تُعيد محاولة الاغتيال التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للأذهان تاريخاً من الاغتيالات التي طالت الشخصيات السياسية في العراق، بالذات منها تلك التي كانت تشغل المنصب السياسي والسيادي الأول في البلاد.
فالعراق منذ تأسيسه قبل قرابة قرن من الآن، نادراً ما شهد مراحل من الاستقرار السياسي والأمني، وكانت محاولات أو عمليات الاغتيال على أساس سياسي قد جرت طوال مراحل الدولة العراقية، وكان لكل منها تأثرات سياسية عميقة على أوضاع العراق ومساراته المُستقبلية.
من بين الملوك الثلاثة الذين حكموا العراق (1921-1958)، فإن أثنين منهم ذهبا ضحية عمليات اغتيال، هُما الملك غازي (1939)، والملك فيصل الثاني (1958)، وإلى جانبهم الوصي على العرش الأمير عبد الإله، الذي اغتيل في العام 1958، وكان حاكماً وملكاً فعلياً على العراق خلال الأعوام (1939-1953).
ملك العراق الثاني غازي الأول قُتل في حادث سيارة غامض في العام 1939، لكن التكهنات الأكثر موضوعية ذهبت إلى أن أجهزة الاحتلال البريطاني للعراق هي من كانت تقف وراء ذلك.
نجله الملك فيصل الثاني، وخاله الأمير عبد الإله، والعشرات الآخرون من أبناء العائلة المالكة العراقية، اغتيلوا جميعاً في صباح تنفيذ الضابط عبد الكريم قاسم لانقلابه الشهير في 14 يوليو من العام 1958، في الحادثة التي عُرفت بـ”مجزرة قصر الرحاب”.
الباحث في التاريخ السياسي للعراق ساري عياش بيّن تحدث عن دور ذلك الحدث في تاريخ العراق المعاصر “حادثة الاغتيال الجماعي لأفراد العائلة المالكة في العراق، والتمثيل بجثثهم مع بقية القادة السياسيين في البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد، فتحت طاقة هائلة للعنف السياسي الأرعن في البلاد، دون محاكمات أو إنفاذ للقانون. حوّل العنف المحض والمُطلق إلى أداة بين القوى السياسية”.
يضيف عياش في حديثه مع سكاي نيوز عربية: “ليس من خارج السياق أن يكون الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي نفذ هذه الفعلة بحق العائلة المالكة، إنما تلقى المصير نفسه، حينما أنقلب عليه القوميون والبعثيون في العام 1963، واغتالوه بطريقة وحشية في مبنى الإذاعة، مع العديد من أعضاء حُكمه. ومن سوء الأقدار أن منفذ عملية الاغتيال بقاسم هو شخصية كانت شريكة له في الانقلاب وتنفيذ المجزرة بالعائلة المالكة العراقية، وهو الضابط عبد السلام عارف”.
القوميون والبعثيون العراقيون الذين انقلبوا على حُكم عبد الكريم قاسم في العام 1963، دخلوا فيما بعد في مرحلة تصفيات متبادلة، إلى أن تمكن عبد السلام عارف من الإطاحة بالفريق البعثي من الانقلابيين. لكن عارف أيضاً ذهب ضحية انفجار طائراته المروحية في العام 1966، التي قالت التكهنات إن أعضاء من الجيش موالين لحزب البعث نفذوا العملية.
عاد حزب البعث إلى الحُكم في العام 1968، عبر انقلاب شهير قادوه بالشراكة مع جناح من القوميين العرب. لكنه اُعتبر انقلاباً أبيضاً، لأن الانقلابيين سمحوا للرئيس عبد الرحمن بالمغادرة إلى المنفى وقتئذ.
لكن الأمر لم يطل بالانقلابيين، حيث عاد البعثيون للانقلاب على شركائهم القوميين بعد 13 يوماً فحسب، ولاحقوا أبرز قادة القوميين حتى في المنافي، مثل عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود، حيث قتلوا الأول في بريطانيا، فيما بقي الأخير متوارياً عن الأنظار لعقود.
في مرحلة حُكم حزب البعث المديدة (1968-2003)، صار الاغتيال السياسي يُمارس بين أجهزة السُلطة العراقية وتنظيمات المعارضة السياسية، حسبما يشرح الباحث ساري عياش “تعرض صدام حسين نفسه خلال هذه السنوات لأكثر من محاولة اغتيال، الكثير منها لم يُكشف عنها لأسباب أمنية. لكنها جميعاً كانت من داخل بنية حزب البعث والأجهزة الأمنية المرتبطة به. مثل محاولة الاغتيال الفاشلة التي قادها الضابطان سطم غانم الجبوري ومُضحي علي الجبوري، في صيف العام 1990، والتي عُرفت بمحاولة عشيرة الجبور لقلب نظام الحُكم، وأدت لتصفية المئات من ضباط الحرس الجمهوري فيما بعد، بعد فشل محاولة الاغتيال. كذلك كانت المحاولة التي قادها الضباط العسكريون العراقيون المنسحبون من الكويت في العام 1991، وعلى رأسهم الضابط بارق الحاج حنطة”.
لكن السُلطة العراقية وقتئذ قادت العشرات من عمليات ومحاولات اغتيال المعارضين العراقيين، مثل اغتيال مؤسس حزب الدعوة محمد باقر الصدر، واغتياله للمرجع الديني محمد محمد صادق الصدر، والد زعيم التيار الصدري مُقتدى الصدر. كذلك تمت محاولة اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني المُلا مُصطفى البارزاني في العام 1971، وغيرها العشرات من محاولات الاغتيال خارج العراق.