تشكل حالة التصعيد السياسي الحاد بين إيران والغرب بشأن حماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز، لغم انفجار قابل لإشعال المنطقة في أي وقت، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مسئولية حماية الملاحة في مضيق هرمز والأمن الإقليمي في الخليج.
أتت حالة التصعيد الحاد بين طهران والغرب بعدما أقدمت بريطانيا على اتخاذ عدة إجراءات ردا على احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية وطاقمها المؤلف من 23 فردا في مضيق هرمز، حيث وصف وزير الخارجية البريطاني الاحتجاز بأنه “عمل من أعمال قرصنة الدولة”.
ولأن حرية الملاحة هي مصلحة حيوية لكل دولة، أعلنت لندن عن تشكيل مهمة حماية بحرية بقيادة أوروبية لدعم المرور الآمن للطواقم والبضائع في المياه المحيطة بإيران، وحظيت هذه المبادرة بتأييد ودعم معظم الدول الأوروبية.
وفي خطوة ثانية، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن وصول سفينة حربية ثانية إلى الخليج، لترافق ناقلات النفط والسفن الأخرى التي تمر من مضيق هرمز وحمايتها في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات من جانب إيران، التي أعلنت عزمها استئناف العمل فى المفاعل النووي “أراك” رغم التهديدات الأمريكية.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن المدمرة “إتش.إم.إس.دنكان” ستنضم إلى الفرقاطة “إتش.إم.إس.مونتروز” لدعم المرور الآمن للسفن التي ترفع علم بريطانيا عبر مضيق هرمز.
في مقابل ذلك، أقدمت إيران على اتخاذ بعض الإجراءات التي اعتبرها محللون “استفزازية” كان أولها تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني إن احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية قبالة جبل طارق “غير مشروع وسيكون وبالا عليها”. وأضاف روحاني، “أن وجود قوات أجنبية لا يدعم أمن المنطقة، بل يعد السبب الأساسي للتوتر فيها”.
وثانيها إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران، علي أكبر صالحي، أن إيران ستستأنف العمل فى مفاعل آراك النووي للماء الثقيل، وهو المفاعل الذى كانت إيران قد أعلنت وقف العمل فيه بموجب الاتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥، عن طريق تغيير التقنيات فيه، إلا أنها أعلنت استئناف العمل فيه رغم التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات.
جاءت هذه الإجراءات، استباقا لمخرجات الاجتماع الذى عقد في فيينا مؤخرا، والتقى فيه ممثلون بارزون عن الدول الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني للبحث عن مخرج للأزمة التي وصل إليها الاتفاق، خاصة في ضوء سعي إيران لتقليص التزاماتها به.
وعقد الاجتماع على مستوى المدراء السياسيين، لدول إيران والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، بعد شهر من اجتماع مماثل شهدته فيينا، وأعلنت الدول الأعضاء التزامها ببنود التبادل التجاري مع إيران على الرغم من خروقاتها للاتفاق، حيث أعلنت زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم بمعدلات تتجاوز الحدود المسموح بها في الاتفاق النووي.
حماية الملاحة …مسئولية من؟
وفي ظل الادعاء الإيراني بأن احتجازها للناقلة البريطانية في مضيق هرمز أمر قانوني، فيما ترفض بريطانيا هذا الادعاء وتشدد على أن هذا التصرف مخالف لمباديء القانون الدولي، تثار العديد من التساؤلات بشأن مسئولية حماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز.
بداية يمكن القول إن مضيق هرمز يعتبر في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. وفي 30 أبريل 1982 تم اعتماد الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وذلك من جهة الدول المطلة على البحار، وأهم ما في هذه الاتفاقية هي المادة 38 منها وهي كالآتي: “تتمتع جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية”.
وقد حاولت إيران في مؤتمر قانون البحار (جنيف 1958 – 1960) خلال المؤتمرين الأول والثاني لانعقادهما لوضع “قانون البحار”، واللذان عقدا تحت راية الأمم المتحدة، المطالبة بحقها في الإشراف على مضيق هرمز باعتباره يقع ضمن مياهها الإقليمية، إلا أن طلبها رفض من قبل جميع المشاركين.
وفي مؤتمر قانون البحار (30 أبريل 1980).. طالبت إيران مرة أخرى بحقها في الإشراف على مضيق هرمز، إلا أن طلبها رفض كليا وللمرة الثالثة، حتى جاءت اتفاقية 1982 في ذلك من خلال اعتمادها لحق المرور العابر خلال هذه المضايق المستخدمة في الملاحة الدولية بين جزء من أعالي البحار وبين منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، بحيث أشارت كذلك إلى حقوق وواجبات كل من السفن المارة والدول المشاطئة للمضيق.
وقد عرفت الفقرة الثانية من المادة (38) من الاتفاقية الثالثة المرور العابر بأنه (ممارسة حرية الملاحة والتحليق لغرض وحيد هو العبور المتواصل السريع في المضيق) وبموجب هذا النظام تتمتع السفن والطائرات جميعها دون تمييز سواء أكانت تجارية أم غير تجارية أم حربية بحق المرور الحر الذي لا يجوز أن يعاق. دون أن يمس ذلك النظام القانوني للمياه التي يتشكل منها ولا ممارسة الدولة الساحلية المطلة على المضيق لسيادتها على هذه المياه.
وتتمتع الدول الساحلية المطلة على المضيق باختصاصات معينة منها حق تنظيم حركة الملاحة عبر المضيق على نحو يتطابق مع الأنظة الدولية المقبولة، وكذلك الحق في أن تعتمد قوانين وأنظمة بشأن المرور العابر تضمن بها سلامة الملاحة، شريطة عدم التمييز في هذه القوانين أي أن كل السفن الأجنبية تخضع لنفس القوانين دون محاباة للدولة المالكة، وكذلك ألا يكون من شأن هذه القوانين أن تعيق حرية المرور العابر للسفن.
كما راعت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ممارسة حرية الملاحة للسفن في الممرات المائية المستخدمة للملاحة الدولية، وحقوق الدولة الساحلية المطلة على الخليج أو المضيق. وتتعرض الدولة التي تخالف هذه الأحكام للمسؤولية الدولية وخاصة إذا ترتب على تصرف الدولة المطلة على الخليج أو المضيق إعاقة الملاحة في هذه الممرات المائية الدولية، وقد يؤدي ذلك إلى تدخل مجلس الأمن الدولي المنوط به الحفاظ على الأمن الجماعي الدولي.
ويبقى القول إن التصعيد بين إيران والغرب مرشحا للتزايد بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني الجديد، دومينيك راب، أنه لا يوافق على فكرة مبادلة ناقلة نفط احتجزها الحرس الثوري الإيراني بتلك التي احتُجزت في منطقة جبل طارق.
وفي النهاية، فإن حماية الممرات البحرية في المضايق قد كفله ونظمه القانون الدولي، وأن تهديد إيران المستمر بإغلاق مضيق هرمز، هو أمر مخالف للأعراف والقوانين الدولية بل هو مجرد ورقة تلوح بها طهران في وجه العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، وستستمر حالات الشد والجذب في المواقف الأوروبية والإيرانية والأمريكية خلال الفترة القليلة المقبلة، ما لم تحدث مقايضة دولية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)