أقل من شهر يفصل بريطانيا عن انتهاء الفترة الانتقالية التي تلتزم فيها بقواعد الاتحاد الأوروبي لتبدأ مرحلة جديدة من علاقتها مع التكتل في مرحلة ما بعد (بريكست) وسط حالة من الغموض حول مستقبل علاقات الجانبين في ظل تعثر المفاوضات، والتي تصب في صالح سيناريو “الخروج دون اتفاق”.
ويُنبئ تحليل المشهد الراهن بأن بريطانيا ستواجه قريبا العديد من التحديات سواء تم التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين أم لا، فهي مقبلة على مرحلة جديدة مختلفة جذريا عن وضعها الحالي بعد خروجها من التكتل الأوروبي، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على حياة البريطانيين في مختلف الجوانب.
بحسب المراقبين.. تخيم الأجواء التشاؤمية على جولة المفاوضات المنعقدة حاليا، والتي من المنتظر أن تشهد مواقف حاسمة خلال الساعات القليلة القادمة تعطي أي مؤشر لما ستكون عليه علاقات الجانبين بعد انتهاء الفترة الانتقالية في 31 من ديسمبر الجاري.
ومع بدء العد التنازلي لانتهاء الفترة الانتقالية، تزداد أجواء القلق والمخاوف على الساحة البريطانية وتطرح العديد من التساؤلات حول العديد من جوانب الحياة بعد الخروج من الاتحاد، خاصة في ظل حالة الغموض التي تخيم على علاقات الجانبين، وفي هذا السياق يؤكد المراقبون على أنه بانتهاء الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر 2020، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا، فإن بريطانيا مقبلة على مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الصعبة وسط مخاوف من وقوع صدمة مزدوجة قد تترك آثارا طويلة الأمد، لاسيما في ظل التداعيات السلبية لوباء كورونا على اقتصاد البلاد.
ولا يبدو واضحا وجود بوادر لحدوث انفراجة قريبة في هذه العملية التفاوضية المتعثرة، وهو ما انعكس على تصريحات المسئولين من الجانبين حيث أعلن ميشال بارنييه، كبير المفاوضين الأوروبيين مع بريطانيا، أن اتفاقا تجاريا مع لندن “لا يزال غير أكيد”، قبل شهر من انتهاء المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى أن الساعات القادمة ستكون حاسمة.
وفي اتجاه معاكس.. أعربت رئاسة الوزراء البريطانية عن تفاؤل رئيس الوزراء بوريس جونسون، إزاء ما ستسفر عنه المفاوضات مع الجانب الأوروبي، لكنه أعلن في الوقت نفسه استعداده لاحتمال عدم التوصل إلى اتفاق لمرحلة ما بعد بريكست معربا عن استعداده للتعامل بالشروط الأسترالية “كما يسميها”، في إشارة إلى شروط منظمة التجارة العالمية، وفقا لما صرحت به اليغرا ستراتون المتحدثة باسمه.
وحضت الحكومة البريطانية مختلف الشركات على الاستعداد لانتهاء الفترة الانتقالية في غضون شهر واحد، مشددة على أهمية ذلك لتجنب الاضطراب المحتمل مع سريان القواعد الجديدة في الأول يناير المقبل. وهو ما أكده مايكل غوف، الوزير المعني بشؤون «بريكست» في الحكومة البريطانية، عندما قال إن “هناك احتمالاً بأن تنتهي محادثات التجارة من الاتحاد بغير التوصّل إلى اتفاق، ولهذا فمن المهم أن يستعد قطاع الأعمال لجميع الاحتمالات”.
ويبدو المشهد الداخلي في بريطانيا محتقنا بدرجة كبيرة نتيجة تعثر المفاوضات وتصاعد المخاوف من بريكست بلا اتفاق، فقد ذكرت صحيفة (الاندبندنت) البريطانية اليوم أن جهة رقابية تابعة للبرلمان وجهت اتهاما للحكومة البريطانية بأنها لم تستعد جيدا لسيناريو “الخروج بلا اتفاق” وأنها قللت من أهمية الحجم الهائل للتحدي المقبل.
ووفقا للصحيفة، عبر نواب من البرلمان البريطاني، في تقرير صدر عن مجلس العموم البريطاني بالأمس، عن قلقهم بشأن المخاطر الجسيمة للتعطيل والتأخير بسبب تقاعس الحكومة عن العمل في موانئ مثل دوفر.. وأشار النواب إلى أن هذه هي المرة الثانية عشرة التي يحذرون فيها الحكومة بشأن هذه القضية منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، لكنها لا تزال “لا تفعل ما يكفي لضمان استعداد الشركات والمواطنين لنهاية الفترة الانتقالية”.
ووفقا للاندبندنت، فقد ذكرت لجنة الموازنة العامة في مجلس العموم البريطاني أن عملية الاستعدادات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شملت أكثر من 22000 موظف مدني في ذروتها وتكلفت ما لا يقل عن 4,4 مليار جنيه إسترليني – ومع ذلك لا تزال هناك “ثغرات كبيرة في نهج للتخطيط، خاصة بالنسبة للأحداث غير المتوقعة أو النتائج غير المرغوب فيها.”
وقالت النائبة ميج هيلير، التي تترأس اللجنة: “التظاهر بأن الأشياء التي لا تريد أن تحدث لن تحدث ليس وصفة للحكومة، إنها وصفة لكارثة”. وأضافت “نحن ندفع ثمن هذا النهج في استجابة المملكة المتحدة لوباء كورونا ولا يسعنا إلا أن نأمل في ألا نواجه الآن كارثة أخرى على الحدود في غضون 4 أسابيع”.
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق ستكون التداعيات أكثر صعوبة على الجانب البريطاني. فعلى المدى القصير يواجه الطرفان خطر اضطراب حركة التجارة بينهما، التي تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، من خلال فرض رسوم جمركية وتشديد اللوائح بعد خضوعها لقواعد منظمة التجارة العالمية. كما يتوقع حدوث نقص في إمدادات الأدوية حيث توقعت بعض التقارير البريطانية أسوأ معدل تدفق معقول بنسبة 60 إلى 80 في المئة من المستويات الراهنة”، فضلا عن توقعات بانخفاض بعض المواد الغذائية حيث تستورد بريطانيا ثلث حاجتها من الغذاء من الاتحاد الأوروبي.
أما على المدى الطويل، فإن الآثار الاقتصادية للخروج بلا اتفاق، ستكون أكثر ضرراً من التي قد تتأتى من فيروس “كورونا وذلك وفقا لما صرح به أندرو بيلي محافظ “بنك إنجلترا” مؤخرا حيث أوضح أنه في حالة وقوع “بريكست دون اتفاق” فإن الشركات والأعمال وكل قطاعات “الاقتصاد الحقيقي” ستحتاج إلى سنوات للتكيف مع قواعد وإجراءات جديدة للتعامل مع أوروبا، إذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاق يُبقي العلاقات التجارية والاقتصادية أقرب ما يكون لما كانت عليه عندما كانت بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، وبالتالي “سيكون من الأفضل عقد صفقة تجارية”.
ولا يستبعد مجتمع التجارة والأعمال في بريطانيا حدوث صعوبات في الأشهر الأولى من 2021، بصرف النظر عما إذا كان قد أُبرمت صفقة تجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أم لا، حيث ستزيد الإجراءات الروتينية لجهات التصاريح الجمركية في عمليات نقل البضائع من وإلى الاتحاد الأوروبي. كما ينتظر أن يواجه المصطافون البريطانيون والمسافرون من رجال الأعمال احتمال معوقات أمام إجراءات لختم جوازات السفر عند نقاط مراقبة الحدود على جانبي القناة وفي المطارات.
المصدر : وكالات