يخاطر المدنيون في الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، بحياتهم من أجل التزود بمياه تروي عطشهم في مدينة لطالما ساهم وقوعها على ضفاف نهر الفرات في ازدهارها.
وتعاني المدينة الواقعة شمال البلاد من نقص في المياه منذ أسابيع عدة جراء خروج احدى المضخات عن الخدمة والأضرار التي خلفها القصف المكثف على أنابيب نقل المياه، بما في ذلك ضربات يرجح أن يكون التحالف الدولي بقيادة أمريكية نفذها.
ومنذ بدء ارتفاع درجات الحرارة، لم يعد أمام المدنيين إلا خيار الاعتماد على نهر الفرات والآبار المؤقتة المنتشرة في محيط الرقة.
لكن مع تصاعد وتيرة القتال بين تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، باتت رحلة الحصول على المياه محفوفة بالمخاطر.
ويقول كريم وهو ناشط في شبكة الرقة 24، شبكة أخبار محلية تضم ناشطين داخل المدينة، “ذهبت إلى بئر في جنوب الرقة قريب من النهر، وبعد ضخ المياه لساعة هربنا من المكان بسبب قصف مدفعي على الحي، سقطت قذيفة على بعد 50 م منا”.
وإثر قيام مقاتلي التنظيم المتطرف بإغلاق الطريق بين الحي الجنوبي والفرات، اضطر كريم ورفاقه إلى التجمع حول بئر حفره أحد السكان.
ووصف الناشط الذي استخدم اسماً مستعاراً خشية استهدافه من المتطرفين الذين يسيطرون على معظم الرقة، مشهداً مرعباً لعائلات تجر براميل وصهاريج في شوارع المدينة، قبل أن تهرع للاختباء من القذائف والقصف.
وأكد سكان تمكنوا من الهرب من الرقة أنهم كانوا يتعرضون لنيران قناصة تنظيم داعش عند محاولاتهم ملئ أوان وعبوات من مياه الفرات، ومع بلوغ معدل الحرارة 46 درجة مئوية، يعيش سكان الرقة وفق كريم حالة تمزق بين العطش الشديد الذي يشعرون به والرحلة الخطيرة التي عليهم خوضها لإرواء عطشهم “الشح قتلنا، المياه الباردة أصبحت ضرباً من الخيال”.
ومنذ سيطرة تنظيم داعش على الرقة في العام 2014، ارتبط اسم المدينة بالعقوبات المروعة التي نفذها التنظيم، بما في ذلك إقدام عناصره على عمليات قطع الرؤوس أمام عدسات الكاميرات.
وبدعم من التحالف الدولي، تخوض قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية معارك عنيفة داخل مدينة الرقة منذ 6 من يونيو (حزيران) لطرد الجهاديين منها.
وبعدما كانت الرقة التي تتميز بموقعها على نهر الفرات، خزان مياه سوريا ومصدر الكهرباء لمعظم المناطق عبر سدود الطاقة المشيّدة عليها، باتت المدينة عطشى اليوم.
وتوقفت حملة “الرقة تذبح بصمت”، المؤلفة من ناشطين يعملون سراً في المدينة منذ العام 2014، وتوثق انتهاكات وممارسات التنظيم، عند هذه المفارقة.
وأفادت على موقعها الإلكتروني قبل أسبوع عن “الموت عطشاً أو في سبيل الماء، في مدينة الرقة يقطعها نهر روي منه كل السوريين، ويمر بعتبة أبواب ساكنيها”، وأضافت “مدينة من تغنوا بفراتهم تموت عطشاً”.
وبحسب الحملة، قتل 27 شخصاً على الأقل بغارات للتحالف الدولي خلال الأسابيع القليلة الماضية أثناء محاولتهم الوصول إلى الفرات أو الآبار القريبة للحصول على المياه.
ويقول أحد مؤسسي حملة “الرقة تذبح بصمت”، عبد العزيز الحمزة: “قتل عمي و7 أطفال منذ أسبوعين تقريباً أثناء توجههم إلى مدرسة قرب وسط المدينة تضم بئراً للمياه”.
ولا تقتصر مأساة المدنيين على شح المياه فحسب، بل تتعداه الى مخاطر صحية تواجههم، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير هذا الشهر من أن مياه نهر الفرات يحتمل أن تكون “غير صالحة للاستهلاك وتحمل خطر انتشار الأمراض التي تنتقل عبر المياه”.
ويوضح الناشط حسام عيسى من “الرقة تذبح بصمت” أن سكان المدينة يستخدمون المياه “لكل شيء، للاستحمام والشرب، لكنها ليست نظيفة خصوصاً بعد القذائف والجثث الموجودة فيها”.
وأشارت الحملة إلى تسجيل أعراض أمراض تنتقل بين من يشربون مياه النهر، بما في ذلك ارتفاع في درجات الحرارة وفقدان الوعي، وهو ما تخشى المجموعة من أنه قد يشير إلى احتمال انتشار مرض الكوليرا بينهم.
وسجلت منظمة الصحة العالمية إصابة بشلل الأطفال في الرقة، تسببت بها سلالة من الجرثومة آتية من لقاح يحمل كميات صغيرة من الفيروس.
ويتكاثر لقاح شلل الأطفال الذي يتم تناوله عبر الفم في المعدة، وبإمكانه الانتقال إلى الآخرين عبر مياه ملوثة بالبراز، ما يعني أنه لا يؤذي الشخص الذي تم تلقيحه، ولكن بإمكانه أن يصيب جيرانه في المناطق التي تعاني من ضعف في مستويات النظافة والمناعة.
المصدر: أ ف ب