“استعادة التحالف” و”تقاسم المسئوليات”.. أبرز تحديات العلاقات الأوروبية الأمريكية في عهد بايدن
جاء فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ليفتح باب الأمل من جديد باستعادة الشراكة الأوروأطلسية مع أوروبا بعد سنوات من الفتور الذي خيم على العلاقات الأوروبية الأمريكية في عهد دونالد ترامب.
وفور الإعلان عن فوز بايدن سادت أجواء من الارتياح داخل الأروقة الأوروبية وسارع مختلف القادة الأوروبيين بتوجيه التهنئة لساكن البيت الأبيض الجديد، وعلى رأس هؤلاء القادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تترأس بلادها حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، والتي أكدت على خبرة بايدن الواسعة في مجال السياسة الخارجية ومعرفته الجيدة بالشئون الأوروبية بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، وشددت ميركل على أن محاربة وباء كورونا وقضايا المناخ والإرهاب والتجارة الحرة، تمثل أولويات العمل المشترك بين ألمانيا والولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة، وأكدت أن الولايات المتحدة هي أهم حليف وستظل كذلك، وتتوقع بذل مزيد من الجهود لضمان الأمن والدفاع حول العالم.
في السياق ذاته، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتكثيف التعاون مع الولايات المتحدة لحل بعض الأزمات التي يواجهها العالم.. بينما أشار رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي إلى عودة المحور المتمثل بالولايات المتحدة وأوروبا، متوقعا من الرئيس الأمريكي الجديد سياسة أقل إثارة للانقسام وحوارات أكثر تجاه باقي دول العالم.
ورغم علاقة الصداقة الوطيدة التي تربط رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون بالرئيس السابق ترامب غير أن جونسون حرص على أن يكون من أوائل المهنئين لبايدن مؤكدا أن الولايات المتحدة هي “الحليف الأقرب والأكثر أهمية” للمملكة المتحدة ومشددا على أن ذلك “لن يتغير” في ظل رئيس جديد، وأن البلدين سيعملان معًا لدعم الديمقراطية ومكافحة قضايا مهمة مثل تغير المناخ.
وكان من اللافت ارتفاع أسهم جميع البورصات الأوروبية لأعلى مستوى منذ شهرين في أعقاب الإعلان عن فوز جو بايدن، حيث سجلت الأسواق الأوروبية، أمس الاثنين، مكاسب كبيرة وارتفعت أسهم بورصات باريس ولندن وفرانكفورت وغيرها من البورصات الأوروبية، ويأتي ذلك في ضوء تزايد التوقعات بأن يؤدي فوز بايدن إلى تعزيز العلاقات التجارية بين واشنطن وأوروبا وأن يتخذ الرئيس الأمريكي الجديد نهجا أكثر حرية في التجارة العالمية، وينجح في إقرار خطة تحفيز مالي ضخم لدعم الاقتصاد الأمريكي في مواجهة الأضرار التي لحقت به من جراء تفشي وباء (كورونا).
ويأتي الترحيب الأوروبي بفوز بايدن في أعقاب 4 سنوات من الأجواء المتوترة التي خيمت على علاقة (واشنطن) بأوروبا لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني ومنظمة التجارة العالمية، فضلا عن توتر العلاقات التجارية بينهما بعد فرض رسوم على واردات الفولاذ والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي. لذلك كانت هناك مخاوف أوروبية واضحة من ولاية ثانية لترامب لأن ذلك كان سيعني بدوره أربع سنوات جديدة من تدهور العلاقات بين ضفتي الأطلسي.
أما بايدن، فهو معروفة بتاريخه الطويل في العمل الدبلوماسي وتتصف سياسته بالتعددية ودعم العلاقات مع الحلفاء ومحاربة الشعبوية والتطرف، وهو حريص على إقامة علاقة متوازنة ومتناغمة مع أوروبا التي ينظر إليها كحليف استراتيجي. وقد سبق بايدن وأعلن رغبته في العودة إلي معاهدة باريس للمناخ، والتزام الولايات المتحدة بتحقيق أهداف الاحتباس الحراري الدولية من خلال خفض الانبعاثات، فضلا عن إعادة إطلاق المحادثات النووية مع إيران وإعادة الانضمام إلى منظمة الصحة العالمية وتمويلها من جديد.
ومع الإقرار بأن الاتحاد الأوروبي تمكن، بعد فوز بايدن، من استعادة شريك وحليف استراتيجي مهم لاسيما في ظل الظروف والتحديات التي يشهدها العالم في هذه المرحلة، يؤكد جمهور المراقبين أن سياسات الرئيس الجديد لن تشهد تغييرا جذريا عن تلك التي تبناها ترامب ولكنها قد تتم بأسلوب مختلف، بمعنى أن واشنطن لن تعود للعب دور “شرطي العالم” التي تحمي شركاءها ضمن حلف الناتو، بل ستعمل بالأساس على حماية مصالحها ولكن بشكل أقل حدة من المتبع خلال الأربع سنوات الماضية.. فبايدن، وفقا للمراقبين، سيستمر في التركيز على مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد، ووضع حد للحروب وإعادة القوات الأميركية إلى البلاد، وهو الأمر بدأ تنفيذه بالفعل منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما واستكمله ترامب، ويحظى بشعبية واسعة لدى الرأي العام الأمريكي.
ويدعم هذا الرأي وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الذي أكد أن كل شيء لن يتغير في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لكن كثيرا من الأمور ستتحسن، موضحا أن الرئيس ترامب كانت يشتكي دوما من أن ألمانيا تتقاعس عن زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج الاقتصادي وفقا لتفويض حلف الناتو، لافتا إلى أنه لا يعتقد أن هدف الإنفاق سيكون موضع تركيز في عهد بايدن بقدر ما كان في عهد ترامب، وأن الجدل حول الإنفاق الدفاعي لن ينتهي في عهد بايدن لكنه سيجري بأسلوب مختلف.
في السياق ذاته، يؤكد الخبير الفرنسي، اريك موريس، لصحيفة /لاكروا/ أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بينهما تنافس تجاري وسيستمر هذا التنافس لافتا إلى أن بايدن سيكون أقل شراسة وحدة من ترامب لكنه لن يقدم هدايا مجانية كالتي قدمها أوباما من قبل.
في ضوء ذلك يتوقع المراقبون أن تعمل الولايات المتحدة في عهد بايدن على الاستفادة الكاملة من الدعم الدبلوماسي، والسياسي، والمالي من قبل شركائها الرئيسيين من أجل تعزيز مصالحها المتنوعة على مختلف الأصعدة، لاسيما مواجهة تصاعد النفوذ الصيني على الساحة العالمية، وأن ذلك سيتم في إطار “تقاسم الأعباء والمسئوليات” مع الشركاء الأوروبيين الذين سيتحملون بدورهم المزيد من المسؤوليات لضمان أمن واستقرار القارة الأوروبية.
ويبدو واضحا من المشهد السابق أنه على الرغم من الترحيب الأوروبي الواسع بفوز بايدن إلا أن المشهد لن يعود إلى ما قبل عصر ترامب، فالظروف الدولية حاليا تختلف عن مثيلتها عام 2016، وعليه يتوقع المراقبون أن يعمل بايدن أولا على استعادة التحالف مع القارة الأوروبية وإقامة علاقات أكثر ثباتاً وإيجابية بين أوروبا وأميركا حول العديد من القضايا، دون أن يحدث تغييرا جدريا في سياسات سلفه المتبعة خلال السنوات الماضية، ولكنه سيسير على نفس الطريق في إطار أكثر سلاسة ومرونة مع التركيز في المقام الأول على حماية المصالح الأمريكية والتأكيد على تقاسم الأعباء والمسئوليات مع الحليف الأوروبي لضمان أمنه والحفاظ عليه.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)