الدمج التربوى حق من حقوق الأطفال ذوى الإعاقة.. هذا ما أكدته المواثيق والمعاهدات الدولية، وتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسى، وعززه بتخصيصه لعام 2018 عامًا لذوى الاحتياجات الخاصة، ليكون مناسبة لتركيز اهتمام الدولة على تلك الفئة، ومساعدتها على التعايش.
وجاء فى مقدمة اهتمامات الدولة كفالة نظام تعليمى يساعدهم فى الحصول على تعليم مجانى، بدءًا من مرحلة التعليم الأساسى، ووصولاً إلى مرحلة الثانوى، بهدف تحقيق المساواة بين الأطفال.
وللدمج التربوى أهميته ومردوده على الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، فهو يعمل على الحد من مركزية العملية التعليمية، ويشكل وسيلة تعليمية مرنة يمكن من خلالها زيادة الخدمات التربوية المقدمة للتلاميذ من ذوى الاحتياجات الخاصة، ويتيح لهم الفرصة للاحتكاك بأقرانهم الأسوياء فى سن مبكرة، مما يسهم فى تحسين اتجاهاتهم نحو بعضهم البعض، وإيجاد بيئة اجتماعية يتمكن فيها الأطفال الأسوياء بشكل مباشر من التعرف على نقاط القوة والضعف لدى زملائهم المعاقين، ما يؤدى إلى الحد من مفاهيمهم الخاطئة تجاه هذه الفئة.
ويعمل الدمج التربوى على توفير بيئة تعليمية تشجع على التنافس الأكاديمى بين جميع التلاميذ، وهو ما يمكن أن يسهم فى رفع مستوى الأداء الأكاديمى بين التلاميذ ويعمق فهم المتخصصين وغير المتخصصين تجاه قضاياهم.
وشهد مجال تربية الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة وتعليمهم فى القرن الماضى تغيرات جوهرية حاولت كسر العوامل الاجتماعية التى تؤثر على أحوالهم المعيشية، وجاء فى مقدمتها، الجهل والإهمال والمعتقدات الخاطئة والخوف، ما دفع ذويهم إلى عزلهم اجتماعيًا، ليتحولوا بفضل الدمج التربوى تدريجيًا من بيئة العزل إلى بيئة أكثر اندماجًا.
وبالنظر إلى تاريخ تعليم الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى دول الوطن العربى، نجد أنهم أدرجوا فى المدارس النظامية ثم تحول بهم الأمر مع ظهور معاهد التربية الخاصة إلى مدارس نهارية منفصلة، وأخذت معظم هذه المعاهد فى التحول إلى مدارس داخلية، مدارس التربية الخاصة.
وشهد القرن الـ20 ظهور مفهومين جديدين لتعليم تلك الشريحة من المجتمع، وهما التطبيع والتكامل، وتبلور مفهوم “الدمج التربوى” فى النصف الثانى من هذا القرن بشروع الكثير من دول العالم فى سن القوانين ووضع السياسات التعليمية، التى تضمن لأولئك الأطفال الاندماج مع أقرانهم فى مدارس التعليم العام، وتوج ذلك بتبنى مبدأ التعليم الشامل الذى أكدته المؤتمرات الدولية وأوصت به وتبنته دول العالم واعتبرته توجها عامًا يستهدف إتاحة التعليم للتنمية والتعلم مدى الحياة، ويضمن حصولهم على فرص متساوية من التعليم.
وتشير وثائق اليونيسكو إلى أن الدمج الشامل يلزم المدارس النظامية بقبول جميع الأطفال بغض النظر عن الإعاقة، ولا يرتبط هنا مفهوم الدمج التربوى بتعريف واحد، إلا أن التعريف الإجرائى له يشير إلى أنه “تربية الأطفال غير العاديين وتعليمهم فى المدارس النظامية مع تزويدهم بخدمات التربية الخاصة”، ويطرح هذا التعريف أكثر من طريقة لتنفيذه، منها الدمج الجزئى والدمج الكلى، ويتحقق الدمج الجزئى من خلال استحداث برامج وفصول خاصة ملحقة بالمدارس النظامية، وإلحاق ذوى الاحتياجات الخاصة بها، فيتلقون الرعاية التربوية والتعليمية الخاصة بهم مع أقرانهم الأسوياء، ما يتيح لهم فرصة الاندماج سويا فى بعض الأنشطة المدرسية.
أما الدمج الكلى، فيحدث من خلال تواجد التلاميذ ذوى الاحتياجات الخاصة جنبًا إلى جنب مع أقرانهم الأسوياء فى الصفوف النظامية معظم اليوم الدراسى، وخروجهم إلى برامج التربية الخاصة المساندة فى الحصص التى تشمل مقررات دراسية يعجز معلمو الصفوف العادية عن القيام بتدريسها لهم، ويعتمد ذلك على قدرة معلم الفصل والتربية الخاصة على التعامل مع طبيعة الإعاقة وشدتها.
المصدر : أ ش أ