رأت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن منطقة كردستان العراق إذا كانت قد صوتت لصالح الاستقلال، فإنها قد لا تحصل عليه.
ونبهت المجلة إلى أن الدعوة إلى استفتاء على استقلال الأكراد في العراق كان هو الجزء السهل، وأن الجزء الصعب يتمثل فيما بعد الاستفتاء. وقد جرى التصويت في ثلاث مقاطعات تشكل كردستان العراق ومناطق عراقية متاخمة حررتها القوات الكردية من براثن تنظيم داعش الإرهابي. وقد خرج التصويت بنتيجة قوية بنسبة 93% بواقع 3ر3 مليون ناخب صوتوا لصالح حركة الاستقلال.
ولكن إذا اكان الاستفتاء يأتي بمثابة خطوة على طريق قيام الدولة الكردية، إلا أن نتيجة هذه الخطوة، بحسب الإيكونوميست، هي غير ملزمة؛ إن القادة العراقيين، ممن وافقوا في السابق على التفاوض حول وضع الإقليم، هم الآن يرفضون هذا التفاوض مستندين في رفضهم هذا إلى أن الاستفتاء كان أحادي الجانب وغير دستوري وباعث على التقسيم.
ورصدت المجلة إعلان الحكومة العراقية منْع الرحلات الجوية الدولية من استخدام مطار أربيل؛ فضلا عن تعهّد دول الجوار العراقي بنسف أية محاولة كردية للمضي قدما في تحقيق هدفها بمفردها؛ وقد أوقفت إيران الرحلات إلى منطقة كردستان، كما قامت تركيا بإغلاق أحد معابرها إلى ذات المنطقة الحبيسة والتي تعتمد بقوة على الواردات؛ أما الدول الغربية، ففي إطار تخوّفها من أن يتأثر التحالف المضاد لداعش، قإنها قد قالت إنها لن تهرول إلى الدفاع عن الأكراد.
وتساءلت الإيكونوميست عمّا إذا كان أكراد العراق بصدد خسارة كل شيء في سبيل طموحهم إلى قيام دولتهم؟ على النحو الذي هدد به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
ونوهت المجلة عن أن الأكراد الـ 30 مليون المتفرقين في أربع دول (العراق وسوريا وإيران وتركيا) ينشدون قيام دولتهم منذ نحو 140 عاما؛ وفي سنة 1880 قاد الشيخ عبيدالله النهري ثورة لمجموعة من القبائل الكردية في المنطقة الحدودية بين الامبراطوريتين العثمانية والفارسية. وفي سنة 1925 كان عدم حصول الأكراد على شيء غداة انهيار الامبراطورية العثمانية دافعًا إلى تمرد كرديّ ضد الجمهورية التركية الجديدة. وفي سنة 1946، أسهم مصطفى البارزاني في الإعلان عن جمهورية كردية مستقلة في منطقة “مهاباد” شمال غربي إيران. بعد ذلك دخل كل من مصطفى وابنه مسعود البارزاني -الرئيس الحالي لإقليم كردستان- في مصادمات متكررة مع صدام حسين للحصول على مزيد من الامتيازات.
لكن، بحسب الإيكونوميست، دائما ما كانت دولة الأكراد الوليدة تنهار بفضل الهجمات العكسرية من جانب كل من العرب والأتراك والفارسيين وتقاعُس القوى العالمية عن الاعتراف بتلك الدولة.
وقالت المجلة البريطانية إنه بينما تنهار دولة الخلافة الداعشية المزعومة، فإن السؤال حول مستقبل الشرق الأوسط فيما بعد هذا الانهيار يفرض نفسه؛ وقد عمد مسعود بارزاني عبر خطوة الاستفتاء هذه إلى الحيلولة دون عودة الوضع في الشرق الأوسط إلى سابق عهده دون تغيير يُذكر وحيث لا توجد دولة كردية. غير أن هذه الخطوة من جانب بارزاني صوب الاستقلال تبدو مدفوعة باحتياجات بارزاني الشخصية جنبا إلى جنب إلى احتياجات شعبه؛ ذلك أن إقليم كردستان العراق كان يزمع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في نوفمبر المقبل، وكان بارزاني يخشى على مستقبله السياسي، لا سيما وأنه قد استنفد كافة فتراته كرئيس للإقليم. ويقول مسئولون في الإقليم إنه وبعد هذه الفوضى التي أعقبت الاستفتاء فإن هذه الانتخابات (التي كان يخشاها بارزاني) قد يتم تأجيلها.
ورأت الإيكونوميست أن نتيجة الاستفتاء لا تعني بالضرورة إعلان الاستقلال لاحقا؛ إنما هذه النتيجة كفيلة بتعزيز موقف بارزاني عند التفاوض. وإذا كان الأكراد ينعمون بدرجة من الحكم الذاتي في العراق أكثر من أي مكان آخر يتواجدون به في المنطقة، إلا أن اقتصادهم المحلي يعايش حالة من الفوضى؛ فعلى الرغم من استيلاء بارزاني على منطقة كركوك وثروتها النفطية إلا أن موظفي الحكومة في الإقليم يتقاضون نصف ما يتقاضاه زملاؤهم في بقية مناطق العراق؛ كما أن قطاع الزراعة في كردستان قد تأثر عبر التجنيد الإلزامي للمزارعين في القوات الأمنية. فضلا عن أن تركيا قد تغلق خط أنابيب إقليم كردستان النفطي الوحيد، بما يحرم الإقليم من إيرادات صادراته النفطية.
وقالت المجلة البريطانية إن إقليم كردستان إذا واصل الدفع صوب استقلال أحادي الجانب، فإنه يجازف بأن يكون “دولة أحادية الحزب قصيرة العمر” وليس دولة ديمقراطية تعيش في سلام. إن تركيا وإيران قد هددتا بالرد بقوة على أي تحرك، خشية تفتت دولتيهما اللتين تضمان عرقيات متعددة أسوة بالعراق إذا تفتت بانفصال كردستان.
وأضافت الإيكونوميست أنه وفي ظل الخوف من انهيار حصن إقليمي آخر معادٍ لإيران، فإن إسرائيل قد تقدم دعمًا عسكريا للأكراد؛ وإذا ما تكثفت الضغوط، فإن أمريكا قد تتدخل لدعم منطقة كردستان التي توفر لها الحماية منذ عام 1991 ولكي تطمئن الأكراد الذين يحاربون الدواعش في سوريا – هذا على جانب، وعلى الجانب الآخر، قد تصطف قوات إيرانية وعراقية؛ وفي إطار سعيه للفوز بالانتخابات المزمعة في أبريل، قد يحاول حيدر العبادي أن يُفند اتهامات يواجهها بأنه أطاح بالدواعش لكي تخلو الأرض للأكراد حتى يقيموا دولتهم – وذلك بأن يشن معركة للاستيلاء على حقول نفط كركوك.
واختتمت الإيكونوميست قائلة “ما أنْ كادت الآمال تلوح بأن تهدأ حدّة الاختلافات الطائفية في المنطقة، حتى عاودت جروحُ الاختلافات العرقية في الانفتاح مرة أخرى… وإذا كان كل من الأمريكيين والإيرانيين إضافة إلى الحلفاء المحليين قد وفقوا ذات يوم عند محاربة الدواعش جنبا إلى جنب في صف واحد فإن هذا الوضع قد يتغير الآن”.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )