بعد منافسات (الثلاثاء الكبير) التى جرت في الثالث من مارس الحالي، انحصر الصراع بين مرشحي الحزب الديمقراطي لمواجهة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، في احتدام المنافسة والصراع بين النائب السابق للرئيس أوباما جو بايدن، وزعيم الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز.
ورغم تعهد المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الامريكية جون بايدن، عدم تحويل الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي إلى هجمات متبادلة مع منافسه بيرني ساندرز، الذي وصف نائب الرئيس الأمريكي السابق بأنه “صديق” يختلف معه في الرؤى السياسية، إلا أن البرنامج الانتخابي لكل منهم سيكون عاملاً محدداً في جذب الجمهور الأمريكي، كما أن دعم مؤسسات الحزب الديمقراطي لكل منهم تمثل محدداً آخر، لتحديد اختيار من سيكون مرشح الديمقراطيين لملاقاة ترامب للوصول لسدة الرئاسة في نوفمبر 2020.
وتلقى نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، دعماً إضافياً لحملته للفوز بالترشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة، بعدما انضمّت السيناتورة كامالا هاريس، منافسته السابقة، إلى قائمة المرشحين المنسحبين الذين قرروا دعمه.
وكتبت هاريس تغريدة تشرح خيارها: “سأبذل كل ما في وسعي من أجل مساعدته لكي يصبح الرئيس المقبل للولايات المتحدة”، مضيفة “أثق حقاً بجو بايدن، الذي أعرفه منذ زمن طويل.. نحن اليوم بحاجة إلى قائد يهتم حقاً بالناس ويمكنه توحيدهم.. وأعتقد أن جو قادر على القيام بذلك”.
وكان المرشحون السابقون بيت بوتدجدج، الذي تصدر السباق في بداياته، وإيمي كلوبوشار وبيتي أورورك ومايك بلومبرج، أعلنوا دعمهم حملة نائب الرئيس السابق بايدن، وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية في ولاية كارولاينا الجنوبية ومن ثم في يوم “الثلاثاء الكبير”، تزايد الدعم لحملة بايدن أكثر.
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا فإن نتائج الولايات التي صوتت حتى الآن تفيد بحصول بايدن على ٦٦٦ مندوبا، أما ساندرز فقد حصل على ٥٨٨ إلى جانب ١٠٦ لبلومبيرج و٩٨ لوارن، والمرشحان الأخيران انسحبا من السباق لصالح بايدن، الذي حشدت المؤسسة التقليدية للحزب، وعلى رأسها باراك أوباما، كل إمكانياتها لمنحه هذه الدفعة القوية.
ويجري الصراع بين مرشحي الحزب الديمقراطي للحصول على أصوات المندوبين للوصول إلى “المؤتمر العام” للحزب، ويبلغ عدد المندوبين عن الولايات في “المؤتمر العام” للحزب 3.979 مندوبًا، والمرشح الذي يفوز 1.990 يكون هو المرشح النهائي للحزب في انتخابات الرئاسة.
الهدف المعلن للديمقراطيين هو مرشح قادر على هزيمة ترامب، ويؤمنون أن المرشح الوسطي هو المرشح المجدي في مواجهة الرئيس الحالي، والمشكلة أن المرشح الديمقراطي الوسطي الحقيقي بالمقاييس الأمريكية كان بلومبيرج، بينما يكتسب بايدن كل أهميته السياسية من منصبه السابق كنائب لأوباما، وهو لم يقدم برنامجا محدد المعالم، بينما يطرح بيرني ساندرز، ومنذ زمن طويل، برنامجا لتغيير جذري، يثير مخاوف الطبقة السياسية، ولكنه يلقى تأييدا متزايدا لدى الناخبين.
وتبقى معضلة برنامج ساندرز، أنه انتقد بشدة نخبة الحزب الديمقراطي ومؤسساته لأنه يعرف أنها فى مجملها لن تدعمه، ولكنه لم يسع بصورة كافية لكسب ثقة الناخبين الديمقراطيين، الذين يصوتون للحزب منذ عقود ويثقون فى مؤسساته، ولم يحاول حتى اللحظة تغيير خطابه لإرضائهم.
ومن هذا المنطلق صنفت بعض وسائل الإعلام الديمقراطية “ساندرز”، بأنه شيوعي، ورفعوا شعار: “لا تنتخبوا ساندرز فهو مجنون” لإخافة قطاع واسع من تيار الوسط فى الحزب الديمقراطي منه ودفعهم إلى عدم التصويت له، هو ما جرى بدرجة كبيرة.
توجهات ساندرز وبايدن
تُعد مواقف ساندرز تجاه العديد من القضايا التي يطرحها، مواقف ثورية من وجهة نظر التيارات السياسية الأمريكية، فـ”ساندرز” يُريد تطبيق “التأمين الصحي للجميع”، ويريد “إلغاء ديون الطلاب الجامعيين”، “وإلغاء مصروفات التعليم الجامعي، فيما يُشبه مجانية التعليم”، و”دعم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة في مواجهة إسرائيل واللوبي الداعم لها في إسرائيل”، وهذه الأفكار ينظر إليها باعتبارها أفكارا ثورية، وتميل إلى الاشتراكية، ولا تتماشى مع طبيعة النظام الديمقراطي الأمريكي.
وتتخوف المؤسسة الديموقراطيّة من “ثورية” ساندرز غير المنتمي إلى الحزب الديموقراطي أصلاً والذي استطاع جذب قاعدة شعبية واسعة من الشباب “اليساري” إليه. بذلك، يتسع الشرخ الديموقراطي يومياً، الأمر الذي قد يؤثر على حظوظ الحزب الرئاسية، إن لم يؤثر على تماسكه بدءاً من 2021.
ولذا فإن ثمة عراقيل وتحديات أمام ساندرز، أبرزها مؤسسة الحزب الديمقراطي التي تعارضه بشكل جوهري، والتي ستفعل كل ما في وسعها حتى لا يفوز في الانتخابات، فمنذ “الثلاثاء الكبير” (3 مارس 2020)، بات الشعار داخل المعسكر الديمقراطي هو “أي أحد إلا ساندرز”، كما يمكن القول إن الدولة العميقة والبنتاجون سيجدان صعوبة في قبول انتخابه، الذي قد يعني خفضا خطيرا لميزانيته، ولدوره الرئيسي في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، وسيُتهم ساندرز بالرغبة في “التخلي عن الحذر واليقظة”.
أما بالنسبة لجو بايدن، فقد ارتاحت مؤسسة الحزب الديموقراطي له بعدما حقق عودة بارزة خلال انتخابات الثلاثاء الكبير والتي أتاحت له كسب العدد الأكبر من المندوبين بالمقارنة مع ساندرز، وتريد المؤسسة الحفاظ على الوجه الوسطي للحزب.
وقد انتقد مؤيدون بارزون لساندرز طريقة تحرك المؤسسة لدعم بايدن، كتجيير المرشحين السابقين بيتي بوتيجيج وآيمي كلوبوشار أصوات مؤيديهما له.
ثمة تيار يرى أنه إذا نجح “ساندرز” في الحصول على ترشيح الحزب النهائي، فبإمكانه هزيمة “ترامب”، ومبررات هذا التيار أن “ساندرز” نجح في بناء قاعدة تصويتية كبيرة، وأنه يحظى بدعم قطاع عريض من الناخبين الأمريكيين.
وثمة تيار معارض يرى أن ترشح “ساندرز” في الانتخابات العامة في مواجهة “ترامب” يعني خسارته أمام ترامب، لأنه يتمتع بمزايا نسبية كثيرة في السباق الانتخابي.
ويرى مراقبون أنه في حالة فوز بايدن بالانتخابات التمهيدية وخسارته النهائي أمام ترامب، فسوف يتهم أنصار “ساندرز” المؤسسة الديموقراطية باستبعاد مرشحهم لصالح رجل فشل في إزاحة ترامب.، لكن المراقبين يرون أن إعطاء المؤسسة الديموقراطية ساندرز الفرصة ليخوض السباق الرئاسي الكبير يعني تعزيز الجناح اليساري المتشدد في الحزب، وأن قدرة المؤسسة على التأقلم مع هذا الواقع الجديد ستكون محل شكوك.
ويتبقى أيام معدودات، ويصبح ترشيح الحزب الديمقراطي، إما لمرشح غير تقليدي مثل بيرني ساندرز، أو طمأنة الناخبين الوسطيين، واختيار مرشح معتدل “جو بايدن”.” لملاقاة الرئيس ترامب أمراً واقعياً، من أجل المنافسة الشرسة للوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية.
وسيظل السيناريو المطروح إما “ساندرز ـ ترامب” أو “بايدن ـ ترامب” ، وفي الحالة الأولى سيتعرض الحزب الديمقراطي لمهددات تؤثر على هيكله البنيوي لطغيان التوجهات اليسارية داخله، وفي الحالة الثانية، سيكون الحزب الديمقراطي أكثر تماسكاً، لسيطرة المعتدلين على توجهاته، وستكشف الأيام القادمة مدى حدوث تحولات داخلية للحزب الديمقراطي من عدمه.
المصدر : أ ش أ