باتت ظاهرة اعتقال الأطفال أمرا مفزعا للفلسطينيين، خاصة بعد ارتفاع وتيرتها في الآونة الأخيرة وما يصاحبها من عمليات اقتحام لعشرات الآليات العسكرية ومئات الجنود المدججين بالأسلحة والكلاب البوليسية بهدف اعتقال أطفال لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم وسط إجراءات تعسفية وتمييز عنصري، خاصة بعد أن أصبح الأطفال الفلسطينيون موضع دائرة الاستهداف الإسرائيلي المباشر، ولا تزال إسرائيل مستمرة في انتهاكاتها ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تعد الاعتداءات على الأطفال تمييزا عنصريا وجريمة حرب .
وصادف الخميس 5 أبريل 2018 ، يوم الطفل الفلسطيني والذي يعيش حالة مأساوية وجحيما داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، حيث يقبع نحو 350 طفلا فلسطينيا في معتقلات الاحتلال، بينهم 8 فتيات قاصرات، و6 أطفال يقبعون في مراكز إسرائيلية خاصة بالأحداث، فيما جرى اعتقال 353 طفلا على الأقل منذ مطلع العام الجاري 2018.
وجاء في بيان أصدرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، أن سلطات الاحتلال تنفذ العديد من الانتهاكات بحق الأسرى الأطفال منذ لحظة إلقاء القبض عليهم والطريقة الوحشية التي يتم اقتيادهم بها من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل، وتوصف هذه الانتهاكات بالجرائم، ومنها إطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر ومتعمد خلال عمليات الاعتقال، ونقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف وإبقائهم دون طعام أو شراب، واستخدام الضرب المبرح، وتوجيه الشتائم والألفاظ البذيئة إليهم، تهديدهم وترهيبهم، انتزاع الاعترافات منهم تحت الضغط والتهديد.
وفي هذا الصدد، دعا ممثل الاتحاد الأوروبي ورؤساء بعثات دول الاتحاد في الأراضي الفلسطينية إسرائيل، أمس الأربعاء، إلى الالتزام بالقانون الدولي واحترام حقوق الأطفال الفلسطينيين.. وقالوا في بيان “شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعا في عدد الأطفال الذين تم احتجازهم خلال الاحتجاجات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية “.
وأضاف البيان أن الاتحاد الأوروبي قلق فيما يتعلق بالظروف والإجراءات التي تطبق أثناء الاعتقال والتحقيق مع الأطفال بما في ذلك الاعتقال الاداري، وأشارت بعثات الاتحاد في بيانها إلى قضية الفلسطينية عهد التميمي التي حكم عليها الشهر الماضي بالسجن ثمانية أشهر .
وأوضحت بعثات الاتحاد في بيانها أن إسرائيل عليها التزامات وفق القانون الدولي باحترام حقوق الأطفال حيث نص على أن اعتقال واحتجاز أو سجن أي طفل يجب أن يستخدم فقط في حالات استثنائية ولأقصر مدة ممكنة .
تأتي المطالبة الأوروبية لتؤكد حالة العجز التي يعاني منها المجتمع الدولي تجاه حماية الشعب الفلسطيني وخصوصا الأطفال من نيران الاحتلال، إذ أن جميع الدعوات لاحترام حقوق الطفولة الفلسطينية لم تلق استجابة لدى هذا الكيان الغاصب واستمر عشرات السنين في سياساته التعسفية بحق الطفولة الفلسطينية.
وفي سياق متصل ، أكدت وزارة الإعلام الفلسطينية في تقرير لها ، أن الاحتلال يعتقل سنويا نحو 700 طفل من محافظات الوطن كافة، بحيث يتعرض 95% منهم للتعذيب والاعتداء خلال اعتقالهم، وأنه قد بلغ إجمالي عدد الأسرى في سجون الاحتلال مع نهاية 2017 الماضي ، 6500 أسير منهم 350 طفلا، و8 أسيرات قاصرات، موزعين على قرابة 22 معتقلا ومركز توقيف وفقا لهيئة شؤون الأسرى والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وتقارير دائرة إعلام الطفل في وزارة الإعلام.
وذكرت الوزارة إنه ومنذ بداية عام 2018 استشهد 3 أطفال بإطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النيران عليهم، كما اعتقل 52 طفلا في كافة المحافظات، لافتة إلى أن قوات الاحتلال قد اعتقلت العام الماضي 1620 طفلا، واستشهد 17 طفلا .
وتؤكد مؤسسات حقوقية عديدة وأخرى معنية بشؤون الأسرى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمارس التعذيب بحق الأطفال الأسرى منذ لحظة اعتقالهم، مرورا بعملية التحقيق وانتهاء بالمعاملة السيئة في السجن واحتجازهم مع معتقلين جنائيين إسرائيليين والاعتداء عليهم.
واتهم مركز أسرى فلسطين للدراسات ، الاحتلال بتعمد تدمير مستقبل الأطفال الفلسطينيين وذلك باعتقالهم لفترات طويلة وتعريضهم للتعذيب والتنكيل خلال التحقيق، والحجز في ظروف صعبة وقاسية في السجون، وإصدار أحكام انتقامية بحقهم، أو بحجزهم في منازلهم التي أصبحت تشكل سجون لهم، مما يعرض نفسياتهم للتحطيم ، ويهدد مستقبلهم ويزرع الأمراض النفسية والجسدية داخلهم بما يخدم سياسة الاحتلال .
وطالب المركز، المجتمع الدولي الذي أقر اتفاقيات حقوق الطفل التدخل بشكل حقيقي وفاعل، وإلزام الاحتلال بوقف اعتقال الأطفال الفلسطينيين، وتوفير الحماية لهم ومعاملتهم حسب القانون الدولي الإنساني .
وفي الإطار ذاته، أطلعت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، وفدا برلمانيا كنديا، أمس الأربعاء، على واقع ومعاناة أطفال فلسطين، بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
وقدم وفد الحركة شرحا عن الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال فلسطين بسبب ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي، سواء القتل أو الإصابة أو الاعتقال وإساءة المعاملة والتعذيب، كما استعرض نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، تحديدا فيما يتعلق بالتعذيب وإساءة المعاملة والطريقة التي يتم فيها اعتقال الأطفال والتحقيق معهم ونقلهم إلى خارج الأراضي المحتلة، في مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة.
وأوضح وفد الحركة أن المحاكم العسكرية الإسرائيلية تعتمد على الاعترافات التي يتم انتزاعها من الأطفال خلال التحقيق معهم، ما يجعل نسبة إدانتهم عالية لأنه لا توجد إمكانية للمحامي أن يطعن في التحقيق بسبب عدم تسجيل مجريات التحقيق وتعرض الأطفال لإساءة المعاملة والتعذيب في أماكن خارج غرف التحقيق.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال لا تسمح بحضور محام مع الأطفال خلال التحقيق معهم، أو استشارته قبل التحقيق، ولا تعلمهم بحقهم في التزام الصمت بلغة مفهومة.. وقال وفد الحركة إن حوالي 700 طفل فلسطيني سنويا يتم اعتقالهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، في ظل غياب معايير المحاكمة العادلة.
وبعث المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، في وقت سابق ، ثلاث رسائل لكل من رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة أشارت إلى الواقع الخطير الذي يواجهه الأطفال الفلسطينيون كنتيجة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي.
وقال منصور في رسائله ” إنه على مدار نصف قرن من الاحتلال ظل الأطفال الفلسطينيون يتحملون وطأة سياسات وممارسات إسرائيل القمعية وغير القانونية يوما بعد يوم فهم لا يعرفون إلا بؤس الحياة تحت الاحتلال ويشهدون جيلا بعد جيل انتهاكات لحقوقهم وجرائم وحشية ضدهم وضد أسرهم وأراضيهم كما يرون إفلات الاحتلال المجرم من العقاب والمحاسبة ما يشعرهم بالظلم واليأس الشديدين ناهيك عن تعرضهم للعنف الجسدي أثناء اعتقالهم” .
ولا تزال إسرائيل تتعمد خرق القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية ، حيث ورد في المادة 37 من “اتفاقية حقوق الطفل”، التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1989، وصادقت إسرائيل عليها في عام 1991، ما يلي : ” تكفل الدول الأطراف: ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم، وألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية.
وورد في المادة 16 من الاتفاقية نفسها: ” لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أُسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته وللطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أوالمساس ” .
ولكن لا تلتزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهذه القوانين الدولية، حيث قررت منذ العام 1967 عدم خضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين لاتفاقية جنيف الثالثة على الرغم من توقيعها عليها، الأمر الذي جعل الأسرى والمعتقلين تحت سياط القرارات العسكرية التي لا تخضع إلى أي ضوابط أو معايير دولية ، ولا يزال يشكل اعتقال الأطفال الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خرقا فاضحا للقوانين والمواثيق الدولية والاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الطفل.
و تظهر الاحصائيات الموثقة أن سلطات الاحتلال الاسرئيلي قامت باعتقال أكثر من تسعة آلاف طفل فلسطيني خلال سنوات انتفاضة الحجارة الأولى التي انطلقت عام 1987 لكن هذه الاعتقالات زادت وتيرتها بشكل خاص في الفترة ما بين أعوام 2000 و 2015 حيث اعتقل الاحتلال خلالها أكثر من 12 ألف طفل فلسطيني حسب إحصائيات فلسطينية رسمية.
أ ش أ