لا يبدو أن منطقة شرق الفرات ستأخذ قسطاً من الراحة أو حالة من الاستقرار حتى بعد طي صفحة «داعش»، بسبب الأجندات المتصارعة بين الحلفاء أنفسهم، والتي تحمل في مضمونها تناقضات أعمق بكثير مما قد يبدو على السطح والكلام المعسول عن اتفاق هنا أو تهدئة هناك.
أبناء الحلف الواحد (تركيا والولايات المتحدة) يسعون لتوظيف الورقة الكردية كل في خدمة مصالحه بطريقة مغايرة عن الآخر، فيما الأكراد يحاولون اللعب على هذه التناقضات والاستفادة منها ما أمكن لمصلحة تثبيت كيان مستقل لهم طالما حلموا بإنشائه، ولم يسبق أن لاحت لهم فرصة لتحقيق ذلك أفضل من الفرصة الحالية لتحقيقه على الرغم من التحديات الصعبة التي تواجههم.
وسط هذه الأجواء، تدور حرب خفية بين الأطراف المتصارعة لفرض سيطرتها وبسط نفوذها على المنطقة. فمن جهة، لا تتوقف الأهداف التركية عن منع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية من شأنه الاتصال مع الأقلية الكردية التي يتركز معظمها في جنوب البلاد، بل يتعدى ذلك إلى الأطماع التركية الدفينة في احتلال شمال شرقي سوريا وإلحاقه بتركيا، وهو ما من شأنه تأكيد حضورها بقوة في أية تسوية مستقبلية للنزاع السوري. وبالمقابل، لا تتوقف الأهداف الأمريكية في شرق الفرات عن محاربة «داعش» وإنهاء وجوده في تلك المنطقة، خصوصاً بعدما استقرت واشنطن منذ سبتمبر الماضي على إبقاء قواتها في سوريا ورهنت انسحاب هذه القوات بالتطورات الجارية وتحقيق تسوية للنزاع، لكن ذلك قد لا يكون كافياً لسحب القوات الأمريكية من هذه المنطقة الحيوية التي ترى واشنطن أنها تمنحها القدرة على مواجهة التمدد الإيراني ومنع الروس من الانفراد بالساحة السورية، وتمكنها من الحضور بقوة في أية تسوية للصراع.
ومن هنا يبدو أن استراتيجية واشنطن بدأت تأخذ في الحسبان وجوداً طويل الأمد عبر دعم إقامة كيان كردي موال لها وتحت حمايتها شرعت منذ زمن في تدريب عناصر جيشه المستقبلي بما لا يقل عن ثلاثين ألف جندي، ما يعني في نهاية المطاف تقسيم الأراضي السورية ومنع النظام من استعادة السيطرة على كل أرجاء البلاد، وهو ما يمثل في نفس الوقت مكافأة أمريكية للحليف الكردي على وقوفه معها.