تحل علينا هذا العام ذكرى مرور 200 عام على اكتشاف الإيطالي جيوفاني باتيستا كافيليا، تمثالي الملك رمسيس الثاني عام 1820 في منطقة ميت رهينة والتي أطلق عليها اسم (منف) عاصمة مصر القديمة.
وقال الباحث الأثري تامر المنشاوي – فلا تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأربعاء – إن التمثالين توأمان، الأول موجود حاليا في متحف ميت رهينة “مستلق على ظهره ” ، والثاني التمثال الشهير الذي تم نقله من ميدان رمسيس إلى المتحف المصري الكبير مؤخرا .. مشيرا إلى أن التمثالين كانا يقفان قديما خارج معبد بتاح الكبير بمنف.
وأضاف أنه تم العثور على التمثال الأول في حفرة وكان مستلقيا على وجهه في الماء والطين، وهو منحوت من كتلة واحدة من الحجر الجيري البلوري الناعم ، والذي يشبه إلى حد كبير الرخام، وبه فقدان أسفل الركبتين ، وظل في هذا الوضع نحو 60 عاما، وكل عام يأتي عليه الفيضان ويغمره ولا يظهر مرة أخرى إلا بعد انحسار الماء عنه.
وأوضح المنشاوي أن هذا الوضع استمر حتى أنشأت هيئة الآثار المصرية عام 1985 متحف ميت رهينة ،وهو أول متحف مفتوح بمنف، للحفاظ على هذا التمثال الضخم، في وضعية الاستلقاء على ظهره ، وعليه خنجر في حزام الملك زين مقبضه على هيئة رأسين لصقر وكان مستخدما للحماية ، و10 خراطيش موزعة على حزامه وأسورته وكتفه الأيمن ولفة البردي الأسطوانية التي يحملها في يديه.
وتابع أنه يوجد على التمثال صورة طفل يعتقد أنه “خع إمواس” أحد أبناء الملك رمسيس الثاني، كما يوجد على التمثال أيضا نقش لسيدة أو أميرة ترفع قدم الملك، ويعتقد أنها زوجته، أو ترفع قدمه لتسانده.
وبالنسبة للتمثال الثاني، أوضح المنشاوي أن هذا التمثال عثر عليه جيوفاني عام 1820 ، وكان مقسما لستة أجزاء في هذا الوقت، وتم نقلها بناء على قرار من مجلس قيادة الثورة عام 1954 إلى ميدان باب الحديد الذي سمي على اسمه “رمسيس” بوسط القاهرة بواسطة شركة ألمانية.
وبين تامر المنشاوي أن المرمم المصري الراحل أحمد عثمان قام بتجميع التمثال واستكمال الساق والقدم الناقصتين إلى جانب ترميم التاج الملكي وبعض الأجزاء الصغيرة فيه، وأقيم التمثال وهو في وضعية وقوف في ميدان رمسيس، وأقيمت له نافورة لكي تزين الميدان الذي يحمل اسمه، لكن تمت إزالتها قبل نقل التمثال في 25 أغسطس عام 2006 إلى المتحف المصري الكبير بميدان الرماية بالجيزة.
وأشار الباحث الأثري إلى أن قرار نقل التمثال من ميدان رمسيس للمتحف الكبير جاء بهدف حمايته من التلوث البيئي الناجم عن حركة القطارات والسيارات والاهتزازات التي تسببها حركة مترو الأنفاق الذي يمر قرب موقعه القديم، وكان وصول تمثال الملك رمسيس الثاني للمتحف يعد إيذانا ببدء العمل فيه، حيث كان أول قطعة أثرية يتم نقلها للمتحف من بين 150 ألف قطعة سيعرضها المتحف عند افتتاحه، وفي 25 يناير 2018 تم نقل التمثال مرة أخرى إلى مقره الدائم في البهو العظيم بالمتحف ليكون التمثال أول قطعة يراها السائح عند زيارته لهذا المكان.
ولفت إلى أن التمثال مصنوع من الجرانيت الوردي ووزنه نحو 83 طنا، والملامح الفنية له تظهر ملامح بروز الصدر والجسد والملك في وضع الوقوف، وهو يقوم بتقديم ساقه اليسرى للأمام، ويرتدى النمس ويعلوه التاج المزدوج، وهو التاج الأحمر الذي يمثل الشمال وهي الدلتا، والتاج الأبيض يمثل الجنوب، وتظهر لحيته مستقيمة وهو يرتدي النقبة القصيرة ويوجد خنجر في حزام النقبة.
وعن الملك رمسيس الثاني، قال الأثري تامر المنشاوي إنه كان واحدا من أعظم ملوك مصر القديمة، وفترة حكمه تجاوزت 67 عاما (1279 – 1213 ق. م)، ولا تخلو أية منطقة أثرية في مصر من آثار تحمل اسمه، منها معبدا الكرنك والأقصر بطيبة، ومعبده الجنائزي المعروف بـ”الرمسيوم” بغرب طيبة، وفي منف، ومعبده في أبيدوس، ومعابده النوبية العظيمة في أبوسمبل وبيت الوالي وعكشا وجرف حسين ووادي السبوع.
وأضاف أن الملك رمسيس الثاني يعد واحدا من أعظم ملوك مصر المحاربين، حيث خاض القتال أمام أكبر قوة عسكرية في عصره على الإطلاق، والتي تمثلت في الإمبراطورية الحيثية القابعة في آسيا الصغرى، والتي امتد نفوذها السياسي والعسكري إلى سوريا الشمالية، واصطدم معها في أكبر معركة في تاريخ العالم القديم، معركة (قادش) التي وقعت في العام الخامس من عهده في مدينة قادش بشمال سوريا، وتمكن فيها من تحويل الهزيمة المحققة في بداية القتال إلى نصر ميداني في أرض المعركة بفضل شجاعته الأسطورية.
وأكد المنشاوي أن الملك رمسيس الثاني كان عظيما في سلمه كما كان عظيما في حربه، مشيرا إلى معاهدة السلام التي وقعها مع الحيثيين والتي أنهت 50 عاما من الصراع السياسي والحربي العنيف.
وحول تاريخ منطقة اكتشاف التمثالين، قال الباحث الأثري إن ميت رهينة ” منف” أو منفر أو ممفيس، من أقدم العواصم المصرية القديمة وأصبح معبودها الرسمي بتاح، ومكانها الحالي في منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة على بعد 19 كم جنوب القاهرة، وتضم عددا من المعابد ومنها معبد بتاح الكبير ومعبد حتحور والتحنيط.
وأضاف أن منف كانت معروفة باسم “الجدار الأبيض” حتى القرن الـ26 قبل الميلاد إلى أن أطلق عليها المصريون اسم ” من نفر ” وهو الاسم الذي حرفه الإغريق فصار “ممفيس” ثم اطلق العرب عليها “منف”.
المصدر : أ ش أ