نطالع من صحيفة البيان الإماراتية تقريرا بعنوان “بحر اللاجئين يُغرق أوروبا .. حيث كتبت الصحيفة تقول “واجهت أوروبا في 2015 أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. وقد أثارت جدلاً غير مسبوق في القارة وكانت سبباً في نشوب خلافات ومشاكل حادة بين دول الاتحاد الأوروبي، حول كيفية توزيع اللاجئين، وأثارت تساؤلات حول مصير اتفاقية «شينغن»، وإن أبدت بعض الدول استعدادها لحل الأزمة، إلا أن بعض دول أوروبا الشرقية كرست العنصرية في تعاملها مع الوضع، على الرغم من أن موجة الهجرة حملت مآسي وحوادث مفجعة، حيث قذفت مياه البحر بجثث أكثر من 3700 شخص قضوا غرقاً قبالة الشواطئ التركية، وجثث أكثر من سبعين لاجئاً قضوا اختناقاً في شاحنة في النمسا.
لم يجد السوريون سوى الزحف للعبور بطرق غير شرعية لينتهي بهم المطاف اختناقاً أو قتلاً ومازالت الأزمة في تفاقم إلى أن يوجد المجتمع الدولي والعالم الإنساني حلاً لأزمتهم التي باتت تؤرق ضمير كل إنسان حي، فمناظر اللاجئين الذين يغامرون بحياتهم بحثاً عن حياة آمنة خارج مناطق الحرب، وهم يشقون طريقهم من خلال الكثير من العوائق الصعبة ـ بما في ذلك سياجات الأسلاك الشائكة المقامة على عجل وحراس حدود ـ هي مناظر مروعة جاءت لتؤكد أن حق اللجوء المكفول في القوانين الدولية مرتبط بالمزاجية في التعامل ولا يخضع لأية معايير، والأهم أن هذه الأزمة عصفت بعنفٍ بأوروبا، لأنها شكّلت فشلاً طويل الأمد في السياسة العامة في حل من القضايا فمن الهجرة إلى سياسات الإدماج، ومن السيطرة على الحدود إلى مكافحة الجريمة.
ومنذ أن تصدرت صورة إيلان كردي (3 سنوات)، الطفل السوري الذي عرفه العالم جثّة على شاطئ بودروم التركية، مع بداية شهر سبتمبر 2015، أجهزة الإعلام العالمية المرئية والمكتوبة، وبروز حادثة أخرى وهي العثور على جثة 71 مهاجراً وجدوا مُختنقين في صندوق مغلق لشاحنة مهجورة بالنمسا، أغلبهم من السوريين، كانوا غالباً في طريقهم إلى ألمانيا، أصبحت قضية اللاجئين تشكل أزمة ضاغطة على كل أوروبا، بسبب تداعياتها الإنسانية، حيث قررت ألمانيا تجميد عملها باتفاقية دبلن، فاتحةً أبوابها أمام النازحين السوريين تحديداً، كي يسجلوا طلبات لجوء إليها، في خطوة هي الأهم بالنسبة للسوريين بعد كل ما عانوه في الأعوام الماضية.
وأعلنت المستشارة أنغيلا ميركل عن استعداد بلادها لاستقبال 800 ألف منهم، داعية دول الاتحاد الأوروبي لتقاسم العبء، لكن البلدان التي وضعت سياسات تحسين الهجرة على غرار بريطانيا وألمانيا كانت أفضل استعداداً.
أما البلدان الأخرى التي ليس لديها تقليد إدماج أعداد كبيرة من الأجانب في الكتلة العامة لشعوبها، فقد صدّت احتمال إدخال قسم من اللاجئين إلى أراضيها. ونتيجة لذلك، بات من الصعب للغاية تنظيم تقاسم الأعباء بشكل متوازن بين الدول الأعضاء. وهكذا برز انقسام بين الشرق والغرب. ما يؤكد أن هذه الأزمة ليست أزمة أنظمة الدول الأوروبية أو قدراتها الاستيعابية، بل هي أزمة في القيادات السياسية والضمير.
لا أحد يقلل من شأن الجانب الإنساني والأخلاقي في اللفتة الألمانية حيال المهاجرين، لكن برلين وغيرها من مواقع القرار الأوروبية، تدرك أنه بحلول سنة 2050، سيبلغ 28 في المئة من سكان دول الاتحاد الأوروبي سنّ التقاعد أو يقتربون منها. وفي ألمانيا واليونان والبرتغال وسلوفاكيا وإسبانيا، ستبلغ نسبة المتقاعدين ثلث عدد السكان في تلك السنة، مقارنة بنسبتهم الراهنة والبالغة 20 في المئة أو أقل.
يبدو أن ألمانيا أكثر دول الاتحاد التي تلوح باستخدام العقوبات القانونية والاقتصادية ضد الأطراف الرافضة لاستقبال اللاجئين ومنها قطع الدعم المالي عن الدول المعنية في حال ظلت مصرة على مواقفها. المعطيات تقول إن الاتحاد الأوروبي لايزال بعيداً إلى حد ما عن الاتفاق حول أزمة اللاجئين ولا يوجد حل قريب في الأفق.
أوروبا فشلت بشكل متّسق وشامل إلى درجة أن تصحيح هذه القضية متعددة الأوجه يُعتبر من أكثر المهام تعقيداً، والتي يتوجَّب على الأوروبيين مواجهتها بشكلٍ مشترك. لقد تغاضى الأوروبيون عن حجم هذه المشكلة، ولذلك اجتاحهم على قدم المساواة حجم الأزمة الذي خلقه هذا الفشل.
فما فعله الأوروبيون هو اقتراح ألماني ـ فرنسي، انضمت لصياغته إيطاليا فـي ورقة مشتركة لإنشاء آلية دائمة لإعادة توزيع اللاجئين على الدول الأوروبية، فـي مقابل إقناع الدول الحدودية، خصوصاً اليونان وإيطاليا، بتسجيل جميع اللاجئين لديها وعدم تشريع أبوابها لخروجهم. وتسعى الخطة المقترحة لإقناع دول الاتحاد الأوروبي باستقبال 120 ألف لاجئ، عبر نظام الحصص الإلزامية.
بالتوازي مع ذلك، تقترح المفوضية إقامة نقاط ساخنة، للتعامل مع طلبات اللجوء فـي اليونان وإيطاليا والمجر. لكن العنصرية الأوروبية انعكست في بلدين، الأول دولة المجر التي اخترقت كل قوانين ومعاهدات الاتحاد الأوروبي عندما أقامت سوراً شائكاً على طول حدودها مع صربيا لمنع تدفق اللاجئين، والثانية سلوفاكيا، فأظهرت كل أنواع التمييز العنصري والديني، عندما قالت إنها لن تستقبل غير اللاجئين السوريين المسيحيين تحت ذريعة عدم وجود مساجد فيها، وصعوبة تأقلم المسلمين مع ثقافتها، فيما فتحت مقدونيا ذراعيها للمهاجرين في الأوقات الصعبة، حيث اضطرت تحت ضغط موجات اللاجئين إلى فتح حدودها لعبورهم بعد أن كانت قد أغلقتها في وجوههم.
كما أن تركيا دائماً تشتكي من الفائض في أعداد المهاجرين، حيث تستمر في ليّ الذراع، حيث طالبت دول الاتحاد بتمويلها بـ3 مليارات يورو خلال العامين المقبلين، وتسهيل حصول الأتراك على تأشيرات لدخول أوروبا، فضلاً عن دعم طلب عضويتها في الاتحاد، مقابل تأمين حدودها لمنع سفر اللاجئين إلى أوروبا.
قبول استقبال اللاجئين وتقاسم الحصص ليس كافياً، خصوصاً إذا استمر التدفق بهذا الشكل الذي سيؤدي إلى إرهاق الدول الأوروبية عندما تستنفذ سعتها وتبدأ أزمات تظهر على السطح تتعلق بوفود المزيد من الأعداد، خصوصاً إذا استمرت الحملات اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين التي بدأت ترتفع أسهمها أخيراً، مع تبنيها لخطاب عنصري بتأكيد أن هؤلاء المهاجرين سيغيرون الطبيعة الثقافية لأوروبا وسيعملون على أسلمتها والإضرار بأنظمتها العلمانية، كما أنهم سيحملون تناقضاتهم الثقافية وإمكانية وجود عناصر متطرفة من الجماعات المسلحة المنتشرة في الشرق الأوسط وسط اللاجئين.
لا شكّ في أنّ الهجمات الإرهابيّة التي هزّت عاصمة الأنوار باريس، 13 نوفمبر، ستحمل في طياتها رياح تغيير في سياسة فرنسا تجاه مستقبل العرب المسلمين وأفواج اللاجئين المتدفّقين على باريس وبقيّة دول الاتّحاد الأوروبي.
تأثيرات هجمات باريس لا تقتصر على الدّاخل الفرنسي بل تتجاوزه لتطال قضايا إقليميّة ودوليّة مهمّة أوّلها قضية اللاجئين، حيث بدأت أوروبا تراجع سياسة اليد الممدودة وبدأت تفكر في أمنها قبل أي شيء.
اللاجئون سيكون لهم نسبة من التأثيرات السلبية للهجمات الأخيرة، خصوصاً على مستوى استعداد أوروبا لاستقبالهم، في ظلّ الجدل المتزايد حول استغلال «داعش» للموجات الهائلة من المهاجرين التي عبرت باتجاه أوروبا، وزرعت عناصرها في صفوفهم ليتسللوا إلى الاتحاد الأوروبي.
الهجمات الإرهابية في العاصمة الفرنسية باريس، والتي تبناها تنظيم داعش، أصبحت حياة اللاجئين في أوروبا في خطر، لتوجيه اتهامات لهم بزعزعة الأمن القومي. وعلى الرغم من توصيات مجموعة العشرين بعدم الخلط بين الهجمات الإرهابية وقضية اللاجئين، إلا أن هناك اتجاهاً من بعض الدول الأوروبية إلى إغلاق الحدود، خشية من الإرهاب.
أجرت وكالة «يوروستات» الأوروبية،دراسة أثبتت أن نسبة اللاجئين الراغبين في التوجه إلى فرنسا قليل للغاية، وأن معظم المهاجرين يفضلون ألمانيا والنمسا، التي أثبتت الدراسة أنهما أكثر الدول الأوروبية التي استقبلت طلبات اللجوء في الفترة من أبريل إلى أكتوبر من 2015 .
وتقدمت ألمانيا البلدان التي استقبلت طلبات اللجوء وترتيبهم، حيث كانت في المقدمة بمعدل 38 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين في أوروبا، وجاءت في المرتبة الثانية اليونان، أما النمسا فهي في المركز الثالث، بينما تأتي فرنسا في آخر مستوى”
المصدر : وكالات