شنت الصين أحدث هجوم في حرب أشباه الموصلات المتصاعدة مع الولايات المتحدة، معلنة أن منتجات شركة “مايكرون تكنولوجي” (Micron Technology) فشلت في اجتياز مراجعة الأمن الإلكتروني في البلاد، وذلك حسب ما ذكرته وكالة بلومبرج الإخبارية
حذرت بكين في بيان مشغلي البنية التحتية الرئيسية من شراء منتجات “مايكرون” المباعة في الصين، قائلة إنها وجدتها تنطوي على مخاطر أمن إلكتروني جسيمة نسبياً
وجاء في البيان الصادر عن إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين، أن هذه المكونات تسببت في مخاطر أمنية كبيرة لسلسلة إمداد البنية التحتية للمعلومات الحيوية لدينا، والتي من شأنها أن تؤثر على الأمن القومي
يأتي ذلك بعد أكثر من شهر من إعلان الصين عن إجراء تحقيق في الواردات من أكبر شركة لتصنيع رقائق الذاكرة في أميركا. وأصبح قطاع التكنولوجيا ساحة معركة رئيسية بشأن الأمن القومي بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ أدرجت واشنطن بالفعل شركات تكنولوجيا صينية في القائمة السوداء، وأوقفت تدفق المعالجات المتطورة وحظرت على مواطنيها تقديم مساعدات معينة لصناعة الرقائق الصينية، وقالت وزارة التجارة الأميركية في بيان إن استنتاج بكين “ليس له أساس في الواقع، وإن واشنطن ستواصل محاولة الحد من اضطرابات الصناعة مع حلفائها
ارتفعت أسهم أكبر منافستين لـ”مايكرون” في الصناعة، وهما “سامسونغ إلكترونيكس” و”إس كاي هاينكس” (SK Hynix)، في سيؤول. وصعدت أسهم شركات الرقائق الصينية، بما في ذلك رائدتا القطاع “سيميكوندكتور مانيوفاكتشرينج إنترناشيونال كورب” (Semiconductor Manufacturing International Corp) و”هوا هونغ سيميكوندكتور” (Hua Hong Semiconductor) بأكثر من 3% في هونج كونج
قال هولدن تريبليت، مؤسس شركة “ترينشكوت أدفيزورز” ( Trenchcoat Advisors) والمسؤول السابق بمكتب التحقيقات الاتحادي لمكافحة التجسس في بكين: “ينبغي ألا يفهم أحد هذا القرار الصادر عن إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين على أنه شيء سوى الانتقام من ضوابط التصدير الأميركية على أشباه الموصلات. يجب ألا تخدع هذه الحيلة أي شركة أجنبية تعمل في الصين. فهذه إجراءات سياسية محضة، وأي نشاط يمكن أن يكون المُستهدَف التالي
تزيد هذه الخطوة حالة عدم اليقين بالنسبة إلى صانعي الرقائق الأميركيين الآخرين الذين يبيعون منتجاتهم للصين، أكبر سوق في العالم لأشباه الموصلات. فشركات مثل “كوالكوم” (Qualcomm) و”برودكوم” (Broadcom) و”إنتل” (Intel) تبيع مليارات الرقائق إلى العملاق الآسيوي، لتجد هذه المكونات طريقها إلى المنتجات الإلكترونية التي تُصدرها الصين لجميع أنحاء العالم
عبر الرئيس الأميركي جو بايدن عن تفاؤله بشأن العلاقات مع الصين يوم الأحد في ختام قمة مجموعة السبع في اليابان وقال إنه يتوقع أن تبدأ العلاقات بين البلدين “في التحسن في وقت قريب جداً
وقالت وكالة الفضاء الإلكتروني الصينية في بيانها يوم الأحد، إنه بينما ترحب الدولة بالمنتجات والخدمات التي تقدمها الشركات من جميع البلدان ما دامت تمتثل لقوانينها ولوائحها، فإن التحقيق في منتجات “مايكرون” هو “إجراء ضروري” لحماية الأمن القومي. ولم توضح بالتفصيل مخاطر الأمان أو تحدد منتجات “مايكرون” التي طالها الحظر
أما “مايكرون”، التي سبق أن أكدت على تمسكها بأمن منتجاتها والتزاماتها تجاه عملائها، فقالت في بيان يوم الأحد إنها تقيم نتيجة المراجعة وكذلك خطواتها التالية، مضيفة أنها تتطلع إلى “مواصلة الحوار مع السلطات الصينية
وقال محللون في “جيفيريز” (Jefferies)، بمن فيهم إديسون لي، في تقرير بحثي إن قرار وكالة الفضاء الإلكتروني الصينية من المحتمل ألا يكون له سوى تأثير ضئيل على “مايكرون” لأنه يركز على “البنية التحتية للمعلومات الحساسة”، ما يعني عمليات مثل مراكز البيانات وخدمات الحوسبة السحابية ذات المخاطر الأمنية. وأضافوا أن معظم رقائق ذاكرة “مايكرون” التي تُباع في الصين تُستخدم في الواقع في الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة
وكتبوا يقولون: نعتقد بأن هذا الحظر ضيق النطاق لأنه لا ينطبق إلا على مشغلي البنية التحتية للمعلومات الحساسة لذلك، سيكون التأثير النهائي على مايكرون محدوداً للغاية
في غضون ذلك، تعمل شركة صناعة الرقائق التي تتخذ من بويز بولاية أيداهو مقراً لها على توثيق العلاقات مع اليابان. أفادت بلومبرج بأنها تستعد للحصول على نحو 200 مليار ين ياباني (1.5 مليار دولار) في صورة حوافز مالية من الحكومة اليابانية لمساعدتها في صنع شرائح ذاكرة من الجيل التالي في البلاد. التقى رئيس الوزراء فوميو كيشيدا الأسبوع الماضي بوفد من المديرين التنفيذيين للرقائق، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة “مايكرون” سانجاي ميهروترا
كانت رقائق الذاكرة نقطة محورية في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وفي ديسمبر الماضي، أدرجت واشنطن شركة “يانجتزي ميموري تكنولوجيز” (Yangtze Memory Technologies Co)، الشركة المدعومة من الدولة والمتخصصة في تصنيع بطاقات الذاكرة في ووهان، على القائمة السوداء، الأمر الذي حدّ فعلياً من قدرات الصين على تطوير رقائق ثلاثية الأبعاد متطورة على غرار “ناند” (Nand). وكانت “يانجتزي” قبل تلك الخطوة في إطار محادثات مع شركة “أبل” لتزويدها بمكونات خاصة بهواتف “أيفون”
تعد “مايكرون” آخر شركة مصنعة لذاكرة الكمبيوتر مقرها في الولايات المتحدة، تنجو من التراجع الحاد الذي أصاب القطاع، وأجبر شركات منافسة كبرى، من أمثال “إنتل” و”تكساس إنسترومنتس” (Texas Instruments Inc) على الانسحاب
معظم منتجات “مايكرون” يجري تصنيعها وفقاً للمعايير المعتمدة في هذه الصناعة، ما يعني أنه يمكن بسهولة استبدال الرقائق التي تصنعها بتلك الخاصة بالمصنعين المنافسين، مثل “سامسونج” و”هينكس” (Hynix) الكوريتين الجنوبيتين، واللتين لديهما مصانع للرقائق في الصين
في العادة، لا تُعتبر رقائق الذاكرة خطراً على الأمن السيبراني، لأنها لا تتطلب أي برامج أو تعليمات برمجية محددة، وهي في الغالب عبارة عن شبكات أساسية من الترانزستورات تُستخدم لتخزين البيانات، وبالتالي، فإنها لا تعتبر في العادة مدخلاً أو ثغرة لهجوم المتسللين
حصلت شركة “مايكرون” على نحو 11% من إيراداتها في سنتها المالية الأخيرة، من البر الرئيسي للصين ورغم أن هذه النسبة تعتبر صغيرة نسبياً مقارنة بشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، فإن الكثير من إنتاج الإلكترونيات في العالم يمرّ عبر المصانع الصينية بطريقة ما، ومن المحتمل أن تضرّ خطوة الصين بعلاقات العملاء مع شركة “مايكرون”
يكمن الخطر في أن المشترين في الصين سيقررون تجنّب أي مخاطر بعد تحذير بكين، وبالتالي الابتعاد عن كل منتجات الشركة الأميركية. وقد يصبّ ذلك بدوره في مصلحة منافستي “مايكرون”الرئيسيتين وهما “سامسونج” و”هينكس”
بعد نزاع قانوني سابق، لجأت شركة “يو إم سي” (UMC) أو “يونايتد ميكرو إلكترونيكس كورب” (United Microelectronics Corp) التايوانية، إلى تسوية دعوى في عام 2021 رفعتها ضدها شركة “مايكرون”، واتهمتها فيها بسرقة ملكيتها الفكرية وتسريبها إلى شريك صيني. تتعلق تلك القضية بنقل غير قانوني مزعوم لتصميمات ذاكرة “مايكرون”، في صفقة تصنيع رقائق بين “يو إم سي” وشركة “فوجيان جينوا إنتجرايتد سيركيت” (Fujian Jinhua Integrated Circuit Co)، ومقرها في جينجيانج
لقي إعلان بكين الأخير، إدانة من بعض المشرعين الأميركيين. وفي هذا السياق، قال راجا كريشنامورثي، النائب الديمقراطي عن ولاية إلينوي، إن الحزب الشيوعي الحاكم، يزيد من صعوبة ممارسة أعمال تجارية في جمهورية الصين الشعبية، يوماً بعد يوم
أضاف يجب أن تسأل كل شركة في جميع أنحاء أميركا: هل من الأفضل الآن الاستثمار في جمهورية الصين الشعبية، أم أنه ينبغي أن تستثمر أكثر في الولايات المتحدة وفي الدول الحليفة والشريكة؟”. وقال إن ممارسات الصين تجعل عملية الاختيار في هذا المجال “أسهل، وبشكل متزايد، أمام الشركات الأميركية.. نحتاج في الكونغرس إلى العمل على تسهيل عودة الشركات إلى الوطن، والاستثمار من جديد في أميركا