ذكر تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، أن معلومات ومقاطع فيديو أفادت أن قوات خاصة أوكرانية تعمل في السودان لدعم جيش البلاد ضد قوات فاجنر الروس المتحالفين مع قوات الدعم السريع.
وبحسب “الجارديان”، أصدرت صحيفة “كييف بوست” مقطع فيديو قصير قالت إنه جاء من مصادر داخل المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية، ويظهر فيه سجين روسي أسير يتم استجوابه إلى جانب رجلين من أصل أفريقي.
ويقول الجندي الروسي إنه من جماعة “بي إم سي فاجنر”، وجاء إلى السودان قادما من جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتمركز مقاتلون من الجماعة الروسية، “لإسقاط الحكومة المحلية” بقوة قوامها نحو 100 فرد.
وظهر مقطع الفيديو الجديد بعد أشهر من التكهنات بأن القوات الأوكرانية تعمل في السودان كجزء من حملة تشنها أوكرانيا لضرب المصالح الروسية، ما أعاد الجدل حول ما إذا كانت القوات الخاصة في الجيش الأوكراني، تنفذ عمليات ضد مجموعة فاغنر الروسية، وقوات الدعم السريع، في مناطق سودانية، بما في ذلك العاصمة، الخرطوم.
الخبير الاستراتيجي السوداني، محي الدين محمد محي الدين، استبعد أن تكون القوات الخاصة الأوكرانية نفذت عمليات في السودان، ضد مجموعة فاجنر وقوات الدعم السريع.
وقال محي الدين إن “قوات فاجنر تكاد تكون غادرت السودان كليا، خلال الأشهر الماضية، ولم يعد لها وجود بائن، على نحو ما كانت عليه في الأيام الأولى للحرب، التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن “روسيا اتخذت مواقف متشددة تجاه مجموعة فاجنر، خاصة عقب مقتل مؤسسها يفغيني بريغوجين، وقامت بتقليص عمليات المجموعة في أفريقيا بشكل عام، والسودان بشكل خاص”.
وأضاف “بدلا من ذلك أصبح دور الحكومة الروسية الرسمي في الحالة السودانية ظاهرا، وهو دور يبدو متماهيا مع الحكومة السودانية، وتجلى في زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إلى روسيا”.
وفي يونيو عام 2023، زار عقار روسيا، وبحث مع عدد من المسؤولين “تطورات الأوضاع في السودان، وأهمية تعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات”، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.
لكن ما وصفه الخبير الاستراتيجي، محي الدين، بالتماهي بين موقف الحكومة الروسية وموقف الحكومة السودانية، واعتبره دليلا على خروج فاجنر من السودان، عدّه المختص في الشؤون العسكرية، عمر أرباب، ورقة إثبات على احتمالية أن تكون القوات الخاصة الأوكرانية نفذت ضربات ضد مصالح روسيا في السودان.
وقال أرباب، وهو ضابط سابق في الجيش السوداني إن “السودان تحول فعليا، إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي، وبالتالي من المرجح جدا، أن تتصارع فيه الدول الأجنبية، في سياق تنافسها على النفوذ”.
وسبق أن اتهم مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، الإمارات وتشاد ومجموعة فاغنر بتقديم الدعم العسكري إلى قوات الدعم السريع، وهي تصريحات نفتها الإمارات وكذلك تشاد.
ورجّح المحلل السياسي السوداني، فاروق نصر الدين، إمكانية تنفيذ قوات أوكرانية خاصة لعمليات عسكرية، وصفها بالنوعية في السودان، لكنه رجّح إجراء ذلك دون علم الجيش السوداني أو التنسيق مع قيادته العليا.
نصر الدين قال لموقع الحرة إن “الجيش السوداني يدير حاليا ما يمكن تسميته بالتوازنات الحرجة، وهذا يعني أن انخراطه في تنسيق معلن مع الجيش الأوكراني، قد يشوّش على علاقته المعلنة وغير المنكورة مع روسيا”.
ولفت المحلل السياسي السوداني إلى أنه “في حال كانت هناك فعلا عمليات للجيش الأوكراني في السودان، فمن المرجح أنها تتم عبر دائرة محدودة داخل الجيش، وربما دون علم قيادته العليا”.
وأضاف “هناك تعدد في مراكز اتخاذ القرار القتالي داخل الجيش، كما أن هناك حديثا كثيفا حول أن كتيبة البراء بن مالك المحسوبة على نظام الرئيس المخلوع (عمر) البشير، والتي تقاتل مع الجيش، تدير غرفا لتسيير المسيرات دون تنسيق كامل مع القيادة العليا للجيش”.
ولا يعد الحديث عن عمليات نفذتها القوات الخاصة الأوكرانية في السودان بالأمر الجديد، فقد أورد تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، في سبتمبر الماضي، أنه من المحتمل أن تكون أوكرانيا استهدفت مواقع لقوات الدعم السريع في السودان، بعد تقارير عن تلقيها دعما من مجموعة “فاجنر” الروسية.
هنا يقول محي الدين إن “الحديث عن عمليات للجيش الأوكراني في السودان لا تخلو من البحث عن دعاية سياسية وعسكرية، لإظهار أن ذراعه طويلة، وأنه قادر على إدارة صراعه مع روسيا في محاور متعددة”.
وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله في سبتمبر الماضي، استهداف عناصر لقوات الدعم السريع في مدينة أم درمان والعاصمة، الخرطوم، عبر تصويب دقيق، مصحوب بعمليات تصوير بدقة عالية، ما عزز الاعتقاد بأن القوات الخاصة الأوكرانية نفذت الهجوم، إذْ لم تقتصر عمليات الاستهداف على أهداف ثابتة، بل طالت أهداف متحركة.
وقدّم المختص في الشؤون العسكرية، أرباب، ما اعتبره دليلاً على إمكانية تنفيذ ضربات ضد فاغنر وقوات الدعم السريع، بواسطة قوة خاصة من الجيش الأوكراني.
ولفت الضابط السابق إلى أن سلاح الجو التابع للجيش السوداني لا يمتلك طائرة قادرة على القصف والتصويب الليلي، وأشار إلى أن “بعض مقاطع الفيديو المتداولة تُظهر عمليات قصف جوي ليلي، في عدد من المناطق السودانية، بطريقة ليست في متاح قدرات الجيش السوداني”.
وأضاف “هناك تشكيلات مسلحة دخلت على خط القتال في السودان، كما أن الجيش يتهم الإمارات وتشاد بالتدخل لصالح الدعم السريع، بينما تتهم الأخيرة مصر بمساندة الجيش، والآن دخلت إيران فعليا على خط الصراع، وكل هذا يدلل على أن المعركة في السودان لم تعد تُدار بواسطة الطرفين المتحاربين فقط”.
وبدوره، يرى المحلل السياسي السوداني، فاروق نصر الدين، أن “الجيش السوداني يقود حربا في ظل ظروف بالغة التعقيد، حيث تراجعت إيرادات البلاد الاقتصادية، بينما يعرقل قرار مجلس الأمن الدولي، بحظر توريد السلاح إلى السودان، الصادر في 2004 عمليات الإمداد الحربي والعسكري”.
وتابع قائلا “كل هذه المعطيات تجبر الجيش على الانخراط في تحالفات حرجة، بما في ذلك التحالف مع المتناقضات، ومع الدول المصارعة، في توقيت واحد”.
ولم ترد سفارة كييف لدى واشنطن أو وزارة الخارجية الأوكرانية، على طلب موقع “الحرة” التعليق حتى نشر التقرير.
وكانت شبكة “سي إن إن”، أشارت إلى أن الهجمات شملت 14 ضربة مختلفة، على مواقع لأسلحة ومعدات قوات الدعم السريع، التي يُعتقد أن “فاغنر” دعمت بها القوات التي يقودها حميدتي.
التقرير لفت إلى أن “مقاطع فيديو الهجوم كشفت عن تشابه مع الهجمات التي تنفذها الطائرات الأوكرانية بدون طيار”.
وبحسب صحيفة “الجارديان”، فإن مقاطع فيديو سابقة أظهرت ضربات انتحارية بطائرات بدون طيار على الطراز الأوكراني ضد قوات الدعم السريع، مما أدى إلى تقارير خلصت إلى أن العمليات نفذتها قوات خاصة من كييف، وقناص شاحب البشرة يعمل في السودان، وُصِف بأنه أوكراني على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقاتل الجيش السوداني قوات الدعم السريع، منذ أبريل الماضي. وذكرت تقارير عدة أن المتمردين يتلقون الدعم من مجموعة فاجنر، التي أعيد تشكيلها تحت سيطرة وثيقة من موسكو منذ وفاة زعيمها، بريغوجين.
والتقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مطار شانون بإيرلندا في سبتمبر الماضي. وقال الزعيم الأوكراني في ذلك الوقت: “ناقشنا التحديات الأمنية المشتركة بيننا، وتحديدا أنشطة الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تمولها روسيا”.
وأضاف تقرير الصحيفة، أن أوكرانيا تنتهج أيضا استراتيجية تتمثل في إجراء عمليات للقوات الخاصة داخل روسيا في محاولة لتسجيل انتصارات دعائية ضد عدوها، وإظهار أنه لا يوجد مكان آمن بالضرورة من قواتها، على الرغم من أنها نادرا ما تكون ذات أهمية عسكرية.
في وقت سابق من هذا العام، أصدرت أوكرانيا مقطع فيديو يُقال إنه يُظهر قيام قوات كوماندوز من القوات الخاصة بغارة داخل منطقة بيلغورود بجنوب روسيا، مما أجبر المسؤولين المحليين على نقل العائلات حفاظا على سلامتهم.
وذكرت “الجارديان” أن جزءا آخر من مقطع الفيديو الأخير يُظهر عناصر من القوات الخاصة الأوكرانية خلال تفتيش مركبة عسكرية ليلا، ويزيلون بطاقة فاجنر من جندي يبدو ميتا في مقعده. لكن الصور مظلمة للغاية وغير واضحة بحيث لا يمكن تحديدها.