منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان منتصف أغسطس الماضي، وما تبعها من تحولات في المشهد الداخلي، أدت إلى فرار آلاف المواطنين الذين حاولوا الهرب من البلاد ولا تزال محاولتهم مستمرة سواء عبر مطار كابول أو الحدود مع دول الجوار.
وبالتزامن مع الفرار الجماعي للأفغان، تصاعدت وتيرة القلق لدى عدة دول أوروبية خشية تدفق موجات كبيرة من المهاجرين إلى القارة.
وقال الاتحاد الأوروبي في أغسطس الماضي إنه سيعمل على وقف التدفق الكبير لطالبي اللجوء من أفغانستان، من خلال تقديم المساعدة في المنطقة والدفع بحماية قوية على الحدود، لكنه لم يقدم تعهدا محددا لاستقبال الأشخاص بشكل جماعي في أعقاب سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، وفق ما أوردته دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وفي الوقت ذاته، حثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين كل الدول وفي مقدمتها الأوروبية على استقبال قسم من اللاجئين الأفغان الذين تم إجلاؤهم من كابل، مؤكدة أن الدول الأعضاء في الاتحاد التي ستقوم بذلك ستتلقى دعماً مالياً من أوروبا.
وترى الباحثة في الشأن الدولي، هيبة غربي، أن المواقف الأوروبية تتباين حيال أزمة اللاجئين الأفغان التي انفجرت بين الرفض والترحيب، ويتوقع أن تستفحل في المستقبل القريب، خاصة بعد سيطرة طالبان على كل أفغانستان.
وتقول غربي الباحثة بالمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراستها المنشورة تحت عنوان “الاتحاد الأوروبي- مساع لمنع الهجرة الجماعية من أفغانستان”، إن بلدان الاتحاد عادت مرة أخرى لتنقسم إلى معسكرين قبل أن تصل أفواج الأفغانيين إلى أسوار أوروبا، أحدهما يريد إظهار الوجه الإنساني للقارة الأوروبية وتحديد حصص لتوزيع اللاجئين بين أعضاء الاتحاد.
والآخر يضم الدول التي تريد ختم الحدود الخارجية بالشمع الأحمر، كما صرح وزير الداخلية النمساوي الذي تتزعّم بلاده، إلى جانب المجر وبولندا، وهي الكتلة التي ترفض أي انفتاح أوروبي من شأنه أن يستقطب تدفّق آلاف الأفغان ويعيد أشباح الأزمة الماضية.
وأوردت الدراسة نماذج لتعامل عدة دول أوروبية مع أزمة اللاجئيين الأفغان، في مقدمتها ألمانيا، التي أعلنت أنها ستستقبل بعض الأفغان، ولكنها لم تُحدد العدد.
وفي هذا الشأن صرحت المستشارة أنجيلا ميركل، التي تعرضت لانتقادات بسبب سياسة فتح باب الهجرة واسعاً عام 2015، “أن حكومتها تحرص على ضمان حسن التكفل باللاجئين الأفغان في الدول المجاورة”.
وبحسب الباحثة، استقبلت فرنسا في يوم واحد ضمن عمليات إجلاء طارئة من العاصمة الأفغانية كابل، 184 شخصاً كثاني دفعة من اللاجئين الأفغان.
إلا أن هذه العمليات تبقى محدودة للغاية والتي تُركز بشكل أساسي على “النخبة” من الأفغان، بحسب تعبير مدير مكتب الهجرة والاندماج “الأوفي” لمهاجر نيوز.
أما الحكومة البريطانية عقب التطورات الميدانية المتسارعة في أفغانستان، فقد أعلنت عن خطة لاستقبال عشرات الآلاف من الأفغان الفارين من بلادهم بعد سيطرة طالبان على الحكم. الخطة تقتضي باستقبال خمسة آلاف خلال العام الأول، على أن يرتفع العدد تدريجياً إلى 20 ألفاً على مدى السنوات اللاحقة.
وتعرج الباحثة على عدة أسباب باعتبارها المحددات الأهم في تعامل الدول الأوروبية مع تدفقات الهجرة من أفغانستان أهمها الانقسام الداخلي فيما بينها حول الأمر، وصعود التيار اليميني ككتلة رافضة.
كما تؤكد غربي أن مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي رسمياً في 31 يناير 2020 كان أهم أسبابه الحد من السماح للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي بالدخول إلى البلاد والمتعلق بالدرجة الاولى بقضايا الهويّة والثقافة.
ووصل عدد المهاجرين في بريطانيا إلى حوالى 870 ألف مهاجر، وهو ما يشكل، بحسب رأيهم، عبئاً بقيمة تتجاوز 3.67 مليارات جنيه إسترليني. والذي يشكل انقساما داخل الاتحاد في حد ذاته.
وتقول الباحثة إن “عدم تكرر ما حدث عام 2015″، كانت الفكرة المهيمنة في أوساط السياسيين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وهم يشاهدون كارثة إنسانية تتكشف فصولها في أفغانستان، والتي من المتوقع أن تتسبب عاجلاً أو آجلاً في انطلاق موجات هجرة جماعية متجددة.
وجاء في بيان مشترك تم التوقيع عليه خلال محادثات وزراء الداخلية في بروكسل: “أنه اعتمادا على الدروس المستفادة، فإن الاتحاد الأوروبي عازم على العمل بشكل مشترك لمنع تكرار حركات الهجرة غير الشرعية واسعة النطاق غير خاضعة للرقابة والتي كان قد تم مواجهتها في الماضي”.
وتعهدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدعم الدول المجاورة لأفغانستان في حال استضافتها لاجئين فارين من طالبان، وذلك من أجل تجنب تدفق المهاجرين إلى أوروبا.