خلال الجولات الأخيرة للتفاوض غير المباشر بين الأمريكيين والإيرانيين في فيينا، أعرب ديبلوماسيون عدة عن تفاؤلهم باقتراب التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي.
تعدد مجلة “إيكونوميست” الكثير من العوائق التي قد تصعب التفاوض غير المباشر بين الأمريكيين والإيرانيين في فيينا. فإضافة إلى أن الوقت يضيق، تجد إيران نفسها وسط انتقال سياسي لا يساعد في التوصل إلى اتفاق قريب.
وقالت المجلة أن ابراهيم رئيسي يتبنى مواقف أكثر عدوانية من مواقف الحكومة الحالية تجاه واشنطن والغرب. لكن ذلك قد لا يمنع الطرفين من العودة إلى الاتفاق النووي. ففي نهاية المطاف، كان الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد هو الذي أطلق المحادثات التي أدت إلى التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة. غير أن المجلة ترى أن انتخاب رئيسي يعقد الأمور فعلاً.
تقول المجلة أنْ ليس لحكومة روحاني حافز كبير كي تكرس شهرها الأخير في الحكم للديبلوماسية المحمومة، فأي مكافآت سياسية هي بعيدة، بما أن الانتخابات المقبلة، وهي انتخابات تشريعية، لن تحصل قبل ثلاث سنوات. وتنفي المجلة وجود ضمانات بأن تطبق الحكومة الإيرانية الجديدة أي اتفاق ترثه.
في 24 يونيو (حزيران) الماضي، قال مسؤول أمريكي بارز شريطة عدم الكشف عن اسمه إنه “لا يزال لدينا خلافات جدية لم يتم تجاوزها”. ومن بين هذه الخلافات الخطوات النووية التي تحتاج إيران لاتخاذها للعودة إلى الامتثال وتخفيف العقوبات الذي ستقدمه واشنطن، أو تسلسل الخطوات التي سيخطوها كلا الطرفين.
تضيف المجلة أن تسلسل الخطوات لم يعد يشكل عقبة كما كان في الماضي. يقبل كلا الطرفين بأنه يمكنهما العودة إلى اتفاق ضمن سلسلة من الخطوات المتزامنة بدلاً من انتظار الآخر حتى ينجز كل شيء أولاً.
مع ذلك، تبقى تحديات أخرى. تقول إيران إنها تريد من الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب. ترد واشنطن بأنها لن تلغي سوى العقوبات المشمولة بالاتفاق النووي.
بالفعل، فرضت إدارة بايدن عقوبات جديدة على عنصرين من الحرس الثوري في مارس (آذار) لانتهاكهما حقوق الإنسان. يقول المحلل في مجموعة أوراسيا هنري روم إن هذا النوع من العقوبات “غير المؤثرة اقتصادياً لكن الحساسة جداً سياسياً” هو الذي يفرض أبرز التحديات.
في 30 يونيو الماضي، طالب سفير إيران في الأمم المتحدة مجيد تخت رافانشي بـ”ضمانات” حول عدم انسحاب الولايات المتحدة مجدداً من الاتفاق النووي لتفادي إثارة خوف المستثمرين. لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه يستحيل تأمين هذه الضمانات لأسباب ليس أقلها عدم قدرة تحويل الاتفاق النووي إلى معاهدة من دون دعم ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. وعارض الجمهوريون الذين يشكلون نصف المجلس الاتفاق النووي بشدة منذ البداية. وفي جميع الأحوال، أظهر ترامب كيف يمكن للرئيس الأمريكي الانسحاب بسهولة من المعاهدات الطويلة المدى. في هذا السياق، قال مسؤول أمريكي: “ليس هنالك ضمانة كهذه، وأعتقد أن إيران تدرك ذلك ونحن ندرك ذلك”.
ذكرت المجلة وجود شكاوى لدى القوى الغربية أيضاً. تتحدث إيران عن أن انتهاكاتها لموجباتها القانونية في الاتفاق هي علاجية وقابلة للتراجع عنها. لكن الغرب يقول إن هذه الانتهاكات أكسبت إيران معرفة قيمة ودائمة في تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة وتصنيع معدن اليورانيوم إضافة إلى أمور أخرى. وكان يفترض بالاتفاق الأساسي أن يؤجل حصول إيران على هذه المعرفة لسنوات وبالتالي أن يبطئ تطورها النووي. وتريد الولايات المتحدة الآن أن توافق طهران على محادثات مكملة للاتفاق الأساسي لكن رئيسي يقول إن الصواريخ الإيرانية والدعم الذي يقدمه نظامه للميليشيات ملفان غير قابلين للتفاوض.
ترى المجلة أن المأزق خطير بالتحديد لأن إيران مصممة على بناء نفوذها ليس فقط عبر توسيع نشاطاتها النووية بشكل مطرد مما يؤدي إلى تقليص الزمن الذي يفصلها عن بناء قنبلة، بل أيضاً عبر التهديد بجعل برنامجها النووي أقل شفافية. في فبراير (شباط)، تخلت إيران عن العديد من أحكام التفتيش الصارمة التي فرضها الاتفاق النووي، مثل وضع كاميرات في المنشآت النووية، لكنها سرعان ما وافقت على “تفاهم تقني مؤقت” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل الحفاظ على بعض إمكانات الوصول.
تم تجديد ذلك التفاهم مرتين، لكنه انتهى في 24 يونيو، أي بعد أيام على ختام جولة المحادثات الأخيرة في فيينا. تقول الحكومة الإيرانية إنها ستقرر ما إذا كانت تريد توسيع التفاهم وهي تلمح إلى أنها قد تمحو البيانات عن الكاميرات. تكمن النية في جعل الولايات المتحدة تتصبب عرقاً، لكن ما يحصل عملياً أن الثقة بإيران تتآكل. وذكرت وكالة رويترز في الأول من يوليو (تموز) الحالي أن إيران فرضت قيوداً على وصول الوكالة الدولية إلى منشأتها الأساسية للتخصيب في نطنز عقب الاشتباه بعملية تخريب إسرائيلية هناك في أبريل (نيسان) الماضي.
على الرغم من كل الحديث الإيجابي الصادر من فيينا، ثمة الكثير من القلق بسبب تنامي المخاطر. يقول الموفد الروسي إلى الأمم المتحدة ميخائيل أوليانوف إن تجديد التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية سيساعد على “تجنب حالات عدم اليقين التي يمكن أن يكون لها آثار سلبية غير مبررة وطويلة الأمد”. أما الديبلوماسي الأمريكي المتقاعد مارك فيتزباتريك الذي ساعد وزارة الخارجية في صياغة سياسة حظر الانتشار فيتحدث بصراحة أكبر: “إيران تلعب بالنار”.
المصدر: وكالات