ضربت دولة الإمارات نموذجا فريدا في التصدي لتداعيات فيروس كورونا “كوفيد-19” سواء لجهة الإجراءات الصحيّة المتخذة للوقاية من انتشار الفيروس، أو لجهة الإجراءات الاقتصادية التي أدت في خط متواز مع العوامل الأصيلة التي يتمتع بها الاقتصاد الإماراتي ومواطن القوة التي تتمتع بها البنية التحتية والتشريعية بالدولة، إلى التصدي للتحديات التي أفرزتها الجائحة الاقتصادية، التي عانى العالم منها.
وحظي الاقتصاد الإماراتي خلال جائحة كورونا بشهادات إيجابية من مؤسسات دولية كبرى، محافظا على المكانة التي تبوأها كنموذج للأسواق الصاعدة في الشرق الأوسط، فقد احتلت الدولة المركز الأول عربيا بمؤشر التعافي الاقتصادي من آثار الجائحة، الصادر عن مجموعة “هورايزون” البحثية، في شهر أكتوبر الماضي.
كذلك حظي الاقتصاد الإماراتي بشهادة “منتدى بلومبيرج للاقتصاديات الجديدة”، والذي صنّف الإمارات رفقة مصر، كنموذج للاقتصاديات الصاعدة في المنطقة بعد الجائحة، وذلك استنادا على الإصلاحات الاقتصادية والفرص التي تتميز بها الدولتان، رغم جملة التحديات الاقتصادية التي تشهدها المنطقة بشكل خاص، والعالم عموما.
وتصدرت دولة الإمارات للعام الرابع على التوالي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمؤشر التنافسية العالمي 2020، الصادر عن مركز التنافسية العالمي، وهو التقرير الذي صنّف الدولة في المرتبة التاسعة عالميا بين الدول الأكثر تنافسية في العالم، وغيرها من المؤشرات التي تعكس قوة اقتصاد الدولة وتمكنه من التعامل مع ما فرضته الجائحة من تحديات.
وثمة العديد من العوامل الأصيلة التي يتمتع بها الاقتصاد الإماراتي، التي عززت صلابته وقوته، لتتفوق الدولة بذلك على كثير من الدول حول العالم واقتصادات كبرى، من بينها البنية التحتية والتشريعية التي تتمتع بها الدولة، والمواكبة للعصر، التي تجعل من الإمارات مركزا عالميا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وجمعيها مقومات اقتصادية تؤكد ريادة الدولة ضمن الاقتصادات المتطورة والناجحة.
وتمتلك الإمارات بلا شك مقومات تؤهلها لأن تصبح من الاقتصادات العربية المتطورة والناجحة، ويكفيها أنها تمثل الاقتصاد الثاني على مستوى الوطن العربي بعد الاقتصاد السعودي من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بحسب ما يؤكده المدير العام لمؤسسة “المسار” للدراسات الاقتصادية والنشر، الخبير الاقتصادي نجيب الشامسي.
ويلفت الخبير الاقتصادي في السياق ذاته إلى أن “الإمارات تمتلك مقومات اقتصادية تتمثل في البنية التحتية المتطورة والتشريعات، والقطاع المصرفي المتطور الزاهر الممول لمشروعات التنمية في الدولة، بالإضافة إلى المناخات الاستثمارية الملائمة، بوجود قوانين متطورة، لا سيما التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون الشركات، بما يؤهل الإمارات إلى أن تصبح دولة جاذبة للاستثمارات الوطنية والأسواق المالية”.
ويختتم الخبير الاقتصادي الإماراتي بقوله: “أنا على ثقة بأن الإمارات مثلما تجاوزت تداعيات الأزمات العالمية الاقتصادية والمالية في العالم عبر السنوات الماضية، فإنها تستطيع اليوم أن تُسرع خطاها نحو تعافي اقتصادها بسرعة وجاذبية أكبر، كبيئة ناجحة ومتطورة، وبنفس الوقت بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة”.
وبدوره، حدد الخبير الاقتصادي، الشريك والمدير العام لشركة “تروث” للاستشارات الاقتصادية، رضا مسلم، عددا من العوامل التي مكّنت دولة الإمارات من حفظ مكانتها كنموذج للأسواق الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط رغم أزمة جائحة كورونا وتداعياتها الشديدة.
أولى تلك العوامل التي تحدث عنها مسلم، هي ما تتمتع به الدولة من موقع مهم في الخليج العربي، علاوة على البنية التحتية المتفوقة، وبخاصة فيما يتعلق بالموانئ مثل ميناء كيزاد في أبوظبي، وميناء جبل علي في دبي، فضلا عن المناطق الحرة المهمة للغاية، بالإضافة إلى أكبر شركتي طيران في المنطقة (الاتحاد والإمارات).
ويوضح أن “الإمارت دولة غنية، ولديها فوائض مالية قوية، وفي الوقت نفسه تقدمها نابع من اقتناع بكل ما هو جديد ومبتكر يتم تطبيقه؛ فهي دولة رقمية لا وجود للورقيات في التعاملات، وتستقطب الخبرات العالمية في كل المجالات”، لافتا إلى عامل مهم آخر وهو احتفاظ دولة الإمارات بعلاقات قوية مع كل دول العالم.
ومن بين العوامل التي سلط مسلم الضوء عليها، هو عامل “التشريعات” التي تسهّل الاستثمار الأجنبي، وهي تشريعات وقوانين “واضحة وسهلة”.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على أن قطاعات الناتج المحلي الإجمالي كافة في الإمارات متفوقة، علاوة على أن الدولة لديها قوة ناعمة وصورة ذهنية إيجابية في العالم كله، وتبذل مجهودات ضخمة ليعرف العالم أنها دولة السعادة والتسامح.
وتطرق الخبير الاقتصادي بالحديث عن أبوظبي، التي احتلت المركز التاسع عالميا في محور الأداء الاقتصادي، مشيرا إلى أنها غنية بالفوائض المالية المتمثلة في الصناديق السيادية التي تجاوز التريليون دولار، بما يحميها ويقوي من مركزها، لدرجة أن بعض الدول تحتفظ بالدرهم كعملة احتياطي نقدي.
وتابع مسلم قائلا: “ما تتمتع به الدولة من فوائض نفط تكفيها لمدد طويلة وكميات كبيرة، فالإمارات عامة تنتج نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، ولديها فائض هائل من الغاز الطبيعي، وحباها الله بمصادر الطاقة، علاوة على أنها تبوأت مركزا مهما في المساعدات الخارجية منذ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان دائما صاحب أياد بيضاء على الدول العربية والإسلامية الفقيرة، وقدّم مساعدات سخية للمحتاجين”.
وعن مكانتها في الأسواق الصاعدة، قال المحلل المالي والاقتصادي وضاح الطه، إنه “بالنسبه لمركز الإمارات في الأسواق الصاعدة، فإنه يأتي من استراتيجية طويلة الأمد كانت تهدف ولا تزال إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل وكمصدر أساسي للاقتصاد عامة، وقد استطاعت الدولة على مدى الفترات الماضية تخفيض الاعتماد على النفط وتنويع مصادر اقتصادها ولا ننسى كذلك صندوق أبوظبي السيادي، وهو من أكبر الصناديق السيادية في العالم حاليا، الأمر الذي أدى إلى استقرار التصنيف العالمي لدولة الإمارات”.
وأبرز الطه عددا من العوامل التي أدت إلى تماسك الدولة اقتصاديا على رغم انعكاسات الجائحة الشديدة، من بينها البنية التشريعية، التي تسهم في خلق بيئة استثمارية جاذبة جعلت من الإمارات مصدر جذب رئيسي للاستثمارات الأجنبية، وهي الأولى بين الدول العربية من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية، مشددا على تطور تلك البنية التشريعية التي “تسعى دائما إلى جذب وخلق مزيد من الاستثمارات، وهو ما لاحظناه مؤخرا على سبيل المثال فيما يتعلق بتعديلات قانون تملك الأجانب، بما يعد نقلة نوعية في قانون الشركات الإماراتي”.
وتحدث الخبير الاقتصادي، عن تمتع الإمارات بمركز اقتصادي تنافسي، لافتا إلى تقدمها بمؤشر التنافسية: “تُسجل الدولة المرتبة الأولى في المؤشر العام لتنافسية الاقتصادات العربية”، مشيرا إلى تصدر الدولة عديد من المؤشرات وتفوقها على عديد من الدول العالمية، لا سيما في البنية التحتية، وجميعها أمور خلقت ذلك التوجه وجعلت من الدولة نموذجا للأسواق الصاعدة أو الناشئة بالمنطقة.
تعاملت دولة الإمارات منذ بداية الجائحة معها بشكل نموذجي، مما قلل من آثارها على قطاع الأعمال والمستثمرين بشكل كبير، سواء لجهة الإجراءات الاقتصادية المُتخذة أو لجهة التدابير الصحية التي اتخذتها الدولة للوقاية من انتشار الفيروس.
هذا ما يؤكده المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور كمال أمين الوصال، والذي يشير إلى أنه “على المستوى الاتحادي اعتمد مصرف الإمارات المركزي، خطة استثنائية من أجل دعم الشركات وقطاع الأعمال، وتم توظيف تلك الخطة بشكل جيد، لا سيما من خلال مساعدة البنوك وتقديم تسهيلات بأسعار فائدة منخفضة لتوفير السيولة، على اعتبار أنه في وقت الأزمات وتأثر النشاط الاقتصادي عادة ما تكون المشكلة الأساسية هي مشكلة السيولة”.
واسترسل قائلا: “ساعد البنك المركزي أيضا من خلال توجيهاته بأن يتم تحرير جزء من الاحتياطيات التي تستخدمها البنوك للطوارئ، ما مكنها ووفر لديها سيولة تمكنها من التعامل مع الوضع”، موضحا أنه “بالنسبة للشركات، تم تقديم تسهيلات في سداد خدمة الدين، التي تتمثل في الأقساط والفوائد لفترة مؤقتة، ما أسهم في تخفيف الضغط والعبء على قطاع الأعمال، إضافة إلى بعض الإجراءات الأخرى مثل تخفيض أو إلغاء بعض الرسوم على قطاع الأعمال وعلى الأفراد”.
اتخذت تلك الإجراءات في خطٍ متوازٍ مع الإجراءات الصحية، التي يعتبرها الوصال “ذات أثر ومردود كبيرين على الاقتصاد، جنّبت الدولة من التداعيات الاقتصادية السلبية التي كان من الممكن أن تحدث في حال انتشار الوباء”.
وفي ذات السياق، تحدث الوصال عن تعامل مع الجائحة مشيرا إلى عديد من الإجراءات الاقتصادية المتخذة والتي أسهمت في دعم قطاع الأعمال والتقليل من آثار الأزمة السلبية، من بينها تخصيص مبالغ لدعم القطاعات التجارية، وإعفائها بشكل كامل أو جزئي من عدد من الرسوم المفروضة، بالتزامن أيضا مع حزمة وفرتها الحكومة عرفت ببرنامج الضمانات الائتمانية، ما طمأن المصارف وحفزها بدرجة ما لتمويل الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، ومع تخصيص مليار درهم (في إشارة لصندوق صانع السوق) لتوفير السيولة وتحقيق نوع من الاستقرار في سوق أبوظبي للأوراق المالية. وأوضح أن ذلك تزامن مع “سرعة الوفاء بالالتزامات الحكومية المتفق عليها، بما وفر السيولة للموردين للجهات الحكومية”.
المصدر: وكالات