قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إن الإلمام بعلوم العربية ضروري لمن أراد أن يفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والجهل بقواعدها يؤدي حتما إلى فهم خاطئ للقرآن والسنة، فمن قال إن الأزهر يعلم طلابه أن الهم في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم “لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيوتهم”؛ معناه أن المسلم إذا لم يحضر صلاة الجماعة يُحرق عليه بيته- فهو لم يفهم اللغة العربية؛ لأن هممت بمعنى فكرت، وفرق بين الهم وبين الوقوع في الفعل أو بين تنفيذ الفعل، كيف وقد أجمع الفقهاء على أن صلاة الجماعة في الصلوات سنة، إلا أهل الظاهر فإنها عندهم فريضة، ولفظ “هم” نفسه ورد في سورة يوسف في قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها)، ومحال أن يكون الهم في الآية بمعنى الوقوع في الفعل.
وأضاف فضيلته في حديثه الأسبوعي الذي سيذاع اليوم الجمعة على الفضائيَّة المصرية: الأزهر هو الكفيل بإشاعة الأفكار الوسطية ويدعو إلى:
1-السلام بمختلف أوجهه، منها الوطني، والذي نتج عنه بيت العائلة المصرية، الذي يقوم على نزع فتيل التوترات الاجتماعية التي كثيرا ما تحول إلى نزاعات طائفية.
2- والسلام على المستوى العربي والإسلامي وقد دعونا الى التآلف والتقارب بين العرب فيما يبنهم بخاصة، بين جميع المسلمين على مختلف مذاهبهم مشاربهم، بما فيهم السنة والشيعة، وما زلنا ندعو لوقف الدمار الذي حدث بسبب الفتن المذهبية والطائفية.
3- والسلام العالمي من خلال قوافل السلام ومجلس حكماء المسلمين، مؤكدًا أن الأزهر رسالته رسالة أمن وسلام للعالم أجمع؛ وهذا لم يرق للبعض في الداخل والخارج،فحمل على عاتقه رسالة تشويه صورة الأزهر معقل أهل السنة والجماعة، وحصن الوسطية والاعتدال، وأنا أنبه هؤلاء إلى أن الهجوم على الأزهر هو في الحقيقة هجوم على الشعب المصري هو هجوم العرب وعلى المسلمين، نعم هجوم على مليار وخمسمئة مليون مسلم، الهجوم على مذهب الأزهر هجوم على ثقافة أمة كاملة ارتضت مناهج الأزهر عقيدة وفكرا وسلوكا.
وهكذا فإن عدم الإلمام بأسرار اللغة ودلالاتها، والجهل بما استنبطه أئمة الفقه من اجتهادات عميقة من نصوص الوحي المتمثل في الكتاب والسنة، يوقعان في عجائب لا حصر لها من الفهم السقيم والأحكام الغريبة، وهو حال من لم يفهم حديث رسول الله “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى َيَشْهَدُوا َأَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله” ويعتقد أن فيه دعوة لقتل الناس جميعا حَتَّى الشهادة، وليس الأمر كذلك، بل إن أل في «الناس» للعهد أي أناس معهودين، وهم الذين وقفوا عقبة أمام الإسلام وكانوا يؤذون المسلمين، فالمقصود بقتال الناس قتال المشركين المعتدين آنذاك، حيث إن كلمة «الناس» هي من العام الذي أريد به الخاص، و”أقاتل” تعني رد العدوان المبدوء من جهة المشركين، إذ المبدوء بالقتال يسمى مقاتلا، إن دافع،والبادئ يُسمى قاتلا، لأن “أقاتل” من باب المفاعلة التي تكون من جانبين أو أكثر.
وتابع فضيلة الإمام الأكبر: طلابنا في الصف الثالث الإعدادي في مقرر الثقافة الإسلامية يدرسون في وسطية نادرة كثيرا من الموضوعات التي تمس الحياة اليومية، والتي من شأنها التأثير في ثقافة المجتمع، فبالإضافة إلى آداب الإسلام العامة، يدرسون، مثلا، حكم تهنئة إخواننا المسيحيين في أعياد الميلاد في صورة حوار يدور حوار بين أب وأم ولد وبنت فيسأل الولد أمه : هل يجوز التعامل مع غير المسلمين بالبيع والشراء؟ فتجيبه نعم أباح الإسلام التعامل مع غير المسلمين في البيع والشراء، وقبول هداياهم وإهداءهم ومواساتهم وتعزيتهم وتهنئتهم في أفراحهم، وحرم الاعتداء عليهم، مؤكدًا أن كل هذه الأفعال الحسنة قام بها الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم.
واختتم فضيلته حديثه بأننا نعلم طلابنا في المرحلة الثانوية في كتاب الثقافة الإسلامية أدب الحوار والتأدب في الحديث عند مخاطبة الآخر، مستندين إلى قوله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) وقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وحسن الاستماع، وتجنب المقاطعة، والتجرد والتسليم بالنتائج، والاعتراف بالحق وإعلانه، لأن ذلك لا ينقص من قدر الإنسان بل يزيده رفعة واحتراما، بالإضافة إلى تأثيره النفسي في الطرف الآخر؛ إذ فيه تهيئة لنفسه لقبول الانتقاد، والاعتراف بخطئه وسرعة الرجوع إلى الحق, وقد ردد كثير من العلماء -رحمهم الله- هذه المقولة الشهيرة: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
المصدر : وكالات