جاء افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم /الاثنين/ لعدد من المشروعات التنموية بالوجه البحري والدلتا من مدينة السادات، متزامنا مع مرور 100 عام على ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وافتتاح السد العالي رسميا، لترسم الأحداث الثلاثة أركان ملحمة مصرية أصيلة.
فالاحتفال بمئوية ناصر يأتي تكريما لزعيم كرس مشروعه للاستقلال الوطني والحرية والكرامة، والاحتفال بمئويته أيضا هو استحضار للعلاقة الفريدة التي نشأت وتكونت بين ناصر وجماهير الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، فقد كان رمزا لمشروع نهوض الأمة العربية حيث ساهم في صياغة مشروع نهضتها وتقدمها ووحدتها، وتميز بالصدق مع نفسه ومع الجماهير وفي التزامه بمبادئها وطموحاتها وأهدافها وقيمها، وسيبقى ناصر في ذاكرة التاريخ حلم أمة لا ينتهي، لأنه أحد الذين كُتب التاريخ من أجلهم، فقد كان زعيما إنسانيا والثورة التي قادها حررت العديد من الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
كما كان ناصر قائدا تاريخيا حمل لواء تحرير الأمة العربية، جاء الرئيس السيسى ليخوض بالدولة المصرية معارك كتبها القدر عليها، كان من الواجب خوضها بكل عزم وتكاتف ضد الإرهاب والفساد، والتحدي من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصري وحمايته، ومعارك التنمية والبناء ودعم المواطن المصري في علاجه وتعليمه ليحيا المواطن كما وعد الرئيس حياة العزة والكرامة والتنمية.
جاء افتتاح مشروعات التنمية من مدينة السادات بالمنوفية استلهاما لذكرى افتتاح الرئيس جمال عبد الناصر للسد العالي في عام ١٩٧١، والذي يعد رمز الإرادة والتحدي والشموخ والصمود، وأعظم مشروع هندسي في القرن العشرين، والذي سيظل شامخا وقادرا على تجديد شبابه، حيث حمى مصر من أخطار فيضان نهر النيل، وساهم في توليد الكهرباء وتنفيذ الكثير من المشروعات القومية.
ويبلغ عمر السد العالي اليوم ٤٧ عاما، وهو السد الحاجز الواقع بطول عرض النيل في محافظة أسوان، وبناؤه عكس صمود شعب وقوفة بكل قوة وراء زعيمه، حيث كان هدفا رئيسيا للحكومة المصرية في أعقاب ثورة ٢٣ يوليو عام 1952، للسيطرة على مياه فيضان نهر النيل الذي تغرق قرى بأكملها ويشرد أهلها، إلى جانب استخدامه في توليد القوة الكهرومائية التي تحدث نهضة صناعية في مصر، حيث اعتُبر بناؤه نقطة محورية للتصنيع في مصر.
وشُيد السد العالي بين عامي 1960 و1970.. ويهدف إلى زيادة الإنتاج الاقتصادي من خلال تنظيم المخزون السنوي للنهر ويطلق عليه الفيضان وتوفير المياه وتخزينها للزراعة، فيما بعد، إلى جانب توليد الطاقة الكهرومائية.
عام 1953، وبعد قيام الثورة قام مهندس يوناني بعرض مشروعه عن بناء سد ضخم عند أسوان على النظام الجديد في مصر لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه، وحظي المشروع باهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وتم تكليف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة، بتولي مسئوليته مع فريق من الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين يتولون البحث والدراسة، وبدأت الدراسات واستقر الرأي على أن المشروع قادر على توفير احتياجات مصر المائية.
وفي أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في ديسمبر عام 1954.. كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وحددت الدراسة التكاليف المبدئية للمشروع بأكثر من 400 مليون جنيه، وطلبت مصر في البداية من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيا واقتصاديا، وفي ديسمبر 1955 تقدم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد إلا أن البنك الدولي سحب عرضه في 19 يوليو عام 1956 بعد ضغوط من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهنا بدأت معركة التمويل.
وأعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، والاستفادة من إيراداتها في تمويل المشروع، ووقعت اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 27 ديسمبر عام 1958، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وفي مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد، حيث اقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد، وفي 27 أغسطس عام 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد، وبلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيه.
وبدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى من السد في 9 يناير عام 1960، حيث شملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترا، وفي منتصف مايو عام 1964 تم تحويل مجرى النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجرى النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة، وفي المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.
وفي أكتوبر عام 1967، انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي، وفي عام 1968، بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي، واكتمل صرح المشروع في منتصف يوليو عام 1970، وأقيمت احتفالية كبرى بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الروسي وقتها ، نيكاتا خروشوف، وفي 15 يناير عام 1971 تم الاحتفال رسميا بافتتاح السد العالي.
ويصل طول السد إلى 3600 متر، وعرض قاعدته 980 مترا، وعرض القمة 40 مترا، والارتفاع 111 مترا، وحجم جسمه 43 مليون متر مكعب من إسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلال السد تدفق مائي يصل إلى 11,000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة ، وقد حمى السد العالي مصر من كوارث الجفاف
والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من 1979 إلى 1987، حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل، وعمل السد على زيادة مساحة الأراضي الزراعية والتوسع فيها أفقيا نتيجة توفر المياه، بالتوازي مع التوسع الرأسي بزراعة أكثر من محصول في العام نتيجة توفر المياه وصلت إلى 3 زراعات كل عام.