ما بين اتفاق الرياض للسلام الموقع في نوفمبر الماضي، ومبادرة المبعوث الأممي لليمن، مارتن جريفيث، تعيش اليمن على وقع مواجهات كلامية، تتطور لمواجهات عسكرية بين قوات الحكومة الشرعية من جانب وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي والمليشيات الحوثية من جانب آخر، في وقت يتطلب فيه تضامن الجهود لمواجهة جائحة كورونا التي لم تترك دولة من دول العالم.
ففي الوقت الذي تطورت فيه الحرب الكلامية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى معارك عسكرية بين قوات الطرفين في المنطقة الواقعة بين مدينتي شقرة وزنجبار في محافظة أبين (شرق عدن)، ينتظر المبعوث الأممي لليمن، مارتن جريفيث، رداً من الحوثيين على المبادرة التي أرسلها لطرفي النزاع في اليمن خلال الأيام الماضية، والتي ردت عليها الحكومة الشرعية بشكل إيجابي.
وفي حالة تلقي رد إيجابي من الحوثيين على مبادرة الأمم المتحدة، سيتم عقد اجتماع أزمة بين الأطراف المتنازعة، ثم اجتماعات لتثبيت وقف إطلاق النار الشامل، والمضي قدماً في مفاوضات السلام السياسية الشاملة للقضية اليمنية.
كان تحالف دعم الشرعية في اليمن قد أعلن في الثامن من أبريل الماضي، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في عموم اليمن لمدة أسبوعين، ثم مددها شهراً بعد انتهاء الهدنة الأولى، بطلب من المبعوث الأممي لليمن، إلا أن المليشيات الحوثية لم تعلن حتى الآن التزامها بوقف النار، واستمرت في عملياتها العسكرية في مختلف الجبهات، وأعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن عن تسجيل 121 انتهاكاً حوثياً لوقف إطلاق النار في اليمن، وبلغ عدد الانتهاكات نحو 2797 انتهاكاً لوقف النار منذ إعلانه.
- اتفاق الرياض ومبادرة جريفيث في خطر
وتحمل العمليات العسكرية بين قوات الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، مخاطر حقيقية على اتفاق الرياض للسلام الموقع بين الطرفين برعاية السعودية في شهر نوفمبر الماضي، وتعاملت الحكومة اليمنية كثيراً بإيجابية مع كل الجهود من أجل تنفيذ (اتفاق الرياض)، الذي يرسم أسس التسوية السياسية.
لكن المجلس الانتقالي، قابل ذلك بتعنت مستمر وإصرار على الاستمرار في تمرده المسلح، وتقويض عمل مؤسسات الدولة، ولم يكتفِ برفض الاستجابة لدعوات الحكومة والتحالف ومجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى ضرورة الرجوع عن خطواته فيما سماها “الإدارة الذاتية للجنوب”، بل استمر أيضاً في زعزعة الأمن والاستقرار في محافظة أرخبيل سقطرى، ومؤخراً في محافظة أبين.
جاءت هذه التطورات بعد أن كان المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على مدينة عدن قد أعلن قبل نحو أسبوعين حالة الطوارئ في المدينة والمدن الجنوبية الأخرى، كما أعلن ما سماه “الإدارة الذاتية” لمناطق الجنوب، بعيداً عن الحكومة الشرعية.
وعلى خلفية التوتر المتصاعد بين الحكومة الشرعية والانتقالي الجنوبي منذ المواجهات التي كانت قد اندلعت في أغسطس الماضي، وصولاً إلى إعلان المجلس الجنوبي “الإدارة الذاتية”، كان كل من تحالف دعم الشرعية والأمم المتحدة ودول عربية وإقليمية وغربية قد دعوا إلى التهدئة، والعودة لتنفيذ “اتفاق الرياض”، لإحلال السلام في اليمن من خلال عملية التسوية السياسية.
وبرغم مبادرة المبعوث الأممي لليمن، مارتن جريفيث، للسلام منتظراً الرد من قبل الحوثيين، إلا أن هذه المليشيات تواصل عملياتها العنيفة في اليمن، غير مبالية بتفشي فيروس كورونا وضاربة عرض الحائط بقرارات منظمة الصحة العالمية متحدية كل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية.
وفي ضوء ذلك دعا زعماء قبليون يمنيون إلى الاحتشاد لمواجهة المليشيات الحوثية في مديرية “وصاب العالي” غرب محافظة ذمار على أثر قيام أحد عناصرهم بإطلاق الرصاص على امرأة وإصابتها بشكل بالغ، استمرارا لجرائم الحوثيين في حق اليمنيين ، إذ يعد الاعتداء على النساء في العرف القبلي في اليمن نقيصة كبيرة قد تشعل مواجهات مسلحة ما لم يتم معالجة مثل هذه الحوادث وفق الأعراف القبلية السائدة.
وجاءت الواقعة لتعيد التذكير بقيام الجماعة الحوثية قبل نحو أسبوعين بمداهمة منزل في مديرية الطفة في محافظة البيضاء (جنوب شرقي صنعاء) وقتل امرأة وهي القضية التي ألبت خصوم الحوثيين من القبائل ولا تزال تهدد بانتفاضة عارمة لطرد عناصر الحوثي من المحافظة. - مؤشرات غير مشجعة
ومع كل تحرك أممي لتحقيق التسوية في اليمن تشتعل المنافسة بين الأجنحة التي تقود الحوثيين كمجموعات ومكوناتها الجهوية، لتعكس حالة الانقسام الذي تعيشه هذه الجماعة وحرصها على استمرار الحرب لتجنب الصراع الداخلي بين كوادرها.
وإذ بات من المعلوم أن القيادة الفعلية لمليشيا الحوثي تحتكرها محافظة صعدة في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، فإن ذلك لم يكن كافيا لغياب الصراع وزيادة التطلعات مع أي خطوة للحل السياسي، وزاد ظهور هذا الصراع بعد مقتل صالح الصماد رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى وهو السلطة الشكلية للحكم في مناطق سيطرة الحوثيين.
وثمة صراعاً بين عبد الكريم الحوثي الذي يشغل حاليا موقع وزير الداخلية في الحكومة غير المعترف بها، ومحمد علي الحوثي رئيس ، ما كانت تسمى اللجنة الثورية العليا قبل تشكيل ما يسمى المجلس السياسي.
وعقب الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة لوقف لإطلاق النار وتوحيد الجهود لمواجهة فيروس كورونا المستجد برز محمد الحوثي ليتولى تمثيل المليشيا في المناقشات مع المبعوث الأممي مارتن جريفيث وعقد معه عدة لقاءات غير مباشرة واستمر في تصدر المشهد حتى الأسبوع الماضي حيث عاد محمد عبد السلام والذي أصبح واحدا من القيادات التي تدير شركات تجارة النفط إلى جانب شبكة متعددة من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.
وبعد لقاءين افتراضيين مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن خرج عبد السلام والذي عادة ما يمثل الجناح المتطرف وشديد الالتزام بتعليمات حزب الله اللبناني ليقول إنهم ناقشوا القضايا السياسية والإنسانية في اليمن مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وضمن المشهد الحوثي هناك أيضاً، حسين العزي نائب وزير خارجية الحكومة الحوثية غير المعترف بها، والعزي واحدا من القيادات الحوثية التي أجرت محادثات مباشرة مع التحالف، فهو أحد الأطراف التي شاركت في إبرام اتفاق ظهران الجنوب أثناء محادثات السلام في الكويت عام 2016.
يبقى القول أن تعدد وتنافس العناصر الحوثية في إدارتها لعملية التسوية السياسية للأزمة، يعكس مستوى الصراع في أوساط القيادات الحوثية، وقناعتها بأن أي وقف للحرب سيؤدي بالضرورة إلى صراع داخلي على المكاسب السياسية والمناصب والنفوذ، كما أن كل هذه الأجواء لن تكون بيئة مشجعة للحوار والتوصل لتفاهمات سياسية تؤمن عملية التسوية السياسية للأزمة في اليمن.
المصدر:أ ش أ