تكشف محاولة اغتيال الصحفي التركي المقيم فى السويد عبد الله بوزكورت قبل أيام ازدواجية المعايير لدى نظام الحكم فى تركيا، وهو النظام الذي يحتضن معارضي الأخرين ويرفض بلا تسامح احتضان الغير لمعارضيه؛ ففي الوقت الذي تفتح فيه أنقرة أبوابها امام الاعلاميين والصحفيين ممن يؤيدون التطرف أو خانوا أوطانهم وتسهل لهم الاستخبارات التركية منصات الإعلام الفضائي وأبواق الصحافة وحرية الحركة بهدف ابتزاز دول بعينها وزعزعة استقرارها، تلاحق الاستخبارات التركية كل من يعارض أردوغان فى خارج تركيا وتعمل على تصفيتهم جسديا بالقتل أو بالتسميم لاسكاتهم إلى الأبد، وعلى هذا النحو تقبل تركيا الاضرار اعلاميا بغيرها من دول العالم و تفزع اذا ذاقت من الكأس ذاته.
وفي أحد المشافى السويدية يرقد الصحفي التركى المعارض عبد الله بوزكورت بين الحياة والموت بعد أن حاول عملاء الاستخبارات العامة التركية اغتياله فى أحد أحياء العاصمة ستوكهولم، وكان فى طريق العودة لمنزله، ويقول المتابعون لمقالات بوزكورت وأصدقاؤه من أعضاء الاتحاد الوطني للصحافة فى السويد إنها كانت تتسم بالاعتدال والمنطقية في تناول الشأن السياسي التركي، والعقلانية التى تليق بصحفى محترم ومخضرم مثله فى تفنيد وفضح سياسات ومخططات نظام حكم أردوغان وخطورتها على استقرار الشرق الأوسط وتشويه صورة الإسلام وافساد العلاقات الإسلامية الغربية والتركية العربية.
لقد استفزت كتابات بوزكورت النظام التركي بعد أن كشف، خلال العامين الماضيين، عن مخططات تصدير الفوضى التي يقوم بها النظام التركي لبلدان الشرق الأوسط وجنوب أسيا بهدف وتدخلاته فى سوريا والخليج العربى وليبيا وأفريقيا وشرق المتوسط، كما كشف الإعلامى التركي المعارض عن سعى تركيا من وراء تصدير الفوضى إلى الشرق الاوسط انهاك دوله الكبرى والمؤثرة وتوطئة الارض لاستعادة نهج الهيمنة واستغلال ثروات الشعوب التى شهدتها كل مناطق العالم التي وقعت تحت حكم نظام الخلافة العثمانية قبل قرون، وهكذا أوجعت كتابات بوزكورت النظام التركي ونزعت عنه عباءة التدين التي يخفى وراءها اطماعه الاقتصادية الحقيقية ونوايات الشريرة تجاه دول الشرق الأوسط المركزية.
وتحقق السلطات الأمنية السويدية في واقعة محاولة قتل الصحفى التركى عبد الله بوزكورت اللاجىء إلى السويد التى هاجمه ثلاثة مجهولين في الرابع والعشرين من الشهر الجارى محاولين قتله، وقالت مصادر أمنية سويدية إن الصحفى التركى يقيم على الاراضى السويدية بصورة شرعية ويمارس عمله الإعلامى بصورة لا تحض على العنف وبعيدة عن التطرف موجها انتقادات سياسية لاردوغان ونظام حكمه تستند إلى المنطق وعدم التجاوز الاخلاقي أو الاساءة لعلاقات السويد مع بلد اللاجئ.
وتؤكد تقديرات السلطات السويدية أن مهاجمى الصحفى التركى هم مجموعة اغتيال تتبع الاستخبارات العامة التركية وليسو من المقيمين بصورة دائمة في السويد، وذلك من واقع تحليل ملامحهم الظاهرة التى سجلتها عدسات كاميرات المراقبة الخاصة بأحد المتاجر القريبة من محل واقعة الاعتداء فى منطقة /سبانجا/ أحد ضواحى ستوكهولم، وترجح أجهزة الأمن السويدية أن يكون مهاجمى الصحفى التركى المعارض قد قاموا بدراسة روتين حياته اليومية حيث لم يكن هجومهم مرتجلا، بل تم بعد قيامه بركن سيارته فى ساحة انتظار تبعد دقائق عن مسكنه وعندها انقضوا عليه وهو ما يثبت جانب العمد والترصد للواقعة وينفى احتمالات أن تكون واقعة عارضة ستكشف حقيقة ابعادها بصورة كاملة التحقيقات التى تجريها الاستخبارات السويدية حول الواقعة.
ويقيم الصحفى التركى بوزكورت فى السويد منذ عام 2016 مشمولا بقانون حماية اللاجئين السويدى بعد أن نالته نيران الملاحقة الأمنية في تركيا التي يشن أردوغان وأجهزته الأمنية حملة قمع للمنصات الإعلامية المعارضة له في عام 2016 أسفرت عن اغلاق أكثر من 200 مؤسسة وصحيفة ومنصة اعلامية فى تركيا، ومنذ تواجده على الاراضى السويدية كان بوزكورت يتلقى عادة تهديدات بالقتل اذا كشف فى كتاباته عن حقيقة ما يحدث فى تركيا بحكم سابق عمله فى احدى كبريات المؤسسات الاعلامية الكبرى فى تركيا ذات التوجه المدني القومي.
كذلك كان بوزكورت موضع هجوم دائم من جانب المنصات الإعلامية الموالية لاردوغان، ولم تخل تغريدات بعضهم ضده من تهديدات مغلفة له بالتصفية الجسدية من عملاء الاستخبارات التركية الموجودين فى كل مكان فى بلدان الاتحاد الاوروبى والعالم، وقال صائم كوشيك أحد أشهر المعلقين التليفزيونين فى القنوات التركية الموالية لاردوغان موجها تحذيراته إلى الصحفي المعارض من الخارج عبد الله بوزكورت “الموت أقرب إليه من حبل الوريد، “وكان ذلك في حلقة حوارية قبل أيام من وقوع محاولة الاعتداء على بوزكورت.
وتعد تركيا أحد أسوأ بلدان العالم تنكيلا بالصحفيين المعارضين لنظام أردوغان، فوفقا لتقرير مركز ستوكهولم للحريات The Stockholm Center for Freedom (SCF) يقبع فى السجون التركية خلف القضبان ما لا يقل عن 183 صحفيا بأحكام مسيسة و يواجه 168 صحفيا تركيا اتهامات بعضها قد يفضى إلى السجن مدى الحياة من بينها اتهامات بالارهاب، وتجدر الاشارة إلى أن عقوبة الاعدام غير مطبقة فى تركيا تزلفا منها إلى الاتحاد الاوروبى الذي ألغى تلك العقوبة وهو الاتحاد الذى كانت أنقرة تطمح فى عضويته الى ان جاء أردوغان فصار هذا الحلم بعيدا بسبب سياساته المتطرفة، ولم يعد أمامه فى التعامل مع جيرانه الأوروبيين سوى ابتزازهم أو تدميرهم من الداخل، و برغم عضوية تركيا فى حلف شمال الاطلنطى (الناتو)، فإن الولايات المتحدة باتت تنظر إليها كشريك لايوثق فيه وأخرجت واشنطن تركيا من برامج الشراكة الطموح لانتاج المقاتلة /إف- 35/ برغم هشاشة الاسهام التركى فى هذا البرناج خوفا من نفاذ الاتراك الى اسراره.
ووفقا للتصنيف الدولى لحرية الصحافة والإعلام تقع تركيا فى الترتيب رقم 154 من أصل 180 دولة على مستوى العالم هى الاسوأ على صعيد الحريات الصحفية والاعلامية فى العام 2020، كما حافظت تركيا تحت حكم اردوغان – وبلا منافس – هى المركز الأول عالميا فى سجن و اعتقال الصحفيين.
يتساءل المراقبون انه اذا كانت تركيا لا تتسامح مع معارضيها فى الخارج، فكيف لها ان تلوم الاخرين على عدم تسامحهم مع معارضيهم، وكيف تقدم انقرة ملاذات أمنة لمعارضي الدول المختلفة سياسيا مع النظام التركى بينما وفي الوقت ذاته تنكر عليهم القيام بذات الشئ تجاه المعارضين الأتراك حول العالم.
ففى مثل هذا اليوم قبل 3 أعوام تمت محاكمة المعلم التركى ثابت فيظى بتهمة المشاركة فى محاولة الانقلاب فى تركيا عام 2016 وهى القضية التي كشفت عن قيام الاستخبارات التركية بخطف المعارضين الاتراك من خارج تركيا واعادتهم إلى تركيا لمعاقبتهم وانزال ابشع صنوف التنكيل بهم.
وفى الثالث والعشرين من الشهر الجارى نفذت المخابرات التركية عملية اختطاف وإعادة قسرية للمواطن التركى الاصل /ثابت فيظي/ البالغ من العمر 48 عاما حيث اختطفته المخابرات التركية من بيشكيك عاصمة قيرغيزستان التي قدم اليها مرحلا من كازاخستان، وبحسب المعلومات المتوافرة عنه، كان فيظى يعمل فى احدى مدارس فتح الله جولن منافس أردوغان الأول وحليفه السابق حتى عام 2015 حيث تم فصله ومئات أخرون من العاملين في مدارس فتح الله جولن وبقى بلا عمل، كما لم يكن فيظى فى يوم ما قياديا معارضا سياسيا لاردوغان.
وفي أعقاب المحاولة الانقلابية المزعومه في تركيا التي وقعت فى 17 يوليو 2016 نالت يد البطش التابعة لنظام اردوغان من كل العاملين في مؤسسات ومعاهد فتح الله جولن بزعم اشتراكهم فى المحاولة الانقلابية وكان بينهم ثابت فيظى الذى اؤخذ بالشبه فهرب وعائلته من اسطنبول إلى بيشكيك عاصمة جمهورية قيرغيزستان حفاظا على حياتهم بعد أن صدرت بحقه احكام غيابية بالتعاون مع احد قيادات البحرية التركية المتورطين فى الانقلاب المزعوم وهو ما نفاه محاموه.
ولخوفه من ملاحقة الاستخبارات التركية العامة فى قيرغيزستان فر ثابت فيظى الى كازاخستان المجاورة ودخلها بصورة غير شرعية فتم القبض عليه وترحيله الى قيرغيزستان بموجب امر قضائي، وكان ذلك بتاريخ 30 سبتمبر 2017 – أى فى مثل هذا اليوم قبل ثلاثة أعوام – ولدى وصوله فى مطار بشكيك عاصمة قيرغيزستان اختطفته عناصر من الاستخبارات التركية العامة زاعمين انه مريض ويحتاج الى طائرة نقل طبى خاصة وكانوا قد رتبوا كل شىء لذلك بما فى ذلك الطائرة التى كانت من طراز (Casa CN-235)، وهى طائرات نقل متوسطة تتبع سلاح الجو التركي الذى على ما يبدو قد اعار الاستخبارات التركية العامة احداها لتنفيذ تلك الخطة.
وبحسب مصادر اخبارية كازاخستانية فقد تم اختطاف المذكور عبر تلك الطائرة العسكرية التركية من مطار الماتى القرغيزى إلى مطار انقرة فى رحلة جوية استغرقت 3 ساعات ناله خلالها ضرب مبرح من عناصر الاستخبارات التركية بعد تعصيب عينيه و تقييد يديه الى ان فقد وعيه.
وأمام محكمة الجنايات العاليا فى الثالث من أبريل عام 2018 قال فيضى إنه قد تم وضعه فى حاوية حديدية قذرة انفراديا في منطقة تتبع الاستخبارات التركية بالقرب من مطار أنقرة بقى خلالها لمدة 108 أيام ولاقى خلالها كافة صنوف التعذيب من رجال الاستخبارات التركية بما في ذلك الصعق بالكهرباء والاعتداءات الجنسية والضرب المبرح، وحكى لقاضى المحكمة التركية كيف كان محبسه كالقبر وكيف كان يشتهى الموت فلا يجده وهو ما كتبه فيظى في سبع صفحات يصور فيها مأساته لقاضى التحقيق، وكان ذلك بتاريخ الثانى عشر من يوليو عام 2018 ولا يزال فيظى سجينا إلى الان فى تركيا بعدما لم يجد فى ساحات العدالة فى تركيا سوى الاذان الصماء.
المصدر : أ ش أ