جاء إعلان الانسحاب الأمريكي من آخر القواعد العسكرية بالنيجر، بعد توالي انسحاب القوات الفرنسية من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، في حين ترسّخت هناك، وفي دول أخرى بمنطقة الساحل بوسط وغرب إفريقيا، أقدام روسيا والصين، وكذلك الجماعات الإرهابية، وفق خبراء.
ويعدد محللون سياسيون قائمة أكثر المستفيدين، دوليًا ومحليًا، من هذه الانسحابات المتتالية، وانعكاسها على دول المنطقة، خاصة من الناحية الأمنية.
وأعلن الجيش الأمريكي ، الإثنين، إتمام انسحاب القوات الأميركية من قاعدة أغاديز في النيجر، وحسب بيان القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، الانسحاب شمل الأفراد والعتاد من القاعدة الجوية 201 في أغاديز.
وأغاديز من أكبر قواعد الطائرات المسيرة الأمريكية في إفريقيا، وكانت تعزز القدرات الاستخباراتية والمراقبة لمنطقة الساحل، ووُجدت القوات الأمريكية هناك منذ عام 2013، تحت لافتة محاربة الإرهاب.
يأتي هذا الانسحاب بعد طلب السلطات في نيامي مارس الماضي، مغادرة القوات الأمريكية ، بعد توتر مع واشنطن بشأن التوجهات الخارجية لهذه السلطات التي تولت الحكم، عقب انقلاب عسكري وقع يوليو 2023.
جاء الانسحاب كذلك بعد 8 أشهر من الانسحاب الفرنسي من النيجر؛ إذ غادرت القوات الفرنسية في ديسمبر 2023، بعد أزمة حادة مع السلطات الجديدة.
وقبل ذلك بعام ونصف العام، اضطرت فرنسا لسحب قواتها من مالي في أغسطس 2022؛ بناء على طلب السلطات، وفي مطلع عام 2023، أعلنت باريس سحب قواتها من بوركينا فاسو، بناء على طلب سلطات البلاد.
وحينها، قال المتحدث باسم الحركة الثورية الإفريقية، لازار ياميوجو، للمتظاهرين الذين خرجوا في يناير من ذلك العام يحتفلون بالانسحاب الفرنسي في العاصمة البوركينية، واجادوجو: “لم نعد نريد قواعد عسكرية أجنبية على أرضنا، سنبقى يقظين حتى تتحرر بوركينا فاسو من الإمبريالية الغربية”، وفق ما نقله حينها موقع “فرانس 24″ و”وكالة الأنباء الفرنسية”.
وتُخلّف هذه الانسحابات وراءها مستقبلا غامضا لمنطقة الساحل، الممتدة دولها جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، مع غناها بثروات كالذهب واليورانيوم ومصادر الطاقة، وانتشار الجماعات الإرهابية العابرة للحدود بها، بجانب عمل روسيا والصين على أن تكونا البديلين لواشنطن والاتحاد الأوروبي هناك.
يتوقع مايكل شوركين، الباحث في “مركز راند” الأميركي للاستشارات الأمنية، أن يؤدي الانسحاب الأميركي والفرنسي لزيادة الإرهاب، مضيفا: “ببساطة، إنها مسألة حسابية، من المستحيل أن يقوم بضع مئات من المرتزقة الروس بعمل أفضل من آلاف الجنود الفرنسيين والأوروبيين المدعومين بطائرات فرنسية وطائرات دون طيار”.
كما يلفت شوركين إلى أن “الاتهامات الموجهة لفاجنر (الشركة الروسية المسلحة الخاصة التي استعانت بها عدة دول بإفريقيا لمحارب الإرهابيين والمتمردين) بارتكاب انتهاكات ضد السكان – ومنهم المجتمع الفولاني في مالي – تسهم كثيرا في دفع مجتمعات مالية للتطرف، وبعبارة أخرى، تسهم فاجنر في انعدام الأمن أكثر مما تعززه”.
المستفيدون من الانسحاب الأمريكي :
حسب تقدير شوركين، فإن الانسحاب الأمريكي والفرنسي يصب في مصالح هذه الأطراف:
روسيا تتمتع حاليًا بنفوذ قوي في الساحل، وتأثير ملحوظ على الخيال الشعبي للسكان، وبتكلفة منخفضة نسبيًا، عبر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في حملات إعلامية فعالة (ضد الوجود الأمريكي والفرنسي).
رغم أنه من حق أي دولة تغيير حلفائها، لكن اختيار روسيا كحليف يبدو مشكوكا فيه، نظرا للدوافع الروسية، والافتقار إلى مراعاة مصالح السكان.
في حين يمكن التكهن بالمكاسب المحتملة لروسيا، إلا أنه من الواضح أن الفائزين الحقيقيين هم الجماعات التي تستفيد من هذا الوضع (جماعات داعش وفروع القاعدة الإرهابية).
وعن الأهداف الروسية، يقول الباحث: “قد تكون لديها دوافع تتجاوز التوسع الإقليمي، ومنها زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، عبر تعزيز الهجرة من غرب إفريقيا إلى شواطئه”.
ورغم هذا، تشير الأحداث إلى أن “النفوذ الغربي في الساحل يظل مؤثرا، حتى وإن تراجع بشكل رسمي”، بتعبير شوركين.
المصدر: سكاي نيوز عربية