قالت صحيفة الخليج الاماراتية في افتتاحيتها انه لا يكفي أن يصر اللبنانيون على التظاهر وعدم ترك الساحات والشوارع .. ولا يكفي أن يرددوا هتافات ضد النظام ، والمطالبة بالتغيير ومحاسبة الفاسدين ولصوص المال العام . ولا يكفي أن يرفعوا شعارات تطالب بإلغاء النظام الطائفي القائم ، والخروج بلبنان المزرعة إلى لبنان الوطن.
كلها شعارات جميلة ، وتعبر عن رفض شعبي عارم للنظام القائم الذي أوصل لبنان إلى هذا الدرك من الأوضاع الاقتصادية والمعاشية الكارثية .
وإذ تدخل المظاهرات أسبوعها الثاني من دون أن يتخلى الناس عن الشارع ، فالمطلوب ألا تبقى الشعارات مجرد هتافات يومية ، وذلك من خلال العمل على تأطير المظاهرات وتنظيمها وتوحيد مطالبها وأهدافها ، بحيث لا تتحول إلى “هايد بارك”، تغني كل ساحة على ليلاها من دون أدنى تنسيق في ما بينها ، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى سهولة اختراقها وتحويلها إلى منصات متقابلة .
إن كل حراك جماهيري لا يتم تنظيمه وتحديد أهدافه ، ينتهي إلى الفشل مهما كان صوت الجماهير مرتفعاً وغاضباً، لأن هناك قوى داخلية وخارجية متضررة، سوف تتحرك في الوقت المناسب، لإحباط كل حالة يمكن أن تؤثر في مصالحها كما أن هناك قوى سياسية سوف تركب هذه الموجة لحرفها عن أهدافها ، كما جرى في ساحات عربية أخرى على امتداد السنوات الثماني الماضية .
من خلال المتابعة اليومية لما يجري في لبنان ، والمطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطرحها المتظاهرون، نشهد حالة من التنافر في هذه المطالب ، بين من يطالب بتغيير النظام ، وآخر يطالب بإسقاط العهد والحكومة ، وبين من يدعو لانتخابات مبكرة وآخر لتعديل قانون الانتخاب ، إضافة للتصويب على جهة سياسية معينة ، دون الأخرى في محاولة لتبرئة هذه الجهة أو تلك ، وكأن ليس الجميع يتحملون مسؤولية ما وصل إليه الوضع القائم نتيجة نظام سياسي طائفي قائم على المحاصصة منذ الاستقلال حتى الآن .
لبنان لا يستطيع تحمل بقاء الشارع على هذه الحال في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون عامة، بأن تظل المؤسسات والإدارات والأعمال والجامعات والمدارس مقفلة، كما لا يمكن ضمان ألا تدخل عوامل سياسية وخصومات حزبية على الخط، بأن يتحول الشارع إلى شارعين في المنطقة الواحدة ، لذا لا بد من المسارعة ، من خلال القوى الفاعلة، وخصوصاً هيئات المجتمع المدني إلى التنسيق في ما بينها وتوحيد مطالبها من خلال برنامج عمل واضح ومحدد يكون أساساً لحوار مع السلطة ، من دون التخلي عن الحراك الجماهيري كي يكون عاملاً ضاغطاً في هذا الحوار لمصلحة الجماهير ، وإجبار هذه السلطة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية على الامتثال للمطالب ومباشرة ترجمتها في مدة زمنية محددة. كي لا تظل الهتافات تتردد وكأنها في البرية.. وكي لا يقع هذا الحراك الجماهيري العابر للطوائف والمذاهب غير المسبوق في محظور الاستقطاب ومخاطره.
المصدر : وكالات