ترامب قال: «مسألة القدس لن تطرح على أجندة أية مفاوضات سلام مستقبلية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وأنها كانت «تعرقل الحوار بينهما»، واصفاً قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» بأنها «خطوة تاريخية وفي غاية الأهمية.. وهو شرف لي». كأن ترامب يقول بالفم الملآن، انسوا القدس فلم تعد قيد التداول، لقد تم تطويبها ملكية خاصة لـ«إسرائيل»، وفتشوا عن قدس أخرى.
هذا الكلام يقصد به الرد على كل القرارات، التي صدرت عن الاجتماعات العربية والفلسطينية والإسلامية والأمم المتحدة، التي رفضت القرار، وكأنه يقول إن ما تريده الولايات المتحدة هو الذي سيطبق، ويتحول إلى حقيقة، وأن واشنطن ليست معنية بمواقف الآخرين ولا بالشرعية الدولية ولا بالقانون الدولي، وعلى الفلسطينيين أن يُذعنوا و«يظهروا الاحترام لنا»، وإلا فلا مساعدات مالية!
كلام خطر وغير مسبوق، إنه يُخرج مدينة القدس من التداول السياسي، باعتبارها بالنسبة إليه لا تعني المسلمين والمسيحيين، وهي مدينة يهودية خالصة، ثم إنه يمارس أبشع أشكال الابتزاز السياسي، مستخدماً سلاح المساعدات المالية؛ لتجويع الشعب الفلسطيني وحمله على الإذعان والاستسلام..
ترامب يطرح معادلة جديدة في مسار القضية الفلسطينية، وهي المساعدات مقابل التنازل عن الحقوق، بما يتعارض مع كل شرائع الأرض والسماء. هي لعبة سياسية كريهة ومرفوضة أن يصار إلى التصرف بحقوق الشعوب وحق تقرير المصير وكأنها عملية تجارية أو صفقة تتم فيها مبادلة الحق بالباطل مقابل المال.
ابتزاز مرفوض ومهين، ويجب ألّا يمر مرور الكرام، إذا كانت القدس تعني شيئاً بالنسبة للعرب والمسلمين، وبما يتجاوز الكلام المنمق والمهذب، الذي صدر عن الاجتماعات الأخيرة، الذي تحدث عن القدس عاصمة أبدية لفلسطين، ودعوة الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها.
ما كان منتظراً من ترامب صدر بصريح العبارة، بدل أن يتراجع قال «انسوا القدس».. فماذا أنتم فاعلون؟
الصمت يعني أن نبصم ونقر بأن القدس ليست لنا، وأن الحق الفلسطيني يمكن أن يشترى ويباع.
ترامب لا يميز بين الحقوق الأصيلة للشعوب، واستعدادها للتضحية من أجل استرداد هذه الحقوق. وربما لم يقرأ ترامب تاريخ الشعب الفلسطيني، الذي يخوض صراعاً متواصلاً منذ أكثر من مئة عام ضد مؤامرة تهويد فلسطين، وقدم في مسيرته هذه مئات الآلاف من الشهداء دون أن يكل أو يمل، أو يرفع الراية البيضاء. وهو لن يسمح لا لترامب ولا لغيره أن يحول قضيته ووجوده إلى لعبة سياسية أو مقامرة أو «صفقة» كما يتمنى.