حذرت صحيفة ”الجارديان“ البريطانية من ”كارثة حقيقية“ تهدد الأفغان مع نهاية الوجود العسكري الغربي في بلدهم.
وسلطت الصحيفة الضوء على الأوضاع في أفغانستان، مع ترقب نتائج الانسحاب العسكري من البلاد، الذي ينذر بمستقبل قاتم في أفق الأفغان ”بعد أن علقوا آمالهم ومستقبل بلدهم على الدعم الغربي في مكافحة حركة طالبان، والذين صدقوا وعود بناء الدولة، التي قطعها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، وقادة آخرون“.
وأشارت الصحيفة إلى أن ”التاريخ أثبت أن الانسحاب العسكري من أفغانستان له ثمن باهظ، كما اكتشف البريطانيون في عام 1842، والجيش الأحمر الروسي في عام 1989“.
لكنها اعتبرت أن ”الانسحاب العسكري من أفغانستان، الذي يتم العام الجاري هو الأقل خطورة، حيث لا تتراجع قوات الولايات المتحدة وهي تتعرض لإطلاق النيران بعد“، مشيرة إلى أن ”عملية الخروج قد بدأت تتسارع بشكل غير لائق“، بحسب تعبيرها.
وبدأ القتال في أفغانستان ينتشر بسرعة من منطقة إلى أخرى، حيث لم يتم عقد اتفاق سلام ولا اتفاق على تقاسم للسلطة، ولا اتفاق لوقف إطلاق النار داخل أفغانستان، وسط استمرار واشنطن بسحب قواتها.
وبينت الصحيفة أنه ”في خضم الأحداث الجارية، يبقى هناك سؤالان لا مفر منهما: بعد التضحية بهذا الكم من الأرواح والثروة، ماذا حققت الولايات المتحدة في أفغانستان؟ وما الذي سيحدث بعد ذلك؟“.
وعندما حدد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدا نهائيا للانسحاب في الـ11 من شهر سبتمبر المقبل، بعد 20 عاما بالضبط من هجمات تنظيم القاعدة، التي أدت إلى تدخل واشنطن، قرر البنتاجون الخروج في أقرب وقت ممكن، وقررت المملكة المتحدة وحلفاء الناتو الآخرون أن يحذوا حذوها.
ومن المتوقع حاليا أن تختفي جميع القوات الأجنبية إضافة إلى 17 ألف مقاول معظمهم من الأمريكيين، بحلول منتصف شهر يوليو المقبل.
وأصبح وضع الغالبية العظمى من الأفغان الذين لا يعتنقون وجهات نظر دينية متطرفة، ”مرعبا“، حيث ارتفعت الخسائر في صفوف المدنيين بنسبة 29% بين شهري يناير ومارس الماضيين، مقارنة بنفس الفترة في عام 2020.
وسجلت الجهات الحكومية 3754 حالة وفاة ”مرتبطة بالإرهاب“ في مايو الماضي، وهو ما يسجل ارتفاعًا ملحوظًا عن عدد الوفيات المسجلة بالسبب عينه في أبريل الماضي، والبالغة 1645 حالة وفاة.
وكان من بين الضحايا المدنيين الشهر الماضي، 50 طالبة من حي الهزارة الشيعي في كابول، والذي استهدف عمدا من قبل مسلحين سنيين، كما تم استهداف العاملين في مجال الإغاثة، ونشطاء التلقيح ضد شلل الأطفال والصحفيين، خاصة النساء، وأصبح ”مخطط الكراهية“ واضحا للغاية، بحسب ”الغارديان“.
ويكافح الجيش الأفغاني، الذي دربه الغرب، في التعامل مع التهديدات المتصاعدة، حيث أفادت الأنباء أن 26 قاعدة استسلمت لطالبان الشهر الماضي بسبب نقص الذخيرة والإمدادات، كما تم قتل فرقة من كوماندوز القوات الخاصة الأسبوع الماضي في مقاطعة فارياب.
ويبدو أن الميزة الكبيرة الوحيدة، التي يتمتع بها الجيش الوطني الأفغاني، وهي القوة الجوية، قد بدأت تتبخر مع زوال الدعم التقني واللوجستي الأجنبي.
وتتعرض مقاطعات بأكملها، مثل أوروزغان، وعواصم المقاطعات مثل قندهار ولاشكار جاه في هلمند، التي قاتلت القوات البريطانية من أجلها، لخطر الاجتياح من قبل قوات طالبان.
ووفقا لتقييمات وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات العسكرية، قد لا تظل كابول نفسها آمنة لفترة طويلة.
ونفى جيش الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة سترسل في المستقبل طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة مسلحة من البلدان المجاورة لدعم القوات البرية الأفغانية.
وقال رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكينزي، إنه ”حتى لو كانت كابول على شفير السقوط، ستقتصر الضربات الجوية الأمريكية بعد الانسحاب على مواجهة المؤامرات التي تهدد أراضي الولايات المتحدة“.
وترى ”الجارديان“ أن ”ضبط النفس غير العادي هذا، يعكس عجز البنتاجون عن إيجاد قواعد بديلة على مسافة معقولة، حيث ترفض باكستان، التي تدعم طالبان سرا وقطعت علاقتها مع الولايات المتحدة في عام 2011، وجود الأمريكيين على أرضها“.
وتضيف الصحيفة أن ”من المستبعد أن تقبل قيرغيزستان وأوزبكستان، اللتان استضافتا سابقا قوات وجواسيس أمريكيين، فعل ذلك مرة أخرى، خوفا من الغضب الروسي، وبالطبع لا تعتبر إيران خيارًا مطروحًا“.
ويقابل عدم وجود خطة أمنية موثوقة بعد الانسحاب، غياب مسار سياسي متفق عليه في المستقبل، حيث لم تحقق المحادثات في الدوحة بين طالبان وحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، تقدما يذكر، ولم تلب مطالب قادة طالبان بضمان الحقوق المدنية وتعليم الفتيات.
وتشير ”الجارديان“ إلى أنه ”تم تجاهل إصرار الولايات المتحدة على رفض طالبان تقديم الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة والحركات التابعة لتنظيم داعش في أفغانستان، بل بالعكس، حيث يقول مسؤولون أفغان كبار إن هذه الجماعات السنية باتت تعمل معا لتحقيق النصر الكامل، والذي تعتبره طالبان هدفها“.
وتتشارك الصين والهند مخاوف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى مركزا إقليميا للتشدد.
وعرضت بكين ”الاستثمار واللقاحات، بهدف إقامة حلقة وصل أخرى في خطتها الرئيسية للإمبريالية المسماة مشروع الحزام والطريق، ولكنها تقلق من أن يتعاون المتشددون المقيمون في أفغانستان مع مسلمي الأيغور المضطهدين في شينغ يانغ“.
وترى الصحيفة أن ”المستقبل يحتوي على انقسامات أكبر من أي وقت مضى، حيث تعارض الجماعات العرقية، التي شكلت التحالف الشمالي في الحرب الأهلية في التسعينيات استيلاء طالبان على السلطة“.
ويقول أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، الشهير بأسد بانجشير، الذي اغتالته حركة طالبان قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر، إن ”المتشددين مستعدون للقتال“.
وتتوقع الصحيفة أن يؤدي تصاعد العنف في أفغانستان إلى ”زعزعة استقرار المنطقة، ما يضيف الجوع والتشرد إلى قائمة المشاكل الموجودة بالفعل، والتي تشمل جائحة كورونا والجفاف وتغير المناخ، ويخلق موجات جديدة من اللاجئين، ويدمر السعي إلى المساواة في الحقوق وتحقيق العدالة فيما يخص جرائم الحرب“.
وتضيف: ”أما بالنسبة للسياسيين الغربيين، بما في ذلك في المملكة المتحدة التي تسحب المساعدات فضلا عن القوات، فهم يغمضون أعينهم، ولا يريدون أن يروا أو يناقشوا ما هو على وشك الحدوث“ في أفغانستان.
ومن جانبه تعهد حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي بتدريب وتمويل قوات الأمن في المستقبل، وقال إنه ”سيواصل الوقوف“ إلى جانب أفغانستان، على الرغم من أن تحركاته تشير إلى أنه يتراجع.
وبحسب ”الجارديان“ فقد حققت الولايات المتحدة وشركاؤها ”نجاحا ضئيلا“ فيما يخص التقدم الدائم بأفغانستان، مضيفة أن ”حتى هذا الإرث الهزيل مهدد الآن“.
ويقول روبرت غيتس وزير الدفاع في عهد الرئيسي بوش وباراك أوباما، إن ”الوضع سيزداد سوءا بلا شك عندما ترحل القوات الأمريكية، ولذلك لا يمكننا أن ندر ظهورنا للأمر“.
وختمت الصحيفة البريطانية بالقول: ”في حين قد لا يكون حل الأزمة الأفغانية واضحًا، إلا أن الواضح هو أن الانسحاب والهرب إلى الوطن ليس الحل“.
المصدر: وكالات