قالت صحيفة الخليج الإماراتية في افتتاحيتها إن «الصورة التي هزت العالم»، واحدة من أكثر العبارات التي تم استخدامها خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، في وسائل الإعلام العالمية، وتعود لطفل سوري أخرجه المسعفون من تحت الأنقاض، إثر غارة على مدينة حلب المنكوبة بالخراب، والتي تتعرض لأبشع صور الدمار على الإطلاق.
كان منظر الطفل الصغير عمران دقنيش، البالغ من العمر 5 سنوات، وهو يجلس على كرسي سيارة الإسعاف، غير مصدق لما يدور حوله، وحاول بيديه إزالة الدم والغبار الذين غطيا وجهه البريء، ثم انضمت إليه شقيقته الصغيرة، وأطفال آخرون، نجوا من الغارة بأعجوبة، وكانوا أفضل حظاً من عشرات دفنوا تحت الأنقاض، وهي معاناة صار يعيشها الناس كل يوم.
منظر الطفل الصغير، وهو يحاول أن يجد تفسيراً لما حدث له ولأقرانه، لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، فقد أراد أن يمسح الدم والغبار من على وجهه الطفولي، لكنه لم يجد غير الكرسي الذي كان يجلس عليه، وكانت نظراته وهلعه يزيدان من رآه، الشعور بالهلع والعجز معاً، فالواضح أن لا أحد كان يستطيع أن يقدم للصغير مساعدة من أي نوع كانت، غير الدموع.
الصورة الصادمة للصغير الحلبي تضيء على عالم عربي وإسلامي عاجز وغير قادر على اتخاذ أي قرار، يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها، فالبعض منشغل بالحروب والبعض الآخر منهمك بتبريرها والدفاع عنها، وبين هذا وذاك يهرول العالم العربي والإسلامي إلى الضياع، وينقاد إلى الفتنة التي بدأت تلتهم الوئام الاجتماعي في كل بلد من بلدانه.
في كل الحروب التي تشتعل اليوم في أكثر من بلد عربي وإسلامي، يدفع الأطفال ثمن صراعات الكبار، أشخاصاً وأنظمة وفصائل سياسية ودينية، إضافة إلى أطفال فلسطين. يعد أطفال سوريا، الأكثر في العالم دفعاً لثمن الحروب المشتعلة اليوم، حيث سقط في هذه الصراعات ما يقرب من 20 ألف طفل وطفلة، غالبيتهم في مدينة حلب وريف دمشق.
ويشير تقرير صادر عن منظمة «اليونيسف» التابعة للأمم المتحدة، قبل نحو ثلاثة أشهر، إلى أن ما بين أربعة ملايين وثمانية ملايين طفل، أي أكثر من 80% من الأطفال في سوريا، تأثروا بسبب النزاع، سواء من بقوا داخل البلاد أو من أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، حيث تشير المنظمة المعنية بالطفولة إلى أن نحو مليوني طفل سوري لاجئ بحاجة إلى دعم وعلاج نفسي.
لقد أمعن النظام في حصار الناس، وأوغل في القتل، وشارك البعض من أبنائه الذين يقاتلون تحت رايات فصائل دينية متطرفة في الخراب الذي يعم سوريا اليوم، زد على ذلك دخول العنصر الأجنبي في الصراع، إذ إن الدول الكبرى والمجاورة لسوريا، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وإيران وتركيا، حاضرة في معمعة هذه الحرب التي صارت تشكل، أشبه بمبارزة بين هذه القوى على أراضٍ عربية وإسلامية.
ولا يبدو أن أي طرف من أطراف الصراع يرغب في وضع حد للحرب، في وقت قريب، فمن الواضح أن سياسة «كسر العظم» التي تتبعها هذه القوى، الداخلية منها والخارجية، ستحصد مزيداً من الأبرياء السوريين، وفي مقدمتهم الأطفال الذين يكتوون بنيران حرب لا تقيم للإنسانية وزناً ولا قيمة.