تكرَّر القول إنَّ السابع من أكتوبر حطَّم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر ولا يُخترق. والحقيقة أنَّ الأسطورة حطّمت أولَ مرة في السادس من أكتوبر 1973. يومها اخترقت دفاعات إسرائيل المخابراتية والعسكرية، وشعرت بالخوف الوجودي، وأصيب موشي ديان بانهيار عصبي، وأحيل جانباً عن القيادة، وطالبت جولدا مائير، الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، بمدّ إسرائيل بجسر من السلاح وإلاّ استخدمت القوة النووية.
عندما تقرأ، أو تشاهد، (وهذا الأهم) وثائقيات المرحلة، تدرك أن المقارنة بين 6 و7 أكتوبر مسألة يغلب عليها الحماس العاطفي. والذي جعل الناسَ تنسى أهمية وضخامة وتعقيدات 6 أكتوبر هو فظاعة ووحشية الرد الإسرائيلي على عملية 7 أكتوبر في غزة. هذه كانت عملية استخباراتية ناجحة ومؤلمة جداً للسمعة التي تقوم عليها إسرائيل. أمَّا العبور فكان عملية عسكرية هائلة الحجم والتنظيم وبراعة الخداع الحربي.
سرعان ما تحوّلت 6 أكتوبر من نصر عسكري مذهل إلى عملية سياسية يشترك فيها العالم أجمع. أما السابع من أكتوبر في غزة فما زال يدك بيوت غزة ومستشفياتها وطرقاتها ومدارسها. وبينا تفادت الأمم، منها أميركا، خريف 1973، لتحقيق هدنة عاجلة، تستخدم الولايات المتحدة الفيتو لمنع وقف النار، وتتصرف في الحلبة العسكرية والسياسية كأنها شريك لإسرائيل، وليسَ مجرد حليف لها.
ليست هناك قوى أسطورية في هذا العالم. هناك أساطير معرضة دائماً للسقوط. وهناك قوي معرض دائماً للهزيمة، لكن إسرائيل انتهت. إنها في أرض غير أرضها. وعندما يبدأ أهلها بالهجرة المعاكسة، لن تكون هناك نهاية لـ«سفر الخروج».
يجب أن نقرأ الجدل القائم داخل إسرائيل. صحيح أنه جزئي وليس عاماً، لكنه للمرة الأولى في تاريخها ليس حول إسقاط رئيس الوزراء، أو إقالة قائد الجيش، بل حول مدى أمن الإسرائيليين وبقاء إسرائيل، وحول مدى اعتداء المستوطنات على شكل وجوهر أي دولة فلسطينية. بل يقول بعض المفكرين كيف يمكن الشرط أن تكون دولة فلسطينية مجردة من السلاح، بينما إسرائيل أكثر دولة مدججة بالسلاح في العالم؟
أربعة أشهر من الدمار والقتل ولا تزال أميركا تحول دون تدويل حرب غزة تمهيداً لحل. وعدد القتلى أصبح ضعف ضحايا 73 على الأقل. وقد انتهت أكتوبر الأولى بقرارات دولية فتحت الباب أمام مرحلة طويلة من الهدوء، فأي باب سيفتح في غزة بعد باب الجحيم؟
صحيفة الشرق الأوسط