نشرت صحيفة الشرق الاوسط السعودية مقالا للكاتب أحمد يونس تحت عنوان : ” إخوان السودان قدحوا شرارة الحرب وواصلوا تزويدها بالوقود ” .
و تضمن المقال انه يوم السبت 8 أبريل الماضي وقبل أسبوع من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، أفلحت القوى السياسية والوساطة الثلاثية «السعودية – الأمريكية – الإماراتية» في جمع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وتم الاتفاق على عقد اجتماع «فني» في اليوم التالي (الأحد) لبحث الأزمة ولكن، في الموعد حضر الجميع وغاب البرهان تحت ذريعة «المرض» ولم يرسل أياً من مساعديه، ما عدته أوساط «حميدتي» تنصّلاً مما سبق الاتفاق عليه، ومن ثم، وجه الأخير قواته بالتحرك إلى منطقة تقع بالقرب من قاعدة مروى الجوية.
شكّك كثيرون في أسباب «غياب» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان عن اجتماع الأحد البعض قال إنه تعرض لضغوط من قبل ضباط الجيش المحسوبين على الحركة الإسلامية (الاسم المحلي للإخوان المسلمين).
وازدادت دائرة الشكوك اتساعاً إثر تلميحات مجموعة من قادة وإعلاميي الإسلاميين على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي؛ «فيسبوك» على وجه التحديد، بأن الحرب مقبلة وأن النصر فيها وشيك.
وصار الوضع أكثر غموضاً لأن البرهان لم يعد لطاولة الحوار والتزم الصمت، ورفع حالة الاستعداد والتعبئة وسط القوات المسلحة (الجيش)، فظلت الأيدي على الزناد من قبل الطرفين.
وفي 11 أبريل ، نشر الناشط عمّار السجاد على صفحته سؤالاً مفخخاً كأنه يجيب عن سؤال تحريضي، إذ قال: «الناس المستبعدين الحرب، انتو المدرعات دي جاية الخرطوم تزرع زهور؟»، وقبلها كان السجّاد قد وجّه نصيحة عدّها «غالية»، تقول: «أي أسرة تستطيع مغادرة الخرطوم لأطول فترة ممكنة، فلتفعل».
وكان قبلها قد ذكر أنه «تلقى تنويراً بذلك»، لكنه تراجع عنه، وأضاف: «ما كنت أعلم بالغيب، عندما قامت الدنيا عليّ ولم تقعد».
وفي 13 أبريل، قبل اندلاع الحرب بيومين، كتب الصحفي «الإسلامي» طلال إسماعيل على صفحته في «فيسبوك»، قائلاً: «يؤتي الملك مَن يشاء وينزع الملك ممّن يشاء»، ودوّن تحتها «هاشتاجات»، تقول: «قوائم الاعتقال، حظر السفر، ساعة الصفر»، وذلك بعد أسبوع من تغريدته يوم 5 أبريل التي اكتفى فيها بـ«السودان، الانتشار، الانفتاح».
وفي تغريدة أخرى لإسماعيل كتب: «من القائد خرطوم، إلى كل الأفرع والوحدات»، وقبل اندلاع القتال بساعات كتب مرة أخرى: «إنشاء قوات خاصة جديدة من الجيش السوداني (للتدخل السريع)، رشيقة الحركة وذات نيران كثيفة، حيث تساءل عدد من المواطنين عن العربات في فيديوهات ظهرت ليلاً، تضم وحدات من مهامها حرب المدن، ومكافحة الإرهاب وعمليات ذات طبيعة خاصة».
وقبل هذه التلميحات الكاشفة، توعّدت قيادات إسلامية بارزة بالحرب حال مضيّ الجيش قدماً في توقيع «الاتفاق الإطاري» مع القوى المدنية ونقل عن القيادي «الإسلامي» أنس عمر تهديده خلال إفطار رمضاني بأن يفشّلوا الاتفاق الإطاري «بأي ثمن».
وتوعّد القوى المدنية بالهزيمة، في حين أعلن قائد «الدعم السريع» دعمه للاتفاق باعتباره ميثاقاً وعهداً وفي المقابل، عد «الإسلاميون» الاتفاق بين الجيش و«الدعم السريع» وتوقيعه «نهاية» لطموحهم في العودة إلى الحكم مجدّداً، لذا استخدموا كل ما يملكون من قوة وأدوات تحريض ضده.
نص الاتفاق الإطاري
لقد نصّ الاتفاق الإطاري الموقع بين كل من الجيش و«الدعم السريع» منفردين والقوى المدنية من جهة أخرى، على تشكيل حكومة مدنية وخروج القوات العسكرية من السياسة، وإعادة إحياء لجان تفكيك نظام 30 يونيو ، وفترة انتقالية طولها سنتين ونصف السنة تجرى بعدها انتخابات. وهو ما يعني نهاية أكيدة لأحلام «الإخوان» السودانيين حال الالتزام به، ولذا عملوا على إفشاله عبر تحريض الجيش و«الدعم السريع» على الدخول في «الحرب».
اليوم يدور جدل كبير حول مَن «أطلق الرصاصة الأولى»، إذ يزعم «الدعم السريع» أنه بوغت بالهجوم على قواته في معسكري «المدينة الرياضية» و«سوبا» جنوب الخرطوم أما الجيش فيدّعي أن «الدعم السريع» هاجم قيادته العامة مستهدفاً القائد العام عبد الفتاح البرهان، وأيضاً أنه شن هجوماً متزامناً على مقر القيادة العامة والقصر الرئاسي ومبنى الإذاعة والتلفزيون والقاعدة العسكرية في منطقة مروي ومطار الخرطوم الدولي بجوار القيادة وغيرها.
إلا أن الشاهد «ي. ب»، وهو تاجر يعمل في السوق المركزية بالخرطوم بالقرب من المدينة الرياضية، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه وصل إلى متجره راجلاً في السادسة من صبيحة 15 أبريل عبر شارع أفريقيا الذي يمر بالمدينة الرياضية؛ حيث قوات «الدعم السريع»، وهناك شاهد قوات من الجيش تغلق الطريق من تجاه الشرق، وبعد عدة ساعات سمع دوي الأسلحة المتعددة ومعركة بين الطرفين.
هذا الكلام يسند رواية «الدعم السريع» التي تقول إنهم فوجئوا بهجوم الجيش على قواتهم، لكنهم استطاعوا إلحاق الهزيمة بالمهاجمين. وفي شريط «فيديو» لأسرى العملية اعترف أحدهم بأنهم استجلبوا من قبل الحركة الإسلامية من مناطق عديدة في السودان.
من جهة ثانية، على الرغم من حالة التأهب والتوتر بين الطرفين الممتدة منذ أشهر، وحشد كل طرف لقواته، فإن الجيش يزعم أنه بوغت بهجوم «الدعم السريع» على عدة مواقع تخصه بما فيها القيادة العامة، ويتهم «الدعم السريع» بمحاولة السعي لتسلم السلطة والانقلاب على القائد العام ومحاولة تصفيته لكن «الدعم السريع» في نفيه يقول إنه «رد بسرعة على الاعتداء عليه».
والمرجح، بحسب عدد من المحللين، أن الطرفين كانا متجهزين للقتال، لكنّ أياً منهما لم يحدد «ساعة الصفر».
«الإسلاميون» افتعلوا المعركة
في هذه الأثناء، يرى محللون أن قوى من خارج الجيش، يُرجَّح أنها من «الإسلاميين» افتعلوا المعركة مع «الدعم السريع» في المدينة الرياضية وأرض المعسكرات في سوبا، بهدف زجّ الجيش في المعركة.
وما يؤكد أن الجيش لم يحدد «ساعة الصفر»، وأن كثيراً من قياداته فوجئوا بالقتال، هو تمكن «الدعم السريع» من أسر عدد كبير من كبار الضباط في منازلهم بحي المطار القريب من قيادة الجيش، بمن فيهم «المفتش العام للجيش» الفريق مبارك كمتور، وقائد معهد الاستخبارات العسكرية برتبة عميد، وآخرون من كبار الضباط برتبة عميد لواء لا يزالون أسرى عند «الدعم السريع».
وللعلم، فور اشتعال القتال، أعلن حزب المؤتمر الوطني، ومرجعيته الفكرية «الحركة الإسلامية»، تأييدهما للجيش والوقوف معه لهزيمة «الدعم السريع»، واستخدما أسلوباً معروفاً عنهما كانا قد استخدماه طوال فترة حكم «إسلاميي» المؤتمر الوطني لتقسيم المواطنين إلى قسمين: «خونة وعملاء» و«وطنيين». والمعنى أن كل من لا يؤيد الجيش هو من مجموعة العملاء والخونة والداعمين لـ«الدعم السريع»، وأيضاً يرون أن كل من يطالب بوقف الحرب داعم للميليشيا.
وهذا أيضاً أسلوب دعائي ظل يستخدمه حكم «المؤتمر الوطني» طوال حروبه في السودان بتقسيم المجتمع إلى فسطاطين. ومثلما عدّوا، عندما كانوا يقاتلون في جنوب السودان، تلك الحرب ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان «جهاداً»، كفّروا بموجبه كل من يرفض تلك الحرب، فإنهم يعتبرون الحرب الحالية «معركة كرامة»… ومن ثم، فكل من يطالب بإيقافها عميل وخائن لوطنه و«بلا كرامة».
ذريعة ضرب «الفلول»
في المقابل، فإن دعاية «الدعم السريع» الحربية ركّزت على أن هذه الحرب دائرة بينه وبين الإسلاميين، الذين أطلق عليهم صفة «الفلول». واتهم هؤلاء بأنهم «يسيطرون على قيادة الجيش»، وهو يعمل على تطهير الجيش منهم. ويضيف أن معركته «ليست مع الجيش، بل مع القيادة الفاسدة والمنفذة لأهداف الكيزان». وفي سبيل ذلك توعّد الإسلاميين، وأوقف بعض قادتهم، وعلى رأسهم والي ولاية شرق دارفور السابق أنس عمر، والحاج آدم رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، والقيادي السابق في الحزب الحاكم، ومحمد علي الجزولي القيادي الإسلامي المتطرف المقرب من «داعش».
وفي تصريحات له أثناء «أسره»، ظهر أنس عمر مرتدياً الزي العسكري – وهو برتبة لواء أمن معاش – قدم خلالها اعترافات بدور حزبه وتخطيطه للحرب. ومما قاله: «تم التخطيط لتغيير حكومة (الدكتور عبد الله) حمدوك من وقت مبكر، عبر مظاهرات ومسيرات ومواكب. وكنا مسؤولين عن التعبئة. وكان التنسيق مع قيادة الجيش البرهان والكباشي والعطا وميرغني إدريس، وهم الذين حددوا ساعة الصفر، وتولينا قضية التعبئة. بلغت التعبئة ذروتها في رمضان… وقرر المؤتمر الوطني رفض الاتفاق الإطاري وإسقاطه، وتعبئة الجماهير باستثارتها ضد الحكومة القائمة».
إلا أن حزب المؤتمر الوطني اعتبر تصريحات القيادي أنس عمر عديمة القيمة، لأنها أخذت منه عن طريق الإكراه. وجاء في بيان للحزب بتاريخ 21 مايو الماضي، أن الرجل أرغم تحت التعذيب للاعتراف بعلاقته بالتخطيط مع القوات المسلحة لإسقاط الحكومة، وأضاف: «هذه مزاعم وتلفيق لا يفوت على فطنة السودانيين»، واصفاً ظهوره بجريمة اختطاف مدنيين.
أما الجزولي فقد ذكر في تصريحات – وهو تحت الأسر أيضاً: «كنت منتمياً لـ(داعش) وأبو بكر البغدادي وحتى الآن. نحن منذ يوم توقيع الاتفاق الإطاري، قرّرنا حملة قوية لإسقاطه، وكنا نتواصل مع المؤسسة العسكرية والفريق البرهان عبر اللواء حسن بلة، لإسقاط الاتفاق الإطاري». كذلك، نقل عنه قوله إن الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي «نوّرهم» بأن الانفجار قد يقع يوم السبت، وتابع: «بالفعل في يوم السبت ناس من الجيش ومعهم كتائب الإسلاميين هاجمت المدينة، يقودها أنس عمر، ويخطط للشغل أسامة عبد الله وعلي كرتي، وانطلقت الطلقة الأولى بالاعتداء على قوات الدعم السريع ومن قبل كتائب الإسلاميين».
لا سلام ولا جدّية
يبقى القول إنه على الرغم من أن قطاعات واسعة من الشعب السوداني ترفض الحرب، وأيضاً على الرغم من الضغوط الدولية والوساطة السعودية – الأمريكية التي توصلت مع الطرفين إلى إعلان أكثر من وقف لإطلاق النار أو «هدنة»، فإن الطرفين لم يلتزما بها بشكل قاطع. إذ استمر القتال، ووفقاً لتقارير أممية أدى استمرار هذه الحرب حتى اللحظة إلى تشريد نحو 2.5 مليون وتحويلهم إلى نازحين داخل البلاد ولاجئين في دول الجوار.
كذلك، اضطرت الوساطة لتعليق التفاوض بين الطرفين ووصفتهما بـ«غير الجادين» في وقف الحرب. وبالتالي، لا يعرف أحد إلى متى تستمر الحرب أو متى تنتهي، فقد اشتعلت نيرانها ولم تبقَ في الخرطوم والمناطق الأخرى التي امتدت لها فقط، بل أصبحت تهدد بالتحول لحرب أهلية.
المصدر : الشرق الأوسط