تناولت صحيفة “التايمز” القمة الصينية الروسية في مقال بعنوان “ماذا تقول قمة بوتين وشي عن الحرب الباردة الجديدة؟”
ووصفت الصحيفة محادثات السلام بأنها غالبا ما تمثل غطاء لتعزيز الصراعات التي يتظاهر السياسيون بإنهائها.
وتقول الصحيفة إنه من أجل ذلك لا ينبغي أن يندهش أحد بأن ترحيب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأسبوع الجاري، بخطة السلام الصينية لإنهاء الصراع في أوكرانيا، والتي دعت إلى وقف التصعيد ووضع حد للهجمات على المدنيين، أعقبه على الفور إطلاق وابل من الطائرات المسيّرة والصواريخ في مدن أوكرانية.
ونقلت الصحيفة تصريحات الرئيس الصيني، شي جينبينغ لبوتين، عندما غادر موسكو بعد القمة التي استمرت ثلاثة أيام: “اعتني بنفسك، صديقي العزيز”، وحتى أثناء توجهه إلى مطار فنوكوفو في موسكو، كانت دوي صافرات الإنذار يُسمع في كييف ومدن أخرى.
وكان ستة أشخاص قد لقوا مصرعهم عندما استهدفت طائرة مسيّرة روسية بناية سكنية في بلدة رجيشيف جنوبي العاصمة كييف، كما قصفت القوات الروسية بنايتين سكنيتين في مدينة زابوريجيا جنوب شرقي البلاد، مما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل.
وتقول الصحيفة إن زيارة الرئيس الصيني لموسكو جعلت العالم أكثر استقطابا من الناحية الأيدولوجية والاستراتيجية بين الشرق والغرب، مقارنة بأي وقت آخر منذ الحرب الباردة.
ونقلت الصحيفة عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، خلال مؤتمر صحفي: “لا أريد الخوض في مناقشة بشأن إذا كانت احتمالية نشوب صراع نووي نبرتها مرتفعة هذه الأيام، لكنها أعلى من أي شيء شهدناه خلال العقود القليلة الماضية”.
وتقول الصحيفة أن هذه المواجهة بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى هي نتيجة لرهان من القوى الكبرى الثلاث.
وتقول الصحيفة إن روسيا هي الأكثر وضوحا في مواجهة تراجعها كقوة عظمى منذ خسارة الحرب الباردة، ورؤية مستقبلها في خطر بسبب التراجع الديموغرافي والاقتصادي، الأمر الذي دفع بوتين إلى الرهان بمغامرة عسكرية.
فبعد أن شهد بوتين تراجعا في جورجيا عام 2008، أو أوكرانيا عام 2014 أو سوريا عام 2015، أطلق غزوة واسعة النطاق قبل عام بهدف إعادة إنشاء “نوفوروسيا” على الأقل، إمبراطورية ناطقة بالروسية على طول ساحل البحر الأسود.
وجاء الرهان الصيني أكثر حذرا، مما دفع الخبير الصيني، هوو وي، في العملية العسكرية الروسية إلى الحديث عن ضرورة أن تفكر بكين في الوقوف إلى جانب الغرب ضد موسكو، لتضع نفسها على “الجانب الصحيح من التاريخ” في منافسة مستقبلية على النفوذ مع الولايات المتحدة.
لكن تلك التصريحات لم تلق صدى وقوبلت بتجاهل، وبدلا من ذلك، اعتقد الرئيس الصيني أن بكين تواجه أسوأ مخاطرها بسبب نتيجتين محتملتين، إحداهما تحقيق انتصار روسي صريح، من شأنه أن يشجع منافستها التاريخية على التفوق الآسيوي. لكن الأمر الأكثر خطورة هو هزيمة روسيا وانهيارها، مما يؤدى في أسوأ الأحوال إلى فوضى على حدودها وفي أفضل الأحوال إلى تحويل أمريكا الشجاعة كل قوتها العسكرية الاستراتيجية لاحتواء الصين.
وتقول الصحيفة إن الصين، التي كانت اهتماماتها الرئيسية دائما واقعية، وجدت الفرصة سانحة لإبرام صفقات لإمدادات الطاقة الرخيصة، بعد أن تضرر اقتصادها بشدة من سياسات الإغلاق للحد من فيروس كورونا.
ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لأنها تدرك جيدا أن بكين كانت تفعل الشيء نفسه مع إيران منذ أن فرض الرئيس السابق، دونالد ترامب، من جديد عقوبات على طهران عام 2018.
كان الإنجاز العظيم الذي حققه هنري كيسنجر، استراتيجي أمريكا العظيم المثير للجدل في الحرب الباردة، هو هندسة التقارب مع الصين تحت زعامة الرئيس ماو وخلق قوة عظمى ثنائية ضد الاتحاد السوفيتي. لكن بايدن نجح في هندسة العكس.
ويقول الكاتب إن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه، إذ لم يقدم الرئيس الصيني أي وعود لبوتين في القمة، ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى موافقة الصين على إرسال أسلحة طلبتها روسيا.
وقال أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، أمام لجنة بمجلس الشيوخ: “نتحدث اليوم، ولم نرهم يتجاوزون هذا الخط”.
لم يكن لدى بايدن خيار سوى الرهان، وظل يجادل أنه لا الولايات المتحدة ولا أوروبا تستطيعان التراجع والسماح لروسيا بالسيطرة على أوكرانيا، لكن البيئة الإستراتيجية الأوسع التي أُتخذت فيها تلك القرارات تشكلت من خلال قرارات اتخذت في فترة ولاية بايدن الأولى عندما كان نائبا للرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي اعتقد أنه يستطيع “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا، والانسحاب من الشرق الأوسط و”التحول” إلى آسيا.
لكن سنوات أوباما الثمانية تركت الشرق الأوسط في حالة من الفوضى، أما بالنسبة إلى “التحول إلى آسيا”، فإن قادة الشرق الأوسط وكذلك بوتين يسعون للحصول على ضمانات اقتصادية وأمنية من بكين بدلا من واشنطن.
سيتغير كل هذا إذا خرج الغرب منتصرا في أوكرانيا، وتعرضت روسيا للإذلال، وتوقفت الصين عن التفكير في التدخل بقوة أكبر في أوروبا أو الشرق الأوسط.
المصدر: وكالات