لازال الارهاب يستهدف فرنسا رغم التدابير الأمنية والتشريعية المشددة التي اتخذتها لمحاربة العناصر المتطرفة منذ هجمات عام 2015 و التي جاء في مقدمتها دعم إمكانات الشرطة و الجيش و الاستخبارات.
فهذه الإجراءات لم تمنع تنظيم داعش من شن اعتداء جديد قبل يومين من تصويت البرلمان على مشروع قانون لمكافحة الارهاب تسعى الحكومة لإقراره حتى يحل محل حالة الطوارىء اعتبارا من أول نوفمبر المقبل.
ويأتي ذلك استكمالا لإجراءات اسثنائية اتخذتها بالفعل الحكومة الاشتراكية السابقة لمواجهة الإرهاب مثل تمديد حالة الطوارىء لعدة مرات متتالية منذ إعلانها عقب هجمات نوفمبر 2015 و نشر دوريات للجيش للمشاركة مع الشرطة في تأمين المناطق العامة و الحساسة و محاكمة رعايا فرنسيين شاركوا في أعمال إرهابية في الخارج، فضلا عن إمكانية المنع من مغادرة أو دخول الأراضي الفرنسية و إغلاق مواقع الانترنت المحرضة على الإرهاب و تعزيز جهود مكافحة التطرف و الجريمة المنظمة.
و كان تنظيم داعش قد توعد باستهداف فرنسا نتيجة مشاركتها في العمليات العسكرية التي تستهدف التنطيم في سوريا و العراق، ففرنسا هي ثاني بلد يشن أكبر عدد من الضربات الجوية، وثالث أكبر مساهم بتوفير معدات وعسكريين على الأرض.
كما تساهم فرنسا في جهود مكافحة الارهاب في منطقة الساحل الأفريقي من خلال قوة “برخان” الفرنسية (3 آلاف جندي) المنتشرة في خمس بلدان افريقية. و قد دعا التنظيم أنصاره في أوروبا بشكل عام و فرنسا بشكل خاص الى استخدام أي وسائل متاحة أمامهم، اذا تعذر الحصول على متفجرات او أسلحة نارية، لاستهداف المواطنين أو قوات الجيش و الشرطة.
و تواجه الشرطة الفرنسية صعوبة بالغة لمنع هذه العمليات نظرا لأن قسما من منفذيها لَيْسوا مسجلين لديها على لائحة التطرف، و يستخدمون وسائل لا تثير أي شبهات في اقتنائها كالأسلحة البيضاء أو السيارات لدهس المارة.
و كان آخر هذه الهجمات هو حادث الطعن الذي وقع أمس الأحد بمحطة قطار مارسيليا بجنوب فرنسا حين أقدم رجل في العقد الثالث من العمر على ذبح و طعن امرأتين قبل ان ترديه قوات الجيش قتيلا ، وهو الحادث الذي أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن تنفيذه.
و جاء هذا الحادث ضمن سلسة من الهجمات شهدتها البلاد نفذ داعش أغلبها و أوقعت المئات من القتلى و الجرحى خلال الفترة من 2012 الى 2017.
ففي 11 و 19 مارس 2012 ، أقدم الارهابي محمد مراح و هو فرنسي من أصول جزائرية على قتل سبعة أشخاص، ثلاثة أطفال يهود وحاخام و اربعة عسكريين، في مدينتي تولوز و مونتوبان جنوبي فرنسا. و قتل مراح في 22 مارس 2012 بعد محاصرته في بيته لمدة 32 ساعة من قبل القوات الخاصة للشرطة. و من المقرر ان يمثل شريكاه فتاح مالكي و عبد القادر مراح امام القضاء الفرنسي غدا الاثنين.
و في7 يناير 2015، قتل الأخوان شريف وسعيد كواشي 12 شخصا في هجوم مسلح على مقر مجلة “شارلي إبدو ” الأسبوعية الساخرة. ومن بين الضحايا مدير الأسبوعية وعدد من كبار رساميها وشرطيان.
و بعد يومين من هذه المجزرة، لقي الأخوان كواشي-اللذين أعلنا انتماءهما لتنظيمي القاعدة و داعش- مصرعهما بنيران الشرطة أثناء محاولتها اعتقالهما في ضاحية العاصمة.
و في 9 يناير2015، احتجز أحمدي كوليبالي، شريك الأخوين كواشي، رهائن في متجر للاطعمة اليهودية في منطقة “بورت دو فانسان” شرق باريس. و قتل اربعة منهم قبل ان تقوم الشرطة بتصفيته.و كان قبل ذلك بيومين قد قتل شرطية محلية بمنطقة “مونروج” بجنوب العاصمة. و تبنى داعش تلك الهجمات.
و في 19 أبريل 2015، أوقفت الشرطة سيد احمد غلام (24 عاما) و هو طالب في علوم الكمبيوتر في الدائرة ال13 لباريس إثر اتصاله بالإسعاف لإصابته بطلق ناري. و يواجه غلام اتهامات بالتخطيط لشن هجمات ارهابية تستهدف كنيستين بمنطقة “فيلجويف” في الضاحية الجنوبية لباريس. و أظهرت التحريات أنه قتل امرأة تدعى اوريلي شاتلان (33 عاما) عثر على جثتها في سيارتها بعد ان قاومت محاولة غلام لسرقة سيارتها.
و في 26 يونيو 2015، قام ياسين صالحي و هو سائق بشركة نقل، بذبح رب عمله في مصنع للكيماويات في منطقة إيزير شرق البلاد. و علق رأسه على سياج و أحاطه بعلمين لداعش و التقط صور سيلفي مع الرأس المقطوعة و الجثة و أرسلها لإرهابي فرنسي في سوريا يدعى سيباستيان يون.
ثم قام بصدم شاحنته باسطوانات غاز ما أدي الى وقوع انفجار قبل ان تعتقله الشرطة و يقدم على الانتحار فيما بعد في زنزانته. وتبنى داعش هذا الاعتداء. و أظهرت التحريات ان صالحي كان على صلة بالتيار السلفي.
و في 21 أغسطس 2015، حاول رعية مغربي ارتكاب مجزرة في قطار “تاليس” يربط بين أمستردام و باريس إلا أن عدة ركاب تمكنوا من السيطرة عليه و أصيب اثنان من العسكريين الأمريكيين. و منح ﻓرانسوا أولاند وسام جوقة الشرف لأربعة اشخاص تصدوا للمهاجم الذي تم اعتقاله.
و في 13 نوفمبر 2015، تعرضت فرنسا لأسوأ هجمات ارهابية على أرضها تبناها تنظيم داعش، حين شن سبعة ارهابيين سبع هجمات منسقة شملت عمليات اطلاق نار جماعي و تفجيرات انتحارية و احتجاز رهائن حدثت في العاصمة الفرنسية “باريس” وضاحية “سان دوني” ما اسفر عن مقتل 129 شخصا و اصابة 300 آخرين بينهم 99 حالة خطيرة. و قتل الارهابيون السبعة خلال الهجمات. و كانت هذه المرة الاولى التي تشهد فيها البلاد هجمات انتحارية.
و في 13 يونيو 2016، لقي شرطيان في بلدة “مانيانفيل” قرب باريس حتفهما و هما جون باتيست سالفان (42 عاما) الذي قتل طعنا امام منزله بينما رفيقته جيسيكا شنايدر (36 عاما) تم ذبحها على يد الارهابي العروسي عبد الله (25 عاما) الذي أعلن على تويتر انتماءه لداعش. و قتل برصاص القوات الخاصة للشرطة (ريد).
و في مساء يوم 14 يوليو 2016، قام رجل بقيادة شاحنة بضائع عمداً باتجاه حشد من الناس كانوا يحتفلون “بيوم الباستيل” في متنزه الإنجليز بمدينة نيس بجنوب فرنسا. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 86 شخصاً و اصابة 458 بينما قتلت الشرطة المهاجم. وكشف المحققون عن أن منفذ العملية هو التونسي محمد لحويج بوهلال (31 عاما) ، وقد أعلن تنظيم داعش مسؤوليته ايضا عن الحادث فيما بعد.
و في 26 يوليو، قتل الكاهن جاك هاميل (86 عاما) في هجوم شنه إرهابيان هما احمد كرميش و عبد المالك بوتي جان على كنيسة ببلدة “سانت إتيان دو روفراي” في منطقة نورماندي شمال فرنسا. وقامت الشرطة بقتل المسلحين اللذين كانا قد قاما أيضا باحتجاز عدد من الرهائن داخل الكنيسة و أعلنا ولاءهما لداعش.
و في 4 سبتمبر 2016، عثرت الشرطة على سيارة بالحي اللاتيني بالقرب من كاتدرائية “نوتر دام” كان بداخلها خمس أسطوانات غاز. و قادت التحقيقات الى توقيف ثلاث سيدات في منطقة “ليسون” ،بضواحي باريس، يعتنقن أفكارا متشددة.
و في 3 فبراير 2017، تعرضت دورية لعملية “سانتينال” لمحاولة اعتداء من قبل رجل يحمل ساطورا عند متحف اللوفر. و اعتقلت الشرطة منفذ الاعتداء و وجهت له تهمة محاولة قتل موظف يمثل السلطة العامة و التخطيط لعمل ارهابي.
و في 18 مارس 2017، هاجم رجل معروف لدى أجهزة الشرطة و الاستخبارات دورية لعملية “سانتينال” بمطار “أورلي” قبل ان يتم تصفيته. و كشفت الشرطة ان المعتدي هو زياد بن بلقاسم و هو فرنسي من أصول تونسية يبلغ مع العمر 39 عاما.
و في 20 ابريل 2017، قتل الشرطي كزافييه جوجليه و اصيب اثنان أخران اثر قيام كريم شرفي (39 عاما) و هو مجرم مدان باطلاق النار عليهم. و قتل منفذ الاعتداء ، الذي تبناه داعش ، برصاص الشرطة.
و في 6 يونيو 2017، هاجم طالب جزائري في الأربعينيات من العمر ثلاثة عناصر من الشرطة واعتدي عليهم بواسطة مطرقة. واعترف المهاجم، الذي لم يكن له سوابق إجرامية و أعلن مبايعته لداعش، انه أراد الانتقام من أجل الشعب السوري.
و في 19 يونيو 2017، تعرضت عناصر للدرك للاستهداف في جادة الشانزليزيه حين صدم رجل شاحنة لقوات الأمن بسيارة كان بداخلها متفجرات. و لم يسفر الحادث عن وقوع اصابات فيما توفى سائق السيارة متأثرا بجراحه ، وكان السائق قد أعلن مبايعته لتنظيم داعش في وقت سابق .
و في 9 أغسطس 2017، عمد شخص يبلغ من العمر 36 عاما صدم جنود لقوة “سانتيال” العسكرية بسيارته في حي “لوفالوا بيريه” شمال باريس ما أسفر عن اصابة 6 عسكريين بينهم ثلاثة حالتهم خطيرة. و أظهرت التحقيقات ان المعتدي الذي مثل امام قاضي لمكافحة الارهاب كان يسعى للسفر الى سوريا.
ولا تزال فرنسا تعيش في حذر و قلق من وقوع أعمال إرهابية في أي وقت لاسيما من قبل العائدين من سوريا والعراق. فهناك نحو ألفي شخص من الفرنسيين أو المقيمين بفرنسا قد سافروا للانضمام لداعش وقد لقى ما بين 200 و 300 منهم حتفه، بحسب الإليزيه الذي أكد أيضا وجود نحو 1300 متطرف بالسجون الفرنسية بالاضافة الى قرابة 500 آخرين محتجزين أو مدانين لتورطهم في أنشطة ارهابية أو لتمجيدهم الارهاب.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)