وضعت عملية بني براك، الثالثة خلال أسبوع، المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل أمام تحديات جديدة، وتكثفت الاجتماعات الأمنية سعياً لمنع التصعيد الذي قد تنتج عنه تداعيات خطيرة لا يسلم منها أي طرف: إسرائيل، فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة، وفلسطينيو الـ48.
وفي اجتماع للمجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، استمر ساعات عدة، انتهى في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 30 مارس، اتخذت خلاله قرارات عدة، وشارك في الاجتماع رئيس الأركان أفيف كوخافي، ورئيس “الشاباك”، والمفوض العام للشرطة ورئيس هيئة الأمن القومي والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية ورئيس هيئة العمليات الحربية ومسؤولون كبار آخرون، وأبرز ما اتخذه الاجتماع من قرارات وفق ما أوردها رئيس الوزراء نفتالي بينيت:
تخصيص وحدات استخبارية للعمل المكثف للوصول إلى الخلايا التي تخطط العمليات، وإلقاء القبض عليها قبل تنفيذها بما في ذلك حضور حاملي السلاح وأفراد الشرطة والجيش في مختلف أنحاء البلدات الإسرائيلية.
تحويل نشاط الشرطة للعمل بشكل طارئ، وتزامناً، تعزيز الشرطة منذ صباح الخميس، 31 مارس، بـ15 سرية عسكرية تضم نخبة المقاتلين.
تجنيد سرايا تابعة لحرس الحدود بالإضافة لسريتين جديدتين وسرية أخرى لغلاف غزة.
تشكيل “لواء حرس الحدود” وهو لواء جديد.
تأسيس ما سماها بينيت “منظومة الرد الفوري”، وهي منظومة تعتمد على سائقي الدراجات النارية.
مسح منزل منفذ عملية بني براك في يعبد تمهيداً لهدمه بأسرع وقت، بهدف تعزيز الردع.
العمل المكثف للوصول إلى كل من يرتبط بتنظيم “داعش” واتخاذ الإجراءات كافة ضدهم، بما في ذلك الاعتقال الوقائي.
العمل المكثف لضبط الأسلحة غير القانونية في المجتمع العربي، التي تراكمت بكميات هائلة على مدى سنوات طويلة، وفق بينيت الذي أضاف، “حان الوقت اليوم لضبطها”.
تعليمات جديدة للجنود النظاميين وجنود الاحتياط، الذين حصلوا على التدريبات العسكرية المكثفة، وإشهار أسلحتهم فور مغادرتهم قواعدهم العسكرية وهم متوجهون إلى بيوتهم.
العمل على دمج أكبر عدد من المتطوعين في سلك الشرطة للمساعدة والدعم في ضمان أمن الإسرائيليين.
دعوة الإسرائيليين الذين يحملون السلاح إلى اليقظة واستخدامها في كل لحظة يجدون هناك خطراً عليهم وعلى أي إسرائيلي.
اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر وقراراته تأتي بعد اجتماعات ماراثونية تم تكثيفها بعد تنفيذ عملية بني براك في منطقة تل أبيب، التي أدت إلى مقتل خمسة بينهم اثنان من فلسطينيي 48، واثنان من أوكرانيا وإسرائيلي واحد، وعقدت الأجهزة الأمنية، والمؤسسة السياسية والأجهزة العسكرية اجتماعات، بعضها عقد، كل على حدة، وأخرى بحضور المسؤولين في كل مؤسسة.
وفي أعقابها، تقرر رفع حال الطوارئ إلى أقصى درجاتها داخل البلدات الإسرائيلية، حيث انتشرت قوات من الشرطة والجيش وحرس الحدود في مختلف البلدات ومداخلها، في وقت واصلت أجهزة الأمن أبحاثها في كيفية التعامل مع بلدات فلسطينيي 48 عموماً، والمختلطة منها بشكل خاص، في محاولة لمنع عودة سيناريو أحداث مايو (أيار)، من السنة الماضية التي رافقت عملية “السور الحامي”، التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة في أعقاب إطلاق حركة “حماس” صواريخ باتجاه القدس ومركز إسرائيل.
وفي قرار لم تشهده إسرائيل منذ سنوات، قرر وزير الأمن بيني غانتس، نقل 1000 جندي مدرب لدعم الشرطة المنتشرة في مختلف البلدات الإسرائيلية إلى جانب سرايا تابعة لوحدة حرس الحدود وتزويدها بعتاد، وجندت المؤسسة الأمنية وحدات خاصة لجمع معلومات استخباراتية، خصوصاً متابعة شبكات التواصل الاجتماعي، كما خصصت قوات ووسائل عسكرية لتعقب فلسطينيين من الضفة وغزة يوجدون في إسرائيل من دون تصاريح وملاحقة تجار الأسلحة وحامليها.
وأوعز رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي لاتخاذ الاحتياطات والاستعدادات كافة لمختلف سيناريوهات التصعيد وتنفيذ خطوات عدة تهدف إلى تعزيز الدفاع والاحتياط، وفق بيان الجيش الإسرائيلي، والقرار اللافت، الذي لا يتماشى وتعليمات وحدات القناصة، بأن يشهر كل عنصر في الجيش في هذه الوحدة سلاحه لحظة مغادرته قاعدته العسكرية لضمان الدفاع عن نفسه في حال تعرضه لإطلاق النار.
وعقّب مسؤول أمني إسرائيلي كبير على هذه الإجراءات بالقول، “نحن على شفا تصعيد يبدأ بأعمال شغب كتلك التي رافقت عملية حارس الأسوار، السنة الماضية، لكن، هذه المرة، نحن مستعدون لمنع المزيد من التصعيد وتنفيذ ذلك بسرعة وبحزم”.
وخطوة أخرى لافتة ونادرة الاستخدام في إسرائيل وهي دمج وحدات من الجيش بقوات الشرطة لمساعدتها في مهام الأمن الداخلي، ما يعكس خطورة الوضع الذي تخشى فيه الأجهزة الأمنية من قدرة الشرطة على الحفاظ على الأمن الداخلي، كما تعمل الأجهزة الأمنية على مسارين متوازيين في الضفة الغربية، الأول رفع الاحتياطات الأمنية عند الحواجز العسكرية المقامة عند مداخل البلدات الفلسطينية، وفي موازاة ذلك، تعمل الأجهزة الأمنية على سبل داعمة للسلطة الفلسطينية لتعزيز مكانتها وضمان تهدئة الشارع الفلسطيني.
وكشفت اجتماعات الأجهزة الأمنية عن تقارير سبق وناقشتها من دون اتخاذ خطوات لمعالجتها، وهي تقارير تتحدث عن وجود ما بين 20 و30 خلية نائمة في إسرائيل تابعة لتنظيم “داعش”، ما طرح السؤال حول عدم تحرك الأجهزة الأمنية لمواجهة واعتقال عناصر هذه الخلايا واتخاذ إجراءات صارمة في ملاحقتها. وحملت جهات إسرائيلية، وبين فلسطينيي 48، مسؤولية تنفيذ عمليتي بئر السبع والخضيرة، وعدم اعتقال نشطاء “داعش”، للحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية، وبعد تنفيذ العمليتين، تحركت الأجهزة الأمنية لتنفيذ اعتقالات ولا سيما شباناً لا علاقة لهم بتنظيم “داعش” أو منفذي العمليتين، واعتقلت 12 شاباً من فلسطينيي 48 بتهمة حيازة الأسلحة والانتماء للتنظيم الإرهابي.
ومع تنفيذ العملية الثالثة في غضون أقل من أسبوع ونتائجها، فإن الخطط الأمنية التي وضعتها تل أبيب من حيث الاستعداد لمواجهة مختلف سيناريوهات التصعيد المتوقعة قد فشلت، هكذا لخص أمنيون سابقون في إسرائيل، فالأجهزة الأمنية تخطط، منذ أشهر طويلة، لمواجهة تصعيد في شهر أبريل (نيسان) المقبل، مع تزامن أحداث عدة في هذا الشهر أبرزها، شهر رمضان، وعيد الفصح العبري، ومسيرات اليهود، للصلاة في باحات الأقصى، ومرور سنة على عملية “حامي الأسوار” في غزة، فالعمليات الثلاث في بئر السبع، والخضيرة وبني براك ورمات غان تعتبر الأكثر خطورة منذ موجة العمليات التي شهدتها تل أبيب في عام 2015 وتميزت في طعن ودهس إسرائيليين.
في حينه، كانت العمليات صعبة ومتواصلة ما استدعى البعض إلى إطلاق “الانتفاضة الثالثة” عليها، لكن طبيعة العمليات الثلاث الأخيرة من حيث تنفيذها من قبل “داعش” أو وقوعها خلال فترة زمنية قصيرة جعلتها تحمل صفة الأصعب منذ سبع سنوات، والأكثر قلقاً لإسرائيل أن وضعية السلطة الفلسطينية، اليوم، تختلف عما كانت عليه في حينه، والجهود الإسرائيلية – الفلسطينية المشتركة هي التي أسهمت في إخماد التصعيد آنذاك، لكن، اليوم، وفي ظل ما تعتبره إسرائيل ضعف السلطة الفلسطينية، من جهة، وعدم التعاون بين القيادتين والأجهزة الأمنية، يجعل الوضع أكثر قلقاً واحتمال التصعيد من دون السيطرة عليه، والحد منه أكبر من أي وقت مضى.
هذه الوضعية تضع أمام حكومة بينيت تحديات لم تتوقعها، فمقتل 11 إسرائيلياً في ثلاث مدن إسرائيلية، هو ليس حدثاً استراتيجياً – أمنياً، وحسب، إنما هو سياسي بامتياز، فهذا الوضع الذي تواجهه حكومة بينيت – لبيد يضع رئيس الحكومة أمام تحد خصوصاً في أعقاب العملية الثالثة في بني براك، لضمان أمن الإسرائيليين والهدوء، فهذه العمليات لم تُبق لبينيت مكاناً للتفاخر بأن حكومته، ومنذ تشكيلها قبل تسعة أشهر، هي الأكثر هدوءاً وأمناً، كما يقول في كل مناسبة تتاح له.
وفي حين انعقد المجلس الأمني الوزاري المصغر، كانت التظاهرات، حتى ساعات متأخرة من مساء الأربعاء، مستمرة في مختلف البلدات الإسرائيلية أبرز هتافاتها “الموت للعرب”، و”بينيت – لبيد استقيلا”، وأمام وضع كهذا، دعت جهات أمنية القيادات السياسية والعسكرية إلى العمل على ضمان استعادة السيطرة لنفسها والردع لضمان أمن إسرائيل والإسرائيليين، ومع لقاء الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ملك الأردن عبد الله الثاني، يأمل الإسرائيليون أن تساعد عمان في منع تصعيد في الضفة وإقناع السلطة الفلسطينية بأخذ دورها في التهدئة.
المصدر: وكالات