سلطت صحيفة “التليجراف” البريطانية الضوء على مستجدات الأوضاع في سوريا في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل معارضة مسلحة وأدى إلى انهيار حكومة بشار الأسد، محذرة من أن أوروبا لا تستطيع تحمل موجة جديدة من اللاجئين السوريين.
وأعادت الصحيفة إلى الأذهان – في مستهل تقريرها اليوم الثلاثاء – اندلاع الحرب في سوريا في 2011 ترتب عليه تغيير معظم الدول الأوروبية لسياسة قبول اللاجئين من دول الصراع بشكل دائم، وخاصة بعد قرار المستشارة الألمانية إنذاك أنجيلا ميركل بالموافقة على فتح حدود ألمانيا في 2015 أمام اللاجئين السوريين.
وقالت الصحيفة “إن تغيير السياسة الأوروبية بشأن استقبال اللاجئين تسبب في تدفق مئات الآلاف من طلبات اللجوء على العديد من الدول الأوروبية، لاسيما تقديم لاجئين من دول أخرى بالشرق الأوسط وإفريقيا لطلبات لجوء أيضا خلال تلك الفترة، وهي خطوة كادت أن تدمر أوروبا”.
وأشارت إلى أن تأكيد ميركل على أن الدول الأوروبية “بوسعها أن تفعل ذلك”، في إشارة إلى استقبالهم لموجات اللاجئين المتدفقة على أوروبا، سرعان ما إنهار أمام المخاوف من ثغرات اللجوء الجماعي، التي تسببت في تسلل “إرهابيين” في صفوف اللاجئين، مذكرة بإغلاق العديد من دول الاتحاد الأوروبي لحدودها في أعقاب ذلك أمام تدفق اللاجئين، متعللة بأنه لم يتم التشاور معها بشأن ما إذا كانت تريد عبور المهاجرين لأراضيها، فضلا عن تشييد بعض الدول، مثل المجر، لأسوار حدودية لمنع اللاجئين من العبور إلى أراضيها.
واعتبرت الصحيفة أن البادرة العظيمة التي قامت بها ميركل للتعويض عن تاريخ ألمانيا المظلم في القرن العشرين كانت سبباً في تراجع الحريات التي اكتسبتها ألمانيا منذ ذلك الحين.
ورغم أن الناشطين المؤيدين للاجئين، وفقا للتقرير، زعموا أن هذا واجب إنساني يقع على عاتق أوروبا، وأن استقبال المهاجرين من شأنه أن يوفر المهنيين الشباب الذين تحتاج إليهم القارة العجوز، فقد أثبتت الأحداث خطأهم الذي تسبب في تعرض عدة عواصم أوروبية إلى هجمات إرهابية.
وأشارت الصحيفة إلى سلسلة من الهجمات استهدفت عدة دول أوروبية، وأبرزها تلك التي استهدفت فرنسا في الفترة مابين 2015 إلى 2017، حيث تعرضت فرنسا لـ 8 “هجمات إرهابية” خلال تلك الفترة، أسفرت عن مقتل 130 شخصا وإصابة العشرات، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه معظمها بعد ذلك.
ووفقا للتقرير، نفذ معظم الهجمات عناصر تابعة لـ”داعش” كانوا قد تسللوا إلى البلاد مستغلين تدفق اللاجئين إلى أوروبا، كما شملت تلك الهجمات الإرهابية عدة دول أوروبية أخرى، شنها أيضا أشخاص وصلوا كطالبي لجوء.
واعتبرت الصحيفة أن السنوات الأخيرة أكدت المخاوف من تزايد أعداد اللاجئين في أوروبا وإثقالهم لكاهل الاقتصاد في أوروبا.. ففي ألمانيا، بلغت الإعانات المقدمة لمن ولدوا في سوريا وأفغانستان والعراق وإيران وباكستان وإريتريا والصومال ونيجيريا 736 مليون يورو في عام 2010، ولكن بحلول عام 2023 ارتفع هذا المبلغ إلى 6.4 مليار يورو مع إلقاء اللوم على التدفق الكبير في أعداد اللاجئين منذ عام 2015.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من مرور ما يقرب من عقد من الزمان وإنفاق مبالغ ضخمة على اللاجئين الذين تم اسقبالهم في الدول الأوروبية، إلا أنه بحلول يوليو 2023، لم يحصل سوى 30 بالمئة من أولئك اللاجئين (معظمهم من سوريا) على وظائف، مما أثبت أن اللاجئين السوريين في أوروبا يكبدون الاقتصاد مبالغ مالية ضخمة.
ورأت الصحيفة أنه على الرغم أن وسائل الإعلام الأوروبية تهاجم أحيانا صعود الأحزاب الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، فإن الحقيقة هي أن دعم النخبة الليبرالية “لسياسات اللجوء الكارثية” هو الذي أدى إلى نجاحها الانتخابي.. وتابعت: “لهذا السبب يبدو من غير المرجح أن تقبل أوروبا موجة جديدة من اللاجئين السوريين بنفس النطاق الذي تم اسقبالهم به في عام 2015”.
كما اعتبرت أن السبب الرئيسي في ذلك هو تراجع التعاطف مع اللاجئين كما كان في السابق، لاسيما الركود الاقتصادي الذي تعاني منه أوروبا، لافتة إلى أن ألمانيا أوقفت بالفعل مؤخرا جميع طلبات اللجوء من السوريين، وتبعتها النمسا.
ويعد السوريون من بين المجموعات الرئيسية التي تعبر القنال الإنجليزي في قوارب صغيرة، حيث حصل أكثر من 90% منهم على حق اللجوء، كما لفتت إلى أنه رغم أن بريطانيا أوقفت أيضا طلبات اللجوء، إلا أن هناك تساؤلا حول ما يجب فعله مع أولئك الذين حصلوا بالفعل على حق اللجوء؟.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن هناك قضية أخلاقية ملحة تدعو السوريين الذين حصلوا على حق اللجوء في الغرب إلى العودة إلى وطنهم الآن بعد أن انتهت الحرب وأصبحت عملية إعادة إعمار بلادهم في احتياج إليهم.
المصدر: أ ش أ