يعيش العالم حالياً فى غمار مرحلة تحول رقمى واسع النطاق تنتشر آثارها وتطبيقاتها بسرعة مذهلة، وتمس مختلف جوانب حياة الإنسان والمجتمع والدولة وكل العلاقات والنظم المرتبطة بها، وهناك مسميات أخرى لهذا التحول كالحضارة الرقمية، والزمن الرقمى، والعصر الرقمى، وعصر ما بعد المعلومات مما جعل موضوع “الثورة الصناعية الرابعة” يفرض نفسه كجزء بارز من مناقشات “منتدى شباب العالم”، الذى افتتح نسخته الثالثة رسمياً الرئيس عبدالفتاح السيسى الليلة الماضية.
وبدأت مصر على طريق الثورة الصناعية الرابعة، كى تلحق بها وتنخرط فيها وتحتل مركزاً متقدما فى دليل التنافسية العالمية والدولية فى مجال الذكاء الاصطناعى، حيث خططت للتحول إلى المجتمع الرقمى وتحقيق العدالة الرقمية بما يسهم فى تحقيق الإصلاح الإدارى، وتطوير الخدمات الحكومية، وتحسينها ومكافحة الفساد.
وهناك جهود كبيرة لتطوير البنية المعلوماتية المصرية، والتى تشارك فيها وزارة الاتصالات مع عدد من الوزارات الأخري، واتجهت الدولة حاليا لتوطين التكنولوجيا بأحدث المعايير العلمية فى مختلف المدن والمحافظات والمجتمعات العمرانية الجديدة الجارى تشييدها لجعلها مجتمعات رقمية، وتمت ميكنة الخدمات الحكومية المقدمة للجماهير.
وفى هذا الإطار، جاءت المبادرة الرئاسية الخاصة بدعم الابتكار والإبداع ، وتدشين صندوق لدعم المبتكرين بمساهمة مشتركة بين القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى، بالإضافة إلى تعاظم جهود وزارة الاتصالات المكثفة على طريق الثورة الصناعية الرابعة عبر تنظيم دورات تدريبية للشباب فى هذا المجال، تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن قرار تدريب 10 آلاف شاب من مطورى الألعاب الإلكترونية.
ويؤكد مختصون وخبراء عالميون أن الثورة الصناعية الرابعة هى وسيلة لتحقيق الاستدامة، مشددين على أهمية العمل بخطوات استباقية لمواكبة المتغيرات المعقدة التي يشهدها العالم، وابتكار حلول عملية تستفيد مما توفره تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز الوعي بالقدرات والإمكانات التي تقدمها.
وتنافس الدول على تبنى تطبيقات ومبتكرات الثورة الصناعية الرابعة، نظراً لما تجنيه من فوائد فى مجالات زيادة الإنتاج الصناعى والزراعى وتحسين جودته، وتطوير الخدمات الحكومية، وزيادة التصدير، وتطوير نظام التعليم، بما يشجع قيم الابتكار، وتحقيق الشمول المالى والاجتماعى بحيث تتوافر صورة رقمية عن كل هيئة ومؤسسة ومواطن.
ويعود ميلاد تلك الثورة لما يقرب من نصف قرن عندما بدأ الحديث عن ثورة المعلومات والاتصالات والتقدم المذهل فى أجهزة الحاسب الآلي، ثم انتشرمصطلح الثورة الصناعية الرابعة الذى أطلقه “كلاوس شواب”، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمى فى الأوساط العلمية والإعلامية والسياسية فى كل أنحاء العالم.
وأصبحت وتيرة أدوات وآليات الثورة الصناعية الرابعة في ارتفاع مستمر، وتشير الزيادة المفاجئة في التقنيات التي تتراوح من مكونات الهاتف والشبكات اللاسلكية إلى مراكز البيانات، إلى نوع جديد من الأتمتة أكثر انتشارا وذكاء من أي وقت مضى.
وصدق تقييم وتنبؤ “كلاوس شواب”، الذي جعل الثورة الصناعية الرابعة موضوع اجتماعه السنوي ، الذى عقد فى مدينة دافوس السويسرية فى عام 2016 ، فقد ارتبطت بالتقدم المذهل فى مجالات الذكاء الاصطناعى والآلات التى تحاكى قدرات الإنسان “الإنسان الآلى أو الروبورت”، والتكنولوجيا الحيوية والسيارات والمعدات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار، وإنترنت الأشياء وسلسلة الكتل والطابعات ثلاثية الأبعاد، والعملات الافتراضية “البتكوين”، وكلها مجالات تعتمد على الابتكار والإبداع، وتقوم على التفاعل بين المعلومة والآلة وعقل الإنسان.
وتتسارع الدول والحكومات فى توطين هذه التقنيات واستخدامها، حتى تلحق بالثورة الصناعية الرابعة، التى جاءت لتكمل منظومة الثورات الصناعية الثلاث السابقة، فبعد الثورة الأولى التى اعتمدت على البخار، والثانية التى بدأت بعد اكتشاف الكهرباء، والثالثة التى دشنتها شبكة الاتصالات العالمية “الإنترنت” والرقمنة البسيطة، جاءت الثورة الرابعة المبنية على سابقتها لتعتمد على القدرات الهائلة فى تخزين المعلومات الضخمة واسترجاعها والربط وإقامة العلاقات والتشابكات بينها، والاقتصاد المدعوم بالإنترنت المحمول، والتشغيل الآلي (الأتمتة) والذكاء الاصطناعى.
“قيادة التحول الرقمى”، هو الرافد الأهم فى تلك الثورة، حيث يقدم الحلول الرقمية التى تؤدى إلى تحسين الأداء فى عدد من المجالات من بينها تطوير البنية التحتية للنقل والطرق وتطوير منظومة التعليم، والتكنولوجيا المالية، والشمول الرقمى، والأمن والسلامة وتأمين الاشخاص والمنشآت، والمدن والمجتمعات الذكية، وكلها مجالات ومحاور من الضرورى أن تصبح جزءا من عملية التحول الرقمى فى العالم.
المصدر: أ ش أ