على مدار نصف قرن، عاش العالم عقب نهاية الحرب العالمية الثانية تحت تهديد إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة، قد تستخدم فيها أسلحة قادرة على إنهاء وجود البشر.
فمع هزيمة الألمان وانتصار الحلفاء بأوروبا، ألقى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خطابا بمدينة فولتون (Fulton) في ولاية ميزوري الأمريكية يوم 5 مارس 1946 تحدّث فيه عن ستار حديدي سقط على الجبهة الروسية في إشارة إلى سياسة العزلة والرقابة الصارمة التي فرضها الاتحاد السوفيتي على دول أوروبا الشرقية تزامنا مع تزايد حدّة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، عرفت الحرب الباردة رسمياً وفعليا نهايتها.
إلا أن العالم ما فتئ لا سيما خلال الفترة الأخيرة، يشهد توترا متزايدا بين روسيا والولايات المتحدة، ما أعاد للأذهان أجواء الحرب الباردة.
حتى إن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وصف الأزمة الحالية بين الروس والأمريكيين وأوروبا على خلفية المسألة الأوكرانية، بالأخطر منذ الحرب الباردة.
وبالعودة إلى تلك الحرب، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، مثل أحد أبرز السياسيين الذين تنبؤوا بها.
فبعد أن تنازل لحليفه جوزيف ستالين على كل من بولندا ويوغوسلافيا ومناطق أخرى من أوروبا الشرقية خلال شهر أكتوبر 1944، أدرك تشرشل بعد 4 أشهر أثناء مؤتمر مالطا خطورة الموقف، إذ لاحظ بذور أزمة تلوح في الأفق تزامنا مع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وخلال الأسابيع التالية، رفض الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، الذي خلف فرانكلن روزفلت، إثارة النزاعات مع ستالين لضمان دخول الاتحاد السوفيتي الحرب ضد اليابان شرقا عقب هزيمة الألمان بأوروبا.
لكن عقب إلقاء القنبلتين الذريتين على كل من هيروشيما وناجازاكي يومي 6 و9 أغسطس 1945، أحس ستالين بالخطر حيث تخوّف حينها من خسارة مكاسبه بالحرب العالمية الثانية تزامنا مع حصول الأمريكيين على سلاح جديد قادر على قتل الملايين بلحظات.
ولهذا السبب، أوكل الاتحاد السوفيتي طيلة السنوات التالية جانبا هاما من اهتماماته للحصول على القنبلة الذرية بهدف خلق نوع من التوازن بين القطبين الجديدين اللذين ظهرا عقب الحرب العالمية الثانية.
ويوم 12 مارس 1947، أعطى الرئيس الأمريكي هاري ترومان معنى لخطاب تشرشل يوم 5 مارس 1946 حيث أعلن أمام الكونجرس أنه يتوجب على الأمريكيين دعم الشعوب الحرة ضد محاولات الاستعباد مشيرا بذلك بشكل غير مباشر للاتحاد السوفيتي.
وخلال الصيف التالي، وافق الأمريكيون على خطة مارشال (Marshall) التي تقرر بموجبها توفير دعم مادي وعسكري هائل للعديد من دول وسط وغرب أوروبا.
كما امتدت خطة هذا البرنامج لتشمل عددا من الدكتاتوريات الأوروبية كنظام فرانكو بإسبانيا وسالازار بالبرتغال وسط غضب ورفض سوفيتي للأمر.
وخلال مارس من العام التالي، اتجه الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون لتوحيد مناطق نفوذهم بألمانيا، عقب محادثات بلندن، وسك عملة جديدة للجزء الغربي عرفت بالمارك الألماني.
مع سماعه بالأمر، استشاط ستالين غضبا وأمر بفرض حصار على برلين مهددا بذلك حياة 2.5 مليون ألماني.
في المقابل، وكرد على ذلك، أنشأ الأمريكيون وحلفاؤهم جسرا جويا ساهم على مدار 11 شهرا في توفير حاجيات المناطق المحاصرة ببرلين.
ومع عجزهم عن ثني الحلفاء الغربيين عن اتفاقهم السابق، رفع السوفييت بحلول شهر مايو 1949 الحصار عن العاصمة السابقة لألمانيا الموحدة.
بعدها بثلاثة أشهر فقط، هيمن الخوف على الحلفاء الغربيين عقب نجاح الاتحاد السوفيتي في أغسطس من نفس العام بإجراء أولى تجاربه النووية.
ولتكريس حدّة الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، أقدم الأميركيون وحلفاؤهم خلال شهر مايو 1949 على إنشاء جمهورية ألمانيا الفيدرالية بالقسم الخاضع لسيطرتهم من ألمانيا بينما أنشأ السوفيت بعدها بخمسة أشهر جمهورية ألمانيا الديمقراطية بالمناطق القابعة تحت نفوذهم.
وأملا في توحيد صفوفهم ضد السوفيت، أنشأ الأميركيون وحلفاؤهم بالعام نفسه حلف شمال الأطلسي، المعروف بحلف الناتو، ليرد الاتحاد السوفيتي بعدها ببضعة سنوات عن طريق إنشاء حلف وارسو الذي ضم جميع الدول العميلة له بأوروبا الشرقية.
المصدر: العربية