أكتوبر شهر الانتصارات في مصر لإحتضانه ذكرى مجد وإنتصار الجيش المصري على العدو الإسرائيلي في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، واليوم الجمعة، تمر الذكرى ال 44 على هذه الحرب ، التي كللت بنصر عظيم حققه الجيش المصري بهزيمة الجيش الإسرائيلي ، و دحض أسطورة الجيش الذي لا يقهر وتحطيم خط بارليف الحصن الإسرائيلي المنيع خلال 6 ساعات ، وبذلك سطر المصريون صفحات جديدة في التاريخ المعاصر ، فكان انتصار حرب أكتوبر بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الأمة المصرية والمنطقة العربية ، وفى تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي .
انتصار مصر العظيم في حرب أكتوبر ، كان نتيجة حتمية لتضافر جهود كافة أجهزة الدولة، وستظل مصر تحتفل بهذه المناسبة وتخلدها بإلقاء الضوء على ملحمتها الوطنية التى رسم أبعادها الجميع ، وتقدمها ليعرف الأحفاد والاجيال الشابة تفاصيل هذا الانتصار تذكى به روحهم الوطنية ، وتحدثهم عن تضحيات الأجداد من أجل إعلاء معنى التضحية والفداء والعزة والكرامة ، وتحكى لهم سيرة جيل افتدى تراب أرض بلادهم بالدم ، فتنشط الذاكرة للمعنى وراء النصر ، وتحفز القدرة على التحدي والاتحاد ، وترسخ في الأذهان أن كل ماض ويبقى الوطن.
انتصار جاء نتيجة لأداء الجميع كل لدوره على أكمل وجه ، الشعب بتحمله أعباء الحرب ومساندة الجيش ، مهمات سرية فتحت باب النصر ، مقاتلين على جبهة النصر ودم يسيل من أجل الوطن واستعادة الكرامة ، ضباط وجنود صنعوا النصر بدمائهم ، رفاق الدم الذين صنعوا الانتصار وتواروا في الظل ، والأبطال الجالسون حاليا وسط الأوسمة والنياشين يتذكرون أيام الحرب ويستعيدون شريطا طويلا من الذكريات المجيدة.
وجهود دبلوماسية تضافرت مع الجهود العسكرية فمهدت الطريق لمرحلة الإعداد للحرب ، والتحركات الدبلوماسية الموازية في دهاليز السياسة الدولية وداخل أروقة الأمم المتحدة لحشد الدعم الدولي للمواقف المصرية والحقوق العربية ،وأبطال المخابرات الذين تتطلب طبيعة عملهم أن يكونوا بعيدين عن الأضواء ،وبدأت التجهيزات لخطة العبور ، بوضع خطة الخداع الاستراتيجى الشاملة التي اشتركت فيها كل أجهزة الدولة.
وقبل هذا كله كان هناك القائد العام للقوات المسلحة المصرية ، الرئيس الراحل أنور السادات، تلك القيادة السياسية المحنكة التي امتلكت خبرة قراءة الموقف المحيط ، ومواقف كافة الأطراف الأخرى بكل دقة ، فبعدما تيقن من ضياع الأمل في الحل السلمي ، بات تركيزه على التخطيط للمعركة التي أصبحت أمرا حتميا ، فقاد كافة مراحل الإعداد والتنفيذ لخطة المعركة في سرية تامة .
وذاقت مصر طعم الفرحة بعد سنوات عجاف من النكسة ، وعزف الجيش والشعب سيمفونية وطنية تدرس حتى الآن ، مقدماتها كان قرار الرئيس جمال عبد الناصر بإعادة تأهيل الجيش في أسرع وقت بعد يونيو 1967 وبدء حرب الاستنزاف التي أنهكت العدو ، ثم جاء الرئيس أنور السادات ليتخذ قرار الحرب ويعتمد خطة سير المعركة وخطة الخداع الاستراتيجي ، وصمود الجنود وتنفيذهم الخطة ببراعة وسرعة تدرس في أكبر الأكاديميات العسكرية، مما أرجع للوطن وللمصريين كرامتهم وأرضهم .
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصري على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة إلى أرض الواقع ، لقد ظل هذا الحلم يؤرق كل مصري من العسكريين والمدنيين الرجال والنساء.
تلك الحرب التي تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازا هائلا غير مسبوق، إلا أن الشعب المصري بمختلف طوائفه وفئاته كان البطل الأول فيها وفى تحقيق النصر ، حتى أن تلك الحرب المجيدة يطلق عليها حرب الشعب المصري كله ، حيث لا توجد أسرة مصرية لم تقدم شهيدا أو مصابا أو مقاتلا في تلك الحرب.
وعبر الشعب المصري البطل الحقيقي فى زمن قياسي محنة النكسة ، ورغم الحزن الشديد واليأس الذي شعر به البعض، إلا أنه ما لبث أن ساند قيادته ، و رفض الشعب تنحى الزعيم جمال عبد الناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر، واتخذت العديد من الإجراءات والقرارات التى لم تجد معارضة أو تذمر منه في ظل الإحساس الشعبي بضرورة ترشيد الاستهلاك وتوجيه الموارد لدعم المجهود ا لحربي، فتحمل الشعب المصري نفقات زيادة الإنفاق العسكري من 5.5% من الناتج المحلى عام 62 إلى 21.5% عام 1973، وتحمل الشعب أيضا تمويل احتياجات القوات المسلحة.
و يؤكد الخبراء العسكريون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمر الحال على ما هو عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وإمكانات العدو في مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية، وهو ما مكن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذي تملكه.
وتعرف حرب أكتوبر بـ “حرب العاشر من رمضان” في مصر ،و حرب تشرين التحريرية في سوريا ،أو حرب يوم الغفران، و (ميلخمت يوم كيبور) كما تعرف في إسرائيل .
وبدأت المعركة يوم السبت بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما من جانب الجيش المصري والهجوم الأخر من جانب الجيش السوري، وساهم في الحرب بعض الدول العربية بالدعم العسكري والاقتصادي ، وتم قطع أمدادات البترول ، عن الدول المساندة لإسرائيل ، وحققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها من شن الحرب على إسرائيل، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطمت حصون خط بارليف وتوغلت 20 كيلو مترا شرقا داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولا إلى سهل الحولة وبحيرة طبرية .
وقد ساهمت خطة الخداع الإستراتيجى والهجوم المفاجئ بوضوح في تحقيق النصر ، رغم أن قناة السويس مثلت مانعا مائيا صناعيا صعب العبور بعرضها الذي يتراوح ما بين 180 إلى 200 متر، وجوانبها الحادة المكسوة بالحجارة مما يمنع عبور الدبابات البرمائية، بالإضافة إلى ذلك أنشأ الإسرائيليون سد ترابي على الضفة الشرقية، وعلى طول هذا السد شيدوا خط دفاع أطلقوا عليه “خط بارليف”، وكان هناك شبه إجماع بين معظم الخبراء العسكريين في العالم بأن عملية العبور واقتحام خط بارليف شبه مستحيلة ، و استندت خطة العبور إلى فتح الثغرات في هذا الساتر الترابي لإنشاء رؤوس الكباري وتسهيل عملية عبور المشاة والمعدات والمركبات باستخدام فكرة بسيطة ولكنها فعالة ، حيث تم التجريب بضغط المياه باستخدام المضخات وخصص لكل ثغرة 5 مضخات يمكنها إزاحة 1500 متر مكعب من الأتربة خلال ساعتين بعدد أفراد من 10 إلى 15 جنديا.
كما تضمنت الخطة سد فتحات أنابيب المواد المشتعلة قبل بدء العمليات، للتغلب على النيران المشتعلة على سطح القناة ، مع ضرب خزاناتها بالمدفعية أثناء فترة تحضيرات المدفعية التي تسبق الهجوم ، وفى تمام الساعة الثانية ظهرا نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وعبرت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتفادي الرادارات الإسرائيلية.
وبعد عبور الطائرات المصرية بخمس دقائق بدأت المدفعية المصرية فى قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكل مكثف تمهيدا لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة، وبعد عشرين دقيقة توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ، ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقع النسق الثاني، وقامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة .
و في تمام الساعة ٦ والنصف مساء نفس اليوم ، كان قد عبر القناة 2000 ضابط و30000 جندي من خمس فرق مشاة، واحتفظوا بخمسة رؤوس كباري ، واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، باستثناء لواء برمائي مكون من 20 دبابة برمائية و80 مركبة برمائية عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث بدأت فى التعامل مع القوات الإسرائيلية.
وبعد ساعتين ، أى في تمام الساعة الثامنة والنصف اكتمل بناء أول كوبري ثقيل وفي الساعة ١٠ والنصف اكتمل بناء سبع كباري أخرى وبدأت الدبابات المصرية ، والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمة الكبارى السبع و31 معدية ، و في صباح اليوم التالى ( ٧ أكتوبر ) أصبح لدى القيادة العامة المصرية 5 فرق مشاة بكامل أسلحتها الثقيلة في الضفة الشرقية للقناة، بالإضافة إلى 1000 دبابة، وتهاوى خط بارليف الدفاعي، وتحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
ولعبت الدبلوماسية دورا كبيرا في إنهاء الحرب، حيث توسط وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بين الجانبين ، وانتهت الحرب بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو عام 1974 ، ووافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا ، وضفة قناة السويس الشرقية لمصر ، مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية ٠
ولأن الرئيس الراحل أنور السادات كان بطل الحرب والسلام ، فقد انتقلت الدبلوماسية المصرية بعد انتصارات حرب أكتوبر من مرحلة مواجهة الهزيمة وأثارها إلى مرحلة تسويق النصر والبناء عليه ، واستخدام أسلحة التفاوض الدبلوماسي لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ، وبدأت عملية السلام بوساطة أمريكية وتكريس النشاط السياسي والدبلوماسى بتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى ٢٦ مارس عام ١٩٧٩ استردت مصر بذلك كامل سيادتها على سيناء وقناة السويس فى ٢٥ إبريل عام ١٩٨٢ فيما عدا طابا والتى عادت لمصر فى عام ١٩٨٩ عن طريق التحكيم الدولي بعد معركة دبلوماسية شرسة .
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)