يمر لبنان بمرحلة مفصلية من تاريخه ، تقتضي تكثيف المشاورات بين كافة الأطراف السياسية هناك من أجل تشكيل حكومة مستقلة، بعيدا عن القيود الطائفية ، بحيث تكون تلك الحكومة بمثابة حكومة إنقاذ ، تقود لبنان إلى حقبة انتقالية ربما تشهد خلال أمد قريب – وفقا للتقارير المحلية والعالمية الواردة من لبنان – إعلان تشكيل حكومة متوازنة تلبي مطالب وآمال الشعب اللبناني ، لإنقاذ البلاد من الاضطرابات المحتملة بكافة مستوياتها.
ويتزامن التحرك السريع لاحتواء الأزمة داخل البيت اللبناني ، مع التحركات الدولية الرامية لإرساء الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي في البلاد ، حيث يعقد اليوم الاربعاء اجتماع مجموعة العمل الدولي في فرنسا، والذي يندرج ضمن الحشد الدولي لدعم اقتصاد لبنان وبحث المحاولات الجادة للخروج من الأزمة الحالية، وفقا لما أعلنته وزارة الخارجية الفرنسية.
ووقفا للخبراء ، فإن أجواء من التفاؤل تسبق هذا الاجتماع ، انطلاقا من السعي على المستويين الداخلي والدولي، لإحداث طفرة حقيقية نحو التناغم والتوافق المحتمل للخروج الآمن من حالة ارتباك وضبابية المشهد اللبناني نتيجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مؤخرا .
ويستهدف الاجتماع الدولي الذي تتشارك فيه فرنسا والأمم المتحدة ، تفعيل دعوة للمجتمع الدولي إلى تشكيل حكومة فعالة وذات مصداقية سريعا، لتتخذ القرارات اللازمة لإنعاش الوضع الاقتصادي وتلبية التطلعات التي يعبر عنها اللبنانيون – وفقا للبيان الرسمي الفرنسي .
وعلى صعيد متصل ، عبر الرئيس اللبناني العماد ميشال عون – خلال اجتماعه مؤخرا بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش – عن ارتياحه لانعقاد اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان ، متمنيا أن يسفر عن نتائج عملية، وذلك وسط استمرار الاحتجاجات الشعبية.
وأبلغ عون المنسق الأممي أن لبنان سيحضر الاجتماع بوفد رسمي، متمنيا أن يسفر عنه نتائج تترجم عمليا، خصوصا في الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد .. من جانبه، عرض كوبيتش – خلال اللقاء – على عون الترتيبات المتخذة لانعقاد الاجتماع، معتبرا أن الاجتماع سيكون بمثابة إشارة قوية لالتزام دول مجموعة العمل مع لبنان .
وفي السياق ذاته، أوضحت مصادر لبنانية أن اجتماع فرنسا الدولي، ليس تدويلا للأزمة، بل إن المجموعة الدولية لدعم لبنان والتي كانت قد تشكلت في آخر عهد الرئيس ميشال سليمان في نيويورك، معروفة الأهداف ولم ترفضها أي من القوى السياسية ، انطلاقا من أهمية الاتفاق على تشكيل وفد لبناني رسمي يستطيع أن يتفاعل مع التحركات الدولية لدعم الاستقرار في لبنان.
وعلى صعيد التوجه نحو التعاون الدولي لحل الأزمة اللبنانية، فقد وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري رسائل مؤخرا إلى رؤساء وملوك عدد من الدول، طالبهم فيها بالمساعدة في معالجة أزمة نقص السيولة التي تشهدها لبنان وتأمين مستلزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين، بما يؤمن استمرارية توافر المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية للإنتاج لمختلف القطاعات.
كما بعث الحريري برسائل المساعدة من أجل الخروج بالأزمة اللبنانية إلى حلول جذرية إلى كل من : ” العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس عبد الفتاح السيسي ، رئيس الوزراء الإيطالي ونظيره الصين، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ” – حسبما تناقلته وكالات أنباء عالمية .
وفي إطار المحاولات المتنامية لاحتواء الأزمة اللبنانية على المستوى الداخلي ، تم تأجيل المشاورات النيابية لاختيار رئيس وزراء جديد – وفقا لما كما أعلنت الرئاسة اللبنانية – إلى الإثنين المقبل، وسط أجواء من التفاؤل في لبنان حيال تشكيل الحكومة، بعد الاتفاق على تسمية المهندس سمير الخطيب لترؤسها، والانتهاء من وضع تصور شبه نهائي لتوزيع الحقائب الوزارية والشخصيات التي ستتولاها، فيما أكد رئيس الجمهورية ميشال عون، أن أولويات الحكومة الجديدة ستكون تحقيق الإصلاحات الضرورية في مختلف القطاعات، واستكمال مكافحة الفساد، وتصحيح الخلل في عمل إدارات الدولة.
ووفقا للخبراء، فإن تأجيل المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة ، يأتي ضمن السعي الدؤوب للتوصل إلى اتفاق شامل على التشكيل الجديد للحكومة بكل تفاصيلها وبما يضمن تجاوز أية عراقيل يمكن أن تؤخر ميلادها.
ويواجه لبنان أزمة اقتصادية، قد تفاقمت منذ بدء الاحتجاجات في 17 أكتوبر الماضي ، ودفعت المصارف إلى فرض قيود على تحويلات وسحب الأموال، كما تعاني البلاد من نقص في العملات الأجنبية خاصة الدولار، وانخفاض قيمة العملة المحلية.
كانت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان أصدرت بيانا مشتركا في سبتمبر الماضي جاء فيه :” اجتمع اليوم أعضاء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، كحافز للقادة السياسيين لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه لبنان في ضوء تقييمه الاقتصادي الوطني ووفقا لرؤية لبنان الاقتصادية والتزاماته في مؤتمر “سيدر”.
وترحب مجموعة الدعم الدولية بإحالة مشروع موازنة العام 2020 بالإضافة إلى مشاريع قوانين للإصلاح إلى مجلس الوزراء ، وقال البيان إنه ” تماشيا مع دعوة القادة الدستوريين للعمل على معالجة هذه المشاكل الاقتصادية ووضع البلد على طريق النمو المستدام في غضون ستة أشهر، تدعو مجموعة الدعم الدولية القادة اللبنانيين إلى إصدار خطة شفافة للإصلاح والعمل بسرعة على تبني الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية لتحسين الوضع المالي للحكومة وتعزيز بيئة الأعمال العامة ودعم تطوير القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية والخدمات الأساسية.
كما رحبت مجموعة الدعم الدولية بالتقدم المحرز بين حكومة لبنان والمجتمع الدولي في ما يتعلق بآلية المتابعة لتنفيذ الإصلاحات والمشاريع الممولة من مؤتمر “سيدر” وتشجع على تنفيذ عناصرها بالكامل. وبما أن إصلاح قطاع الكهرباء بالغ الأهمية لمعالجة العجز، تدعو مجموعة الدعم الدولية إلى مواصلة التقدم في تنفيذ خطة هذا الإصلاح وإنشاء هيئة تنظيمية مستقلة وتعيين مجلس إدارة فعال ومؤهل تقنيا لمؤسسة كهرباء لبنان (EDL) وغيرها من التدابير لتحقيق الكفاءة والشفافية والمساءلة.
خلاصة القول : ” تعيد مجموعة الدعم الدولية في اجتماعها المقرر اليوم الأربعاء ، تأكيد دعمها لسيادة لبنان واستقراره وانتعاشه الاقتصادي وأمله في اقتصاد مزدهر وحيوي لصالح جميع مواطنيه في المستقبل القريب”.