تسود أجواء من الترقب والقلق داخل الساحة الألمانية انتظارا لما ستسفر عنه نتائج مفاوضات تشكيل الحكومة بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وذلك بعد أكثر من أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية الأخيرة التي لم يخرج منها حزبا محققا الأغلبية الحاسمة.
ويواصل الجانبان مفاوضتهما لتشكيل ائتلاف حاكم بعدما قررا- يوم الأحد- الماضي تمديد جولة التفاوض بينهما أملا في إحراز تقدم ملحوظ والتوصل إلى اتفاق بحلول اليوم الثلاثاء على الأكثر.
وكان الجانبان قد نجحا الأسبوع الماضي في التوصل إلى اتفاق بشأن لم شمل اللاجئين في ألمانيا حيث اتفقا على استمرار وقف استقدام أسر اللاجئين أصحاب صفة الحماية المحدودة حتى 31 يوليو القادم على ألا يتجاوز عدد الأقارب الذين يتم استقدامهم بعد هذا التاريخ عن ألف شخص شهريا إضافة إلى أصحاب الحالات الخاصة.
كما اتفق الطرفان على خفض عدد طالبي اللجوء الذين يدخلون ألمانيا إلى حوالي 200 ألف في السنة، وورد في نص الاتفاق الحكومي أن “أرقام الهجرة لن تتخطى 180 ألفا إلى 220 ألفا سنويا ” غير أن هذا النص كان محل خلاف بين الطرفين حيث كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي يرغب في أن تظهر صياغة هذه الفقرة أن الأرقام المذكورة تقديرية بينما صمم المحافظون على أن تكون هذه الأرقام ملزمة”.
ولاتزال هناك بعض النقاط الخلافية التي تقف عقبة أمام تشكيل الائتلاف الحكومي المشترك، وتتمحور هذه النقاط حول قضيتين أساسيتين، الأولى تتمثل في إصلاح نظام التأمين الصحي حيث يطالب الحزب الاشتراكي الديموقراطي بتقليص الفوارق بين الأوساط الفقيرة والمرفهة في مجال العناية الصحية وإحداث تقارب بين النظامين الصحيين العام والخاص.
أما القضية الخلافية الثانية تتمثل في عقود العمل محددة المدة حيث يرغب الاشتراكيون في الحد من هذه العقود واستبدالها بعقود عمل دائمة وليست مؤقتة، وهو ما يرفضه المحافظون.
في ضوء ما سبق، تشهد ألمانيا حاليا وضعا متأزما غير مسبوق، فللمرة الأولى في تاريخها تتعثر عملية تشكيل الحكومة على هذا النحو بعد أكثر من أربعة أشهر على إجراء الانتخابات. ونتيجة لذلك تسود حالة من القلق بالشارع الألماني إزاء هذا الوضع المتفاقم خاصة أن مفاوضات تشكيل الحكومة فشلت من قبل ، بعد أن أخفقت محاولة ميركل الأولى في نوفمبر الماضي في تشكيل ائتلاف حكومي مع حزبي الخضر اليساري والديمقراطي الحر المنتمي إلى يمين وسط، مما دفعها إلى الدخول في محادثات مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ووفقا لاستطلاع الرأي الذي أجرته قناة التلفزيون الألمانية العامة (ارد)، فإن 71 بالمئة من الألمان لا يفهمون لماذا يتأخر تشكيل الحكومة كل هذا الوقت.
والواقع أن ميركل في وضع لا تحسد عليه، فهي من ناحية تواجه ضغوطًا من المحافظين داخل حزبها والمطالبين بالتوجه يمينًا لوقف صعود اليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى مطالبة بضرورة التوصل إلى تسوية مع الاشتراكيين الديموقراطيين تحت ضغط الجناح اليساري في حزبها.
وحتى في حالة التوصل إلى اتفاق مع الاشتراكيين، فإن ذلك لا يضمن لميركل الخروج من المأزق حيث سيبقى هذا الاتفاق مرهونا بموافقة ناشطي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الـــ440 ألفا الذين سيصوتون بالموافقة أو عدم الموافقة على التسوية بشأن الائتلاف الحكومي، وذلك في إطار آلية تصويت قد تستغرق عدة أسابيع في فبراير أو مارس.
ويرى المراقبون أن السيناريو الأسوأ الذي ينتظر ميركل في حالة عدم نجاحها في تشكيل الائتلاف الحكومي هو إجراء انتخابات مبكرة، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ ألمانيا ولا يصب في مصلحة أي من الحزبين للعديد من الأسباب، أولها أن تنظيم انتخابات جديدة يعد مجازفة كبيرة لميركل التي تراجعت شعبيتها مؤخرا ويتوقع أن يحصل حزبها على نتائج أقل من التي حصل عليها خلال انتخابات سبتمبر الماضي.
فوفقا لاستطلاع الرأي الذي أجراه معهد “أنسا” ونشرته مجلة “فوكس” الألمانية الشهر الماضي، فإن 52 بالمئة من الألمان يرفضون ترشح ميركل مجددا في حال إجراء انتخابات مبكرة، بينما أيد 32 بالمئة فقط ترشحها واستمرارها في السلطة.
ويؤكد المراقبون أن إجراء انتخابات مبكرة من شأنها أيضا إضعاف موقف الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يعاني بالفعل من تراجع ملحوظ في شعبيته كما يعاني من انقسامات داخلية حادة حيث يلوم العديد من مسؤوليه على زعيم الحزب مارتن شولتز بالتراجع عن وعوده بالتوجه نحو اليسار وعدم التفاوض مع ميركل والالتحاق بالمعارضة.
ووفقا للمراقبين، فإن اليمين المتطرف في ألمانيا الذي يمثله حزب “البديل من أجل ألمانيا” سيكون أكبر المستفيدين من سيناريو إجراء انتخابات مبكرة، فقد نجح الحزب حتى الآن في استخدام ورقة المهاجرين واللعب على مخاوف المواطنين ليرفع من أسهمه ويزيد من شعبيته في الشارع الألماني، في هذا السياق أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “إمنيد” لصالح صحيفة “بيلد” أم زونتاغ” الألمانية الأسبوعية في الرابع من فبراير الجاري، أن تأييد المواطنين لحزب “البديل من أجل ألمانيا” تجاوز نسبة الــ 13 بالمئة، علما بأن هذا الحزب فاز في الانتخابات التشريعية العامة في سبتمبر الماضي بنسبة 12,6 بالمئة من الأصوات، ليصبح ثالث قوة في البرلمان الألماني “بوندستاج”. في المقابل تراجع تأييد المواطنين للاتحاد المسيحي بزعامة ميركل، حيث انخفض بنسبة نقطة مئوية وبلغ 33 بالمئة.
يبدو من المشهد السابق أن تشكيل ائتلاف حكومي بين المحافظين والاشتراكيين يمثل الحل الأفضل لكلا الحزبين، فهو من ناحية يساعد ميركل في الخروج من المأزق الذي وضعتها فيه نتائج الانتخابات السابقة وكبح جماح اليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى يمثل هذا الائتلاف فرصة للحزب الاشتراكي الديموقراطي للظهور بمظهر الحزب المتماسك ومحاولة لاستعادة شعبيته من جديد من خلال تبني بعض السياسات التي قد تجذب مؤيديه، خاصة أن شولتز أكد ضرورة إجراء إعادة تقييم في منتصف الولاية لأداء الائتلاف في بادرة تجاه الجناح اليساري من الحزب الاشتراكي الديموقراطي.
ويتفق المراقبون على أنه في حالة تشكيل ائتلاف حكومي مستقر فإن شعبية اليمين المتطرف في الشارع الألماني ستبقى مرهونة بأداء هذا الائتلاف خلال الفترة المقبلة، فإذا استمرت السياسات السابقة التي كانت محل انتقاد شعبي فإن ذلك سيقوي من شعبيه اليمين المتطرف ويزيد من فرص فوزه في الانتخابات القادمة.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )