قال سلمان الدوسري، في مقال في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ونشر على موقعها الالكتروني اليوم الخميس، أن نجاح موسم الحج لم يعد استثناءً كما كان سابقاً، بل أصبح النجاح منقطع النظير للركن الخامس للمسلمين هو القاعدة. لا تزاحُم على الجمرات، لا مخاوف من التدافع، لا قلق من مسار الحجاج الذين يربون على مليونين ونصف مليون في منطقة جغرافية محدودة، حتى إدارة الحشود الضخمة أصبحت فناً سعودياً بامتياز، والحج الذكي غدا هدفاً يسهّل على الحجاج أداء مناسكهم. تُستنفر المملكة بأكملها لاستضافة الحجاج، فهو أهم حدث تعرفه البلاد طوال العام، بدءاً من قيادتها وحكومتها مروراً برجال أمنها والمتطوعين، وليس انتهاءً بمواطنيها الواحد وعشرين مليوناً. صحيح أن المواطنين لا يشاركون مباشرةً في خدمة الحجاج كما يفعل البقية، إلا أن متابعتهم اليومية ودعمهم اللامحدود، كلٌّ بطريقته، كما من خلال مبادرة “كن عوناً” للمساهمة في الأعمال التطوعية، فتح المجال لجميع أفراد المجتمع لخدمة الحجاج، ووضعهم في مصافّ المشاركين في هذه المنظومة السعودية المليونية التي لا تهدف فقط إلى نجاح موسم الحج كل عام، بل لأن يكون النجاح كل مرة متقدماً عن العام الذي سبقه.
هذا العام مثلاً أطلقت السلطات السعودية حزمة من 8 مشاريع وبرامج ومبادرات باسم “منصة الحج الذكي”، منها مبادرة «الرقابة على الخدمات» لرفع مستوى خدمات السكن بتوفير مساحات إضافية للحجاج وتنظيم مسارات النقل الترددي، وبرنامج “التفويج” المخصص لإدارة الحشود عبر نظام إلكتروني لإعداد ومراقبة خطة التفويج، إضافة إلى “مشروع زيادة الطاقة الاستيعابية”، وكذلك مبادرة «النظام الإلكتروني للمشاعر المقدسة»، من خلال نظام إلكتروني رقابي لقياس جاهزية المشاعر المقدسة ومرافقها، وأخيراً مبادرة “حج بلا حقيبة”، لإعادة نقل أمتعة الحجاج من مقرات سكنهم إلى صالات الحج والعمرة بمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، كل هذا يمكن اعتباره ثورة لتطويع التكنولوجيا في خدمة الحجاج.
ولا تتفوق السعودية في تقديم نموذج متطور كل موسم حج فحسب، وإنما هناك جانب آخر لا يقل أهمية يكمن في عدم استخدام الدولة المستضيفة للحج لأغراض سياسية أو دعائية لا من قريب أو بعيد، فهي ترفض رفضاً قاطعاً أن تتحول الشعيرة العظيمة إلى محاولة لتحقيق أهداف سياسية، فلا ملكها أو ولي عهدها أو حتى وزراؤها يستغلون اهتمام مئات الملايين من المسلمين لتحقيق غايات سياسية، أو لتمرير رسائل تخدم أجندات الدولة، كل جهودهم وأعمالهم وتركيزهم منصبٌّ على تقديم أفضل خدمة للملايين من ضيوفهم، حتى إن مصالح الدولة تتوقف بالكامل خلال أيام الحج لتتفرغ جميع وزاراتها ومؤسساتها من أجل القيام بواجباتهم المنوطة بهم. المملكة ومن واقع دورها في تنظيم هذه الشعيرة ذات القدسية العالية، ترفض وبحزم استخدام مناسبة الحج في أي أجندات سياسية، وهو ما دفعها لأن تبدأ بنفسها، فلم يسبق أن سعت لاستغلال مثل هذا الحدث الذي يتابعه أكثر من مليار ونصف مليار مسلم ناهيك بالعالم بأسره. غنيٌّ عن القول إن الحج لو نظمته دول أخرى لشهدنا العجب العجاب في استخدامه إما لأغراض سياسية وإما لمصالح حزبية وإما لترويج آيديولوجيا فكرية.
يمكن القول إن المملكة اتخذت لنفسها مبدأ رسّخته عاماً تلو الآخر بأن جرّدت الحج من أي حسابات سياسية أو مصالح حزبية، كما أنها لم تمنع أحداً من حج بيت الله الحرام، حتى من الدول التي حصلت بينها وبين تلك الدول خلاف، إلا إذا كان المنع بسبب عدم التزام تلك الدول بتنظيمات الحج، كما قطر مثلاً، التي ترفض قدوم حجاجها لأسباب هزيلة، ثم تناقض نفسها وتتغافل عن نفس هذه الأسباب وتسمح لفرقها الكروية بالقدوم للمملكة ولعب المنافسات الرياضية.
ليس من الهين ما تقوم به السعودية من تحصين هذه الشعيرة وضمان أن تكون عصية على العبث السياسي الديني، وهو عنصر نجاح رئيسي يضاف إلى التميز الذي بلغه تنظيم الحج.
ومع كل هذا النجاح التنظيمي، الذي لم يعد استثناءً، فلا أحد في المملكة يقبل بأن يكون كل موسم حج إلا أكثر نجاحاً مما قبله. هكذا أصبح تنظيم الحج، مناسبة متميزة يترقبها السعوديون كل عام ليتنافسوا مع أنفسهم في حج أكثر تميزاً ونجاحاً عن العام الذي قبله.
المصدر: صفحية الشرق الأوسط