تُعقد في وقت لاحق اليوم الخميس اجتماعات منظمة (أوبك بلس) عبر تقنية الفيديو كونفرانس، لمناقشة إمكانيات التوصل لاتفاق يقضي بخفض انتاج النفط بعد أن تدهورت أسعاره إلى أقل من الثلاثين دولاراً للبرميل، بسبب تداعيات جائحة كورونا التي أصابت دول العالم مخلفة ورائها أزمات اقتصادية تفوق في سلبياتها ما خلفته الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وألقت أزمة (كورونا) برحالها في حضن منتجي النفط الكبار حول العالم، الذين فشلوا في التوصل إلى اتفاق حول حصص الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى زيادة المعروض وبالتالي انخفاض الأسعار، ومع انتهاء اتفاق أوبك في 31 مارس الماضي، تشهد الأسواق انفجارا في المعروض بعد انهيار الاتفاق بين أوبك والمنتجين الكبار خارج أوبك.
ومن المقرر أن تعقد أيضا مجموعة العشرين التي ترأسها السعودية، غدا /الجمعة/ اجتماعا افتراضيا استثنائيا عن بُعد، لوزراء الطاقة في دول المجموعة والدول المدعوة، لتعزيز الحوار والتعاون العالميين الهادفين إلى تحقيق وضمان استقرار أسواق الطاقة، والذي بدوره سينعكس على نمو الاقتصاد العالمي.
وأشارت تقارير إلى أن ثمة جهوداً كبيرة لإشراك الولايات المتحدة في اتفاق خفض الإنتاج ضمن أجندة اجتماعات مجموعة العشرين، على خلفية ارتفاع إنتاجها من النفط الصخري، بعد أن أبدت روسيا استعدادها لخفض الإنتاج بشكل كبير دون إعطاء الأرقام المحددة، وكانت الفترة الماضية قد شهدت تبادل كل من (الرياض) و(موسكو) اللوم في انهيار الاتفاق السابق لـ “أوبك بلس” الشهر الماضي، وأقدمتا على إنتاج المزيد من النفط لضمان حصة أكبر في السوق، مما دفع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في عشرين عاما تقريبا.
ورغم تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، أنه توسط لاتفاق بين (الرياض) و(موسكو) على تخفيضات بحجم غير مسبوق تصل إلى ما بين عشرة ملايين و15 مليون برميل يوميا، أو حوالي عشرة بالمائة إلى 15 % من الإمدادات العالمية، لكن شيئا لم يتم رسميا، إلا أن مسئوليين في (أوبك) أكدوا أن حجم أي تخفيضات لأوبك بلس، سيتوقف على الكميات التي سيكون منتجون آخرون، مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، على استعداد لخفضها.
“مصالح السياسة تعرقل الاقتصاد”
ومع التسليم بأهمية هذه الاجتماعات لمحاولة تقريب وجهات النظر بشأن الانتاج من جانب منظمة (أوبك) والدول الأخرى خارج المنظمة، فإن إمكانية العودة إلى الأسعار السابقة حتى في حال خفض الإنتاج، إمكانية غير واقعية بالنظر إلى تراجع الحاجة إلى النفط في ظل تداعيات وباء كورونا من ناحية ونظراً للسوق المشبعة بالنفط في المخازن والمستودعات من ناحية ثانية، إلا أن ذلك قد يزيد من الأسعار نسبياً على المستوى الزمني المتوسط في حال تراجعت تداعيات وباء كورونا.
وتشير تقارير المراقبين أن مصالح السياسة باتت تعرقل الاقتصاد، لأن تحالف “أوبك بلس” المكون من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها من خارج المنظمة الذين تقودهم روسيا؛ الذين يجتمعون لبحث إمكانية تخفيض الإنتاج، تحكمهم أمور أخرى لا علاقة لها بالتحالف والمنظمة، وهي شأن سياسي خاص بين الدول؛ مثل إصرار روسيا على مشاركة الولايات المتحدة في أي اتفاق.
وهناك عدة أطراف في المناقشات حول هذا الخفض الذي دعت إليه في الأساس الولايات المتحدة الأمريكية، فثمة دول تحركها المصالح الاقتصادية وهي على وفاق كامل مع المنتجين، مثل دول النفط في الخليج، والدول المنتجة في غرب أفريقيا والبرازيل، وهناك دول لديها مواقف سياسية وتشكل السياسة أولوية في قراراتها، مثل روسيا وإيران وفنزويلا، وهي بطبيعة الحال ليست على وفاق مع الولايات المتحدة.
أما النوع الثالث، فهي الدول المستهلكة والمنتجة في الوقت ذاته، مثل كندا والولايات المتحدة، وهذه الدول لديها مواقف سياسية ضد “أوبك”، و تريد من المنظمة فعل شيء، لكنها لا تريد الدخول في مفاوضات مباشرة معها، وبخاصة الولايات المتحدة التي كان أعضاء مجلس الشيوخ فيها يسعون إلى تشريع قانون “نو أوبك” لفرض عقوبات على”أوبك”، واتهامها بالتلاعب بالأسواق الدولية، ناهيك عن أن موقف الصناعة بالولايات المتحدة مختلف عن موقف الحكومة، ففي الوقت الذي تجري فيه هيئة السكك الحديدية في تكساس تنسيقاً لمشاركة منتجي تكساس في الاتفاق الدولي للتخفيض، يخرج الرئيس الأمريكي بتصريحات عدائية ضد “أوبك” وتهديد روسيا والسعودية بفرض رسوم على صادراتهم النفطية إليها.
ومن هنا يمكن تفسير الاهتمام الأمريكي للقيام بدور الوساطة بين روسيا والسعودية، لتهدئة التوترات حول أسعار النفط، بأنه نابع من المصلحة الأمريكية، ورغم صحة ما يدعيه ترامب من أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة كبيرة إلى النفط المستورد، إلا أنها في الواقع بحاجة إلى نفط غير رخيص في الأسواق بينما الإنتاج المتزايد يدفع الأسعار إلى التدني وهي أسعار غير اقتصادية على الإطلاق للإنتاج النفطي الأمريكي، ما يعني أن الشركات الأمريكية الكبرى قد تتوقف عن الإنتاج وبعضها قد تصل بها الأمور إلى الإفلاس نظراً لتكلفة الإنتاج العالية للنفط الصخري الأميركي ما يجعل الأسعار المتدنية للنفط ليست لصالح صناعة الطاقة الأمريكية.
اما النوع الرابع فهي الدول التي ترهن مواقفها بحسابات اقتصادية متشابكة بالداخل وبالشركات العاملة فيها، ومنها روسيا، فلديها وجهتا نظر حول التطور التالي للأحداث، وفقا لإحداهما ستتمكن روسيا من إزاحة منتجي النفط والغاز الصخري الأمريكيين من السوق العالمية، ما سيؤدي إلى استعادة سعر نفط مريح بطريقة طبيعية، وسوف تتمكن روسيا من الحصول على حصة إضافية في السوق. أما وجهة النظر الأخرى فتقول إن روسيا ستعود إلى حضن أوبك ولكن في وقت لاحق.
ووفقاً للمراقبين، فإن ثمة مشكلة غياب الإجماع في روسيا حول الحاجة إلى الشراكة مع أوبك، فبينما ترى وزارة الطاقة الروسية أن ذلك ضروري لأنه يوفر أسعارا مرتفعة للنفط ، إلا أن موقف “روس نفط” أكبر شركات الطاقة في الداخل الروسي معاكسا، إذ تعتقد بأن قيود أوبك تمنع شركتهم من تطوير إنتاجها وتحرمها من حصتها في السوق.
وتؤشر كل هذه التطورات الحالية إلى أن منظمة (أوبك) يبدو أنها تسير في اتجاه فقدانها لدورها وتأثيرها القيادي المباشر على تحديد مستوى الإنتاج والتحكم بمستوى الأسعار، وإلى بروز قوى أخرى من خارج (أوبك) كعامل مقرر على مستوى الإنتاج والأسعار، الأمر الذي من شأنه التأثير تأثيراً مباشراً على مستقبل منظمة (أوبك) ولعل أحد المؤشرات المهمة أيضاً أن الولايات المتحدة معنية بالضرورة بوقف حرب الأسعار والحد من الإنتاج لوقف نزيف إفلاس شركات النفط الأمريكية، بعد أن أغلقت بنهاية الأسبوع الماضي 40 منصة إنتاج جديدة ليصل مجموع ما تم إغلاقه 426 منصة إنتاج.
الجدير بالذكر أن أزمة النفط الحالية ليست الأولى من نوعها في الأزمنة الحديثة، فخلال الخمسة عقود المنصرمة عرفت البشرية أزمة للنفط في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 الأمر الذي تسبب في ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 400%، ثم كانت الأزمة الثانية عام 1979 أي في توقيت الثورة الإيرانية، حيث تم تخفيض ضخ النفط بنسبة 4%، وفي عام 1986 وعلى أثر تباطؤ الاقتصادات الصناعية في العالم وصل سعر برميل النفط إلى 10 دولارات، ومع غزو العراق الكويت ارتفع سعر النفط إلى رقم وقتها يعتبر قياسيا إذ بلغ 36 دولارا، ومرة أخرى في عام 1998 خسر سعر برميل النفط اكثر من نصف قيمته في الفترة بين أكتوبر 1997 ونوفمبر 1998.
فلم تكن أمور أسعار النفط مستقرة على الدوام، والدليل على ذلك ما جرى في الفترة ما بين 2008 و2009 إذ ارتفع سعر البرميل بشكل كبير حتى وصل إلى 147 دولارا للبرميل، بسبب زيادة الطلب، لا سيما من قبل الصين، وعاد وخسر ثلثي هذه القيمة لاحقا، واستطاع القائمون على أمور أوبك ضبط هذا التهور الاستراتيجي لأسعار النفط والذي بلغ أسعار معقولة في حدود السبعين دولارا للبرميل بزيادة أو نقص طفيفين.
وتبقى الآمال كبيرة على هذين الاجتماعين، للتوصل لاتفاق يضمن ويحدد حصص انتاج كل دولة لضمان تعافي أسعار النفط مرة أخرى، حتي تستطيع مختلف دول العالم مجابهة المخاطر والتداعيات الاقتصادية المترتبة على جائحة كورونا.
المصدر:أ ش أ