رسم محللون 3 سيناريوهات مستقبلية محتملة على القارة الأفريقية كجزء من تداعيات الصراع المفاجئ الذي اندلع أمس السبت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومجموعة فاجنر وزعيمها يفجيني بريجوجين؛ حيث ينشط أكثر من 15 ألف مقاتل تابعين للمجموعة في عدد من دول القارة من بينها أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي.
وتنظر حكومات البلدان الأفريقية التي تتعاون مع مجموعة فاجنر للحفاظ على وجودها؛ باهتمام بالغ لما يجري في الداخل الروسي حاليا حيث سيحدد مستقبل فاجنر مصير تلك الحكومات إلى حد بعيد.
منذ منتصف العقد الماضي تزايد وجود مجموعة فاجنر بشكل كبير في عدد من البلدان الأفريقية المضطربة سياسيا وأمنيا؛ ففي جمهورية إفريقيا الوسطى يدعم نحو ألفي مدرب تابعين للمجموعة القوات الحكومية في الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ اكثر من 10 سنوات؛ كما أشارت تقارير إلى وجود أكثر من 1500 مقاتل تابعين للمجموعة في ليبيا وضعف هذا العدد في جمهورية مالي الغارقة في أزمات أمنية كبيرة في مناطقها الشمالية وينتشر كذلك الآلاف من مقاتلي المجموعة في عدد من بلدان غرب وشرق أفريقيا.
وفي ظل الظروف التي استجدت السبت بات مستقبل وجود فاجنر في البلدان الأفريقية يخضع لعدد من السيناريوهات المحتملة:
يتمثل السيناريو الأول في أن تدفع أي هزيمة ساحقة تتلقاها المجموعة إلى التخلي عن أنشطتها الخارجية وفي مقدمتها الأنشطة الأفريقية.
أما السيناريو الثاني وهو الأكثر استبعادا فيتمثل في تغلغل المجموعة بشكل أكبر وزيادة حجم وجودها في القارة الأفريقية وربما تقنينه في شكل علاقات ثنائية مباشرة إذا ما قوى الصراع الحالي موقفها داخل موسكو بأي صيغة من الصيغ.
السيناريو الثالث وهو الأكثر ترجيحا فهو أن يؤدي إضعاف وضعية المجموعة في روسيا إلى التركيز أكثر على التواجد الخارجي وخصوصا في أفريقيا.
ويشير الذين يرجحون السيناريو الثالث إلى أن المجموعة ستبقى في بلدان القارة الأفريقية لكن بنهج جديد وذلك استنادا إلى شبكات المصالح الكبيرة التي تمكنت من بنائها خلال الفترة الأخيرة.
وفي الواقع؛ تحولت المجموعة خلال العامين الأخيرين من مجرد مقاول قتال لحماية الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول الأفريقية إلى منظومة تضم مجموعة متعددة من التحالفات والشركات والعلاقات التجارية.
ويبدو الأمر أكثر وضوحا في أفريقيا الوسطى التي تشير تقارير استخباراتية إلى أن قوات رئيسها الحالي فوستين أرشانج تواديرا تتلقى دعما متزايدا من مجموعة فاجنر الروسية. كما تمددت المجموعة في مجالات اقتصادية رئيسية بما فيها القطاع الصناعي الذي كانت فرنسا تسيطر على حصة كبيرة منه.
وبعد خروج آخر فوج من القوات الفرنسية من أراضي أفريقيا الوسطى في التاسع عشر من ديسمبر 2022؛ زادت قوات فاغنر من نفوذها ووجودها في هذه الدولة الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية.
في حين يرى البعض أن الضغوط التي واجهها المستعمرون التقليديون؛ وخصوصا فرنسا؛ في عدد من الدول الأفريقية منذ نهاية 2022 قد تشكل فرصة لتمدد مجموعة فاجنر في بلدان مثل مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو؛ يرى آخرون أن تحولات كبيرة شهدتها بلدان أخرى مثل السودان الذي كان يعتبر في نظر البعض المنفذ الأهم نحو أفريقيا يمكن ان تنعكس سلبا على المجموعة.
وفي الجانب الآخر قد يشكل أي اهتزاز في موقف فاجنر في أفريقيا فرصة كبيرة للدول الأوروبية؛ خصوصا فرنسا التي تعمل على تعويض فراغ وجودها العسكري بالتركيز على البعد الاقتصادي في مستعمراتها الأفريقية السابقة خصوصا في غرب أفريقيا.
وفي الواقع استطاعت فرنسا وضع أساس قوي لها من خلال الوجود الكبير لشركاتها التجارية واستمرار أكثر من 15 دولة أفريقية في تبني “الفرنك الأفريقي” المقوم بالعملة الفرنسية.
ويستخدم الفرنك حاليا كعملة في منطقتين نقديتين مختلفتين في إفريقيا منذ عام 1945، وهما الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.
وتضم منطقة الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا 8 دول أعضاء وهي بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو؛ أما منطقة الاتحاد النقدي لوسط أفريقيا فتضم 6 دول وهي الكاميرون والكونغو والغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد.
وبدأ الصراع بين روسيا وفرنسا منذ أكثر من 6 عقود؛ ففي مالي مثلا سعى الرئيس موديبو كايتا بعد خروج الفرنسيين في العام 1960 إلى توطيد علاقته مع النظام الشيوعي الاشتراكي السوفياتي آنذاك؛ حيث دعم الاتحاد السوفيتي مالي بالأسلحة في مواجهة الثوار الأزواديين الذين رفضوا الاندماج مع الدولة الوليدة.
وتجددت محاولات بسط النفوذ خلال العقد الماضي بشكل أكبر وذلك مع تزايد حدة الصراع على الموارد الطبيعية في المنطقة؛ وحاجة عدد من دول المنطقة للحماية من هجمات الجماعات المعارضة والمتطرفة.
وفي كل الحالات؛ يتفق المحللون على أن فاجنر ستستمر في الانتشار والنمو في السياق الأفريقي ما لم يعمل الشركاء الغربيون على إعادة صياغة علاقاتهن بشكل أفضل مع نظرائهم الأفارقة خصوصا في ظل الفراغ الأمني الكبير الذي تواجهه بلدان أفريقية تعاني من تزايد ملحوظ في وجود جماعات إرهابية او نزاعات أهلية داخلية.