكون الاتحاد الأوروبي المساهم الرئيسي فيه وتتمثل آلية التنفيذ في صندوق ائتماني متعدد الأطراف يديره مكتب الصندوق الاستئماني المتعدد الشركاء بدعم من الوكالات الرئيسية المتمثلة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وتحت إشراف المكتب التنفيذي للأمين العام، كما سيتم توجيه الدعوة إلى مانحين وشركاء آخرين للانضمام إلى المبادرة لتوسيع نطاقها وفرص الاستفادة منها.
ويهدف النشاط المناهض للعنف القائم على النوع، المصاحب لليوم العالمي لحقوق الإنسان في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 10 ديسمبر، إلى تسخير 16 يوما لرفع الوعي العام وحشد الناس في كل مكان لإحداث تغيير لصالح النساء والفتيات، كما تدعو حملة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة”، إلى استخدام اللون البرتقالي – اللون الذي يرمز إلى مستقبل أكثر إشراقا دون عنف موجه ضد النساء والفتيات.
وقال جوتيريش: “ساهموا في جعل شوارعنا ومرافقنا ومعالمنا برتقالية في هذا اليوم، فعلى الرغم من كل الجهود التي تُبذل لم يستطع العالم التخلص من وباء التمييز ضد المرأة وحالياً تعاني أكثر من 70% من نساء العالم من العنف في حياتهن”.
كما دعت الأمم المتحدة، الحكومات وغيرها من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية على مستوى العالم لتنظيم نشاطات خلال اليوم العالمي لرفع وعي الناس بمدى حجم المشكلات التي تواجهها النساء.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار رقم 134/ 54 في عام 1999، باعتبار يوم 25 نوفمبر من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ثم تبنت الجمعية العامة في 20 ديسمبر 1993 القرار رقم 104/ 48 حول إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة.
وقالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومزيل ميلامبو نجكوكا – في رسالتها بهذه المناسبة- “لقد أدى الاستخدام الهائل لمصطلح (أنا أيضاً) #me too# على نطاق عالمي في البداية إلى شعور بالسخط إزاء مدى العنف الجنسي الذي تم إبرازه. وقد أظهر لنا الملايين من الناس الذين استخدموا الهاشتاج إلى أي مدى تم تجاهل أصواتهم، وفتحوا الباب أمام مناقشات جديدة، وأشاروا إلى الأسماء وتبديد الشكوك حول البيانات الفردية، وذلك بفضل قوة الحركة”.
وأضافت نجكوكا “لقد أعطى هذا العمل الجماعي الظاهري شجاعة للنساء والفتيات اللاتي لم يتم الإبلاغ عن تجاربهن، إننا نشهد الوجه القبيح للعنف في: فتاة لاجئة شابة تم استغلالها جنسيا مقابل الغذاء أو الإمدادات، أو موظفة في شركة صغيرة في لندن اضطرت إلى ترك وظيفتها لأنها لم تستجب للسلوكيات السيئة لمشرفها وتنبع هذه الأفعال من إساءة التقدير بأنه لن يكون هناك عقاب كبير، ولا يوجد قانون يُحتج به ويدعو إلى المحاسبة”.
وأكدت: “لكن لكل شخص الحق في أن يعيش حياة خالية من العنف، وينطبق هذا الحق على جميع الأشخاص بصرف النظر عن نوع الجنس أو السن أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، أو أية سمة أخرى لتحديد الهوية وإن آفة العنف ضد النساء والفتيات ليست واقعا لا مفر منه. والحلول لمنعها من البداية ووقف تكرار دورات العنف عديدة”.
وتابعت نجكوكا: “بوصفنا أعضاء في المجتمع، يمكننا أن ندعم اعتماد وتنفيذ قوانين لحماية الفتيات والنساء من زواج الأطفال، ويمكننا أن نشجع على التقييم السليم لهذه القوانين ورصد أثرها ويجب أن يتم توفير الخدمات الأساسية لضحايا العنف بصورة كاملة ونزيهة وجيدة دون استثناء “.
وأشارت المسئولة الأممية إلى أن حملة “أنا أيضاً ” أوضحت أن لكل شخص دوراً يلعبه في تحسين مجتمعنا، مؤكدة: “يجب أن ندين التحرش والعنف في بيوتنا وأماكن عملنا ومؤسساتنا وبيئاتنا الاجتماعية وفي وسائط الإعلام، وأظهرت لنا الحملة أيضاً أنه لا أحد آمن من العنف ويجب أن تكون جميع المؤسسات على بينة من مخاطر العنف الموجود داخل القوى العاملة لديها ومع معرفتنا بذلك، يجب أن نتخذ خطوات لمنع العنف في الوقت الذي نستعد فيه للتعامل معه بشكل مناسب”.
وفي إطار هذا الجهد الشاسع لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، فإن للوالدين دور هام بغرس مبادئ المساواة والحقوق والاحترام لدى أبنائهم، كما يمكن للرجال أنفسهم تشجيع أقرانهم على رفض السلوكيات غير المقبولة، وفي قلب موضوع اليوم من “لا تترك أحد وراءك” ألا يتركوا أحدا ورائهم. وهذا يعني جعل النساء والفتيات متساويات في كل ما يتعلق بهن، ووضع حلول لإنهاء العنف ضد أولئك الذين سبق فصلهن أو تهميشهن أو استبعادهن وبوصفنا مجتمعا عالميا، يمكننا أن نعمل الآن لوضع حد للعنف ضد النساء والفتيات، وتغيير المؤسسات والعمل معا لإنهاء التمييز، واستعادة حقوق الإنسان والكرامة، وعدم ترك أحد خلفنا.
وأن العنف ضد المرأة بحسب تعريف الأمم المتحدة، هو السلوك الممارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبية الجنسية؛ مما يؤدي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية، ويعد التهديد بأي شكل من الأشكال والحرمان والحد من حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف ضد المرأة، إن العنف ضد المرأة انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان؛ إذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثر في المجتمع بأكمله؛ لما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة. إن العنف ضد المرأة لا يعرف ثقافة أو ديانة أو بلداً أو طبقة اجتماعية بعينِها، بل هو ظاهرة عامة ويأخذ العنف ضد المرأة عدة أشكال منها، العنف الجسدي، والعنف اللفظي والنفسي، والعنف الجنسي، والعنف الاقتصادي.
وتتعرض المرأة للعنف لعدة أسباب، قد يجتمع عدد منها في الوقت نفسه وتتشابك مما يؤدي إلى أذية المرأة بشكل أكبر وأعنف سواء من الناحية النفسية أو الجسدية، وترجع هذه الأسباب إلى دوافع اجتماعية ونفسية واقتصادية كما يلي:
الدوافع الاجتماعية: هي من أبرز الدوافع لارتكاب العنف ضد المرأة، وتشمل تدني مستوى التعليم وتفشي الجهل بين أفراد المجتمع، وبالتالي سهولة التأثر في المعتقدات الخاطئة المتعلقة بشرف العائلة والعفاف والتي تنتشر في المجتمع والبيئة المحيطة، إلى جانب تبني وجهات النظر الداعية إلى فرض القوة الذكورية والتي تظهر على شكل العنف الجسدي والجنسي على حد سواء.
الدوافع النفسية: إن العوامل النفسية التي تشكلت في شخصيات مرتكبي العنف ضد المرأة في الصغر تؤثر بشكل كبير في سلوكياتهم والتي تظهر على شكل سلوك عدائي في الكبر؛ ومن أبرز هذه العوامل النفسية تعرض مرتكب العنف للإيذاء بأي شكل من الأشكال في طفولته، أو وجوده في بيئة أسرية تنتشر بها حالات تعنيف الأبوين، أو اعتداء الأب على الأم بأي شكل من الأشكال، إلى جانب اضطرابات الشخصية التي قد تؤدي إلى خلق شخصية معادية للمجتمع.
الدوافع الاقتصادية: تعد هذه العوامل من أكثر دوافع العنف ضد المرأة التي تشهدها عدة مجتمعات في وقتنا الحالي؛ والسبب في ذلك يعود إلى الضغوطات الاقتصادية التي تعاني منها شريحة واسعة من المجتمع، وتدني المستويات المعيشية، وتفشي البطالة والفقر؛ حيث تشكل هذه الأسباب مجتمعة ضغوطات نفسية كبيرة على معيلي الأسرة، التي تتصادم في كثير من الأحيان مع نزعة المرأة الاستهلاكية.
ومن آثار العنف ضد المرأة، والتي تمتد لتشمل أسرتها المحيطة والمجتمع، ما يلي:
الآثار الصحية: تتأثر المرأة بمشاكل صحية مثل الإصابات الخطيرة والكدمات والجروح، التي قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية، وبعض المشاكل في الجهاز الهضمي، والتأثير في الحركة، وتدني مستوى الصحة العامة، وقد تؤدي بعض حالات العنف إلى الوفاة.
الآثار النفسية: يترتب على العنف عددا من المشاكل النفسية مثل الاكتئاب الحاد والاضطراب النفسي، والتي قد تقود الضحية إلى محاولات الانتحار نتيجة للضغط النفسي الكبير الذي تقع تحته، كما يمكن أن تسبب مشاكل مثل إدمان شرب الكحول، والتدخين، وإدمان المخدرات، الأمر الذي ينعكس على صحة المرأة النفسية في مراحل متقدمة.
الآثار الاجتماعية: لأن المرأة عضو فاعل في المجتمع؛ فإن كل ما تمر به ينعكس على أسرتها ومحيطها المجتمعي بشكل كبير، ومن المشاكل التي يسببها العنف ضد المرأة الاضطرابات الأسرية التي بدورها تنعكس على الأطفال بشكل كبير، وقد تؤدي إلى إصابتهم بعدم استقرار نفسي وعاطفي، وهو ما يؤثر في سلوكاتهم المجتمعية في مراحل متقدمة من العمر.
المشاكل الاقتصادية: يشكل العنف ضد المرأة عائقاً كبيراً أمام ممارستها دورها الفاعل في المجتمع؛ فعند تعرضها للعنف تنطوي المرأة على نفسها، الأمر الذي يحد من مشاركتها كعضو فاعل في المجتمع ويحرمها من استثمار قدراتها في الدفع الاقتصادي للمجتمع، كما يكبد العنف ضد المرأة الأسرة أعباءً اقتصادية إضافية نتيجة للعلاجات الصحية التي تخضع لها الضحية.
ووفقا لتقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة التي جمعت من 87 بلدا في الفترة من عام 2005 إلى عام 2016، فإن نسبة 19% النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما بأنهن تعرضن لعنف بدني أو جنسي من جانب شريك حميم خلال الأشهر الـ12 السابقة للمسح، وأن 1 من 3 نساء في العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي على الأقل لمرة في حياتهن وغالباً ما يكون ذلك من قبل شريكهن الحميم، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي هذا العنف إلى الوفاة. وفي عام 2012، قُتل ما يقرب من نصف النساء ضحايا العنف في العالم من قبل شريك حميم أو أحد أفراد الأسرة، مقابل 6% من الرجال. ويشير موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن نسبة العنف ضد النساء في بعض البلدان تبلغ نحو 70%، كما يؤكد أن 37% من النساء في العالم العربي تعرضن لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة في حياتهن على الأقل. ويضيف أن الإحصائيات تشير إلى أن النسبة قد تكون في الحقيقة أعلى، إلا أن غياب الإحصائيات التي يمكنها أن توثق جميع الحالات يمكنه أن يغير في النتيجة.
كما يلفت إلى أن الفتيات والنساء يشكلن نسبة 70% من ضحايا الاتجار بالبشر، نصفهن تخطين الـ18 من عمرهن. وتسهم بعض قوانين الدول العربية في ممارسة العنف ضد المرأة، فغالبيتها لا تخلو من النصوص التي تعفي المغتصب من الملاحقة إذا تزوج المُعتدَى عليها. وتشير الإحصائيات إلى أن 6 من كل 10 نساء معنفات، لا يخبرن أية جهة عن أنهن معنفات، فيما الجزء الآخر يتحدث عن الأمر للعائلة والأصدقاء وليس للشرطة.
أما بخصوص تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وهو حالة أخرى من حالات العنف الشديد، فقد انخفضت هذه الممارسة بنسبة 24% منذ عام 2000 تقريبا. ومع ذلك، لا يزال انتشاره مرتفعا في بعض البلدان الثلاثين التي لديها بيانات تمثيلية. ويكشف استقصاء أجري في هذه البلدان في عام 2015 أن فتاة من بين كل ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة تعرضن لنوع من التشويه، مقارنة بما يقرب من واحدة من أصل اثنتين في عام 2000 تقريبا.
جدير بالذكر أنه من أكثر التحديات التي تواجه الجهود المبذولة لمنع وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات في أنحاء العالم هو النقص في التمويل بشكل كبير. ونتيجة لذلك، تفتقر المبادرات الرامية إلى منع وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات آليات الدعم والتنفيذ وتظل الأطر المبشرة لمكافحة العنف ضد المرأة، مثل الأهداف الإنمائية المستدامة، رهينة النقص في التمول وضعف إمكانيات إحداث تغييرات حقيقية وكبيرة في حياة النساء والفتيات.
وفي الوقت نفسه، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن أن أكثر من 700 مليون امرأة حول العالم تزوجن في مرحلة الطفولة و14% من الفتيات في العالم العربي تم تزويجهن قبل بلوغهن سن الـ18. وتعرضت 200 مليون فتاة حول العالم قبل بلوغهن سن الخامسة لتشويه للأعضاء التناسلية أو الختان، أما 30% من النساء فتعرضن لعنف الشريك الحميم. كما أشارت تقارير الاتحاد الأوروبي من أجل القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة إلى تعرض حوالي 25% من النساء في الاتحاد الأوروبي للعنف الجسدي أو الجنسي منذ سن الـ15. وغالباً ما تمتنع ضحايا العنف عن التبليغ عن الجريمة.
فيما أعلن الاتحاد الأوروبي في عام 2017، أنه سيدعم بشكل خاص ضحايا العنف في معظم المناطق النائية والحساسة. كما يبذل الاتحاد الأوروبي جهوداً حثيثة لضمان حصول النساء والفتيات اللواتي يصلن إلى الاتحاد الأوروبي هرباً من النزاعات والاضطهاد وعدم الاستقرار المرتبط بالفقر، على الرعاية الصحية والدعم القانوني والاستشارة النفسية الملائمة والرعاية الاجتماعية إذا كن ضحايا تمييز وعنف.
وأطلقت المفوضية الأوروبية- في هذا الإطار- سلسلة أنشطة لعام 2017 من أجل محاربة جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات؛ حيث خصصت 10 ملايين يورو لدعم الجهود الرامية إلى تجنب العنف الجندري ودعم ضحاياه في الاتحاد الأوروبي. كما استهدفت نشر الوعي وتقديم المعلومات للمواطنين والأشخاص المحترفين الذين يمكنهم أن يغيروا هذا الوضع مثل: ضباط الشرطة، والمعلمين، والأطباء، والقضاة، إلخ. وتتعاون مع الدول الأعضاء من أجل وضع حد للعنف ضد المرأة، مشددة على أنه يجب أن تتمكن جميع النساء والفتيات في الاتحاد الأوروبي أو في أي مكان في العالم من عيش حياة خالية من الخوف والعنف.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)