مع انهيار بنك سيليكون فالي، انتشرت عدوى الانهيارات في القطاع المصرفي الأمريكي ، مما أثار الذعر من احتمال حدوث أزمة مالية عالمية على غرار تلك التي عصفت بالعالم 2008.
ورغم أنه لم يمر أسبوع على بداية أزمة بنك سيليكون فالي التي انطلق منها الذعر العالمي، إلا أن لعبة تقاذف المسؤولية عن الانهيار بدأت، وفق ما ذكرت شبكة “سي أن أن” الإخبارية الأمريكية .
وذكرت الشبكة أن قطاع التكنولوجيا يوجه أصابع الاتهام إلى المدير التنفيذي للبنك، غريك بيكر، على خلفية قراراته التي أدخلت البنك في التاريخ، ليصبح صاحب ثاني أكبر انهيار مصرفي في الولايات المتحدة.
وقال موظف في البنك، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنه مذهول من سلوك بيكر الذي اعترف علنا بحجم المشكلات المالية التي يعانيها البنك، قبل أن يحشد الدعم المالي الضروري سرا للتغلب على العاصفة.
ومهّد هذا التصرف الطريق أمام انتشار الذعر، إذ تلا ذلك تزاحم المتعاملين مع البنك لسحب أموالهم.
وعلّق الموظف الذي يعمل في إدارة الأصول على الأمر: “إنه أمر أحمق تماما”.
وتابع: “لقد كانوا شفافين للغاية (يقصد الإدارة)، وهذا يعاكس تماما ما تراه عادة في الفضائح، لكن شفافيتهم هذه قتلتهم”.
وكان بيكر وفريق إدارته كشفوا مساء الأربعاء الماضي عن رغبة البنك في جمع مبلغ 2.25 مليار دولا لرفع رأس ماله لتعويض خسائر السندات ومبيعات أصول بقيمة 21 مليار دولار، لكن الأمر أدى إلى خسائر قدرت بنحو 1.8 مليار دولار.
وأثارت هذه الخسارة حالة من الذعر في سيليكون فالي بولاية كاليفورنيا، حيث يخدم البنك الشركات التكنولوجية الناشئة، وسحب المدعون، يوم الخميس وحده، 42 مليار دولار، مما أدى إلى انهيار سهم البنك بنحو 60 % بحسب بيانات السلطات المالية.
وفي نهاية يوم العمل هذا، كان رصيد البنك في التدفق النقدي سلبيا بقيمة 958 مليون دولار، وهذا يعني أن البنك أصبح معرض لخطر الإفلاس وهذا ما حدث.
وقال أحد المطلعين على شؤون البنك: “لقد صُدم الناس من مدى غباء المدير التنفيذي”.
وأضاف: “أنت تعمل في مجال الأعمال منذ 40 عاما، وأنت تخبرني بأنك غير قادر على جمع مبلغ 2 مليار دولار بشكل سري”.
ولم ترد إدارة البنك المفلس على طلب التعليق على الأمر، لكن وردت معلومات تشير إلى أن الرئيس التنفيذي اعتذر لموظفيه عما جرى.
وقال في الرسالة المصورة بالفيديو للموظفين إن “قلبه حزين للغاية لتوجيه هذه الرسالة”، مضيفا : “لا أستطيع أن أتخيل ماذا يجول في أذهانكم وتساؤلاتكم عن وظائفكم ومستقبلكم”..
ومن جانبه، يقول جيف سونينفيلد، الرئيس التنفيذي لبرنامج القيادة التنفيذية التابع لجامعة ييل إنه يتفق مع الرأي القائل إن إدارة البنك تستحق الانتقاد لكونها تصم آذانها عن الآخرين وبسبب أدائها الفاشل.
وأضاف سونينفيلد ومدير الأبحاث في الكلية ستفين تيان في رسالة إلكترونية مشتركة: “شخص ما أشعل عود الثقاب والمصرف صرخ ’حريق‘، مما دق ناقوس الخطر بشأن الشفافية والمصداقية”.
وقال الاثنان إن الإعلان عن جمع 2.25 مليار دولار لم يكن ضروريا، لأن هناك رأس مال كاف بما يتجاوز بكثير المتطلبات التنظيمية.
ولفتا إلى أنه لم تكن هناك حاجة للكشف عن الخسارة في الوقت نفسه عن 1.8 مليار دولار.
وأثار هذان القراران حالة من الهستيريا لدى المودعين الذين هبوا لسحب ودائعهم، فقد كان بالإمكان المباعدة بين الأمرين لمدة أسبوع أو أسبوعين.
خلال السنوات الماضية ضخّ الفيدرالي الأميركي سيولة ضخمة في الأسواق كان البنك أحد المستفيدين منها، وخلال طفرة الشركات الناشئة أثناء فترة وباء كورونا جمعت هذه الشركات مبالغ طائلة من شركات الاستثمار الجريء أو عبر الطروحات وأودعت قسما كبيرا من أموالها في هذا البنك، مما رفع محفظة ودائع البنك من 60 مليار في 2019 إلى ما يقارب 200 مليار دولار في 2022.
وفي هذه الفترة ومع تضخم محفظة الودائع قام البنك باستخدام نحو 80 إلى 90 مليار دولار لشراء سندات طويلة الأجل مشكلا محفظة ضخمة بمتوسط عوائد تراوحت حول 1.7%، ولكون العوائد على الودائع شبه صفرية فقد أعطى هذا البنك فارقا جيدا للاستفادة منه.
هذا الوضع تغير تماما مع قيام الفيدرالي برفع الفوائد بوتيرة سريعة بداية 2022، لتتآكل قيمة السندات طويلة الأجل التي يمتلكها البنك نتيجة تراجع أسعار السندات التي تربطها علاقة عكسية بمعدلات الفائدة، هذا بالإضافة إلى قيام الشركات الناشئة بسحب بعض من سيولتها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وتراجع زخم الأسهم التقنية.
ولتلافي أزمة سيولة باع البنك بعض السندات بخسارة وصلت إلى 1.8 مليار دولار وقام بمحاولة يائسة لرفع رأس ماله لينتشر الخبر في السوق وتبدأ حالة ذعر بين المستثمرين والعملاء تلتها عمليات سحب هيستيرية كانت نتيجتها سحب ودائع بقيمة 42 مليار دولار في يوم واحد هو 9 مارس الحالي والذي يشكل ربع قيمة ودائع البنك كاملة.
وفي عملية سحب تعتبر الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، فإن أي بنك مهما كان كبيرا لن يتحمل سحب ربع ودائعه في يوم واحد.