شهدت الـ 100 يوم الأولى من إدارة الرئيس جو بايدن -كما العادة في مستهل عهد الإدارات الجديدة- تركيزاً منصباً على الملفات الداخلية ذات الأولوية، عززت ذلك الأوضاع غير المسبوقة التي فرضتها جائحة كورونا، ومن بينها الآثار الاقتصادية الشديدة، فضلاً عن التركة المتخمة بالملفات المشتعلة التي خلفها الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي أظهر بايدن حرصاً على التعاطي معها بشكل مختلف في كثيرٍ من الملفات الرئيسية.
لكنّ مع هذا الاهتمام الطبيعي المنصب على الملفات الداخلية، لم تكن السياسة الخارجية الأميركية غائبة عن عديد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الأهمية بشكل متفاوت، ومن بينها ملفات وقضايا منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية بالنسبة لواشنطن؛ فشهدت الـ 100 يوم الأولى من إدارة بايدن تحركات (متباينة) وقرارات ذات صلة ببعض تلك القضايا بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين، بينما يُنتظر أن تحمل فترة ما بعد الـ 100 يوم الأولى سياسة وتحركات أكثر وضوحاً.
وضعت الإدارة الأميركية ملف “اليمن” كأولوية ضمن ملفات الشرق الأوسط حيث سعت سعي إدارة بادين للتركيز على التسوية التفاوضية السلمية. تجلى ذلك الاهتمام بالملف اليمني، من خلال تعيين الإدارة الأميركية الدبلوماسي تيموثي ليندركينج مبعوثًا خاصًا بشأن اليمن في شهر فبراير الماضي.
وشهد الملف الليبي أيضاً حضوراً أميركياً نسبياً من خلال دعم الولايات المتحدة للتوافق حول حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، والتعاون مع الشركاء الأوربيين في ذلك الصدد.
الحضور الأميركي بالملف اليمني صاحبه غياب عن ملفات أخرى، من بينها الملف السوري على سبيل المثال، والذي لم تُقدم الإدارة الأميركية بعد على اتخاذ خطوات عملية في سبيل التعامل مع الأزمة، فيما أبدت تمسكها بالموقف من النظام السوري واستمرار قانون قيصر.
ويقول الباحث السياسي الأميركي في العلاقات الدولية، باراك بارفي إن الأيام الـ 100 يوم الأولى لإدارة الرئيس بايدن -وكما كان متوقعاً- كان التركيز الأكبر فيها منصباً على الملفات الداخلية ذات الأولوية، وبشكل خاص فيما يتعلق بمسألة فيروس كورونا، وكذلك تبعاته الاقتصادية الشديدة على الاقتصاد في الولايات المتحدة، فضلاً عن الأزمات التي خلفها الرئيس دونالد ترامب فيما يتعلق بالوضع الداخلي.
تحركت إدارة الرئيس بايدن في ملفات منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مؤثر أو من شأنه المساهمة في تغيير الوضع، بداية من الملف النووي الذي “لا تزال إدارة بايدن في بداية الطريق به”، وفق بارافي، وكذلك الحال بالنسبة لملفات أخرى لم تتخذ فيه الإدارة الأميركية خطوات عملية فعلية ومؤثر، من بينها الملف السوري الذي لا يشهد أي تقدم لجهة الموقف الأميركي، وكذلك الملف اليمني (الذي يأتي على رأس أولويات الإدارة الأميركية في المنطقة طبقاً لما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية)، وأيضاً بالنسبة للملف الليبي. وإن شهدا الملفان تحركات محدودة.
لكن بارفي يلفت بموازاة ذلك إلى أن هناك مؤشرات على سياسة مختلفة إزاء العلاقة مع تركيا، نحو مزيدٍ من التوتر. كما تطرق بالحديث عن ملف سد النهضة الأثيوبي، الذي أبدت فيه واشنطن اهتماماً بالملف، لكنه من غير الواضح طبيعة التحرك ومدى اهتمام الرئيس بايدن.
وإجمالاً يعتقد الباحث بمؤسسة “أميركا الجديدة”، بأنه بعد انقضاء الـ 100 يوم الأولى من ولاية بايدن، والتي كان التركيز الرئيسي فيها على الملفات الداخلية، وبعد استقرار الوضع نسبياً بالنسبة لإدارته، فإن سياسته الخارجية ستكون أكثر اتضاحاً، ويبدأ في “سياسة جديدة بالشرق الأوسط”، لكن من غير المعروف طبيعة التحركات الأميركية إزاء الملفات الرئيسية ومدى تطورها في ضوء سياسة بايدن، وهناك جملة من الأسئلة التي يتم طرحها بخصوص ملفات مختلفة، من بينها موقف إدارة بايدن من الملف السوري والمعارضة السورية.
لكن المحلل السياسي مهدي عفيفي، يلفت إلى أنه على رغم أن الـ 100 يوم الأولى لإدارة الرئيس بايدن شهدت تركيزاً على الملفات الداخلية، إلا أنه كانت هناك بموازاة ذلك تحركات على المستوى الخارجي بشكل كبير وفعّال، لم تكن من جانبه فقط ولكن بالإدارة الخاصة به، سواء كان وزير الخارجية ومستشاريه وموظفي الخارجية، فقد كانت هناك تحركات كبيرة في الشرق الأوسط، مشدداً على أن “أهم القضايا كان الملف اليمني من الناحية الإنسانية”، وأنه لابد من أن يكون هناك تغيير على أرض الواقع وأن يكون هناك مبعوث خاص لبداية حل الأزمة.
ثاني الملفات الخارجية التي أولى إدارة بايدن اهتماماً بها في الـ 100 يوم الأولى ارتبطت بالمسألة الإيرانية، وهو ما عبرت عنه مباحثات في فيينا التي شارك فيها الوفد الأميركي، دون أن تكون هناك مباحثات مباشرة بعد. ويقول عفيفي: “عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى المجتمع الدولي والدول الأوروبية أدت إلى بداية تحريك ملف إيران”.
وأضاف المحلل السياسي في معرض حديثه : كذلك ما قام به في ليبيا لا ننسى أنه لولا تحرك الولايات المتحدة الأميركية وإدارة بايدن لم نكن لنرى هذا الدعم للحكومة الجديدة، سواء كان بدور أميركي مباشر أو من خلال تحريك الأوربيين للتحرك في ليبيا”.
ويلفت إلى أن من بين الملفات أيضاً “القضية الفلسطينية”، وقد تمثل ذلك في عودة الدعم للأونروا، والتعهد بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وإجمالاً يقول المحلل السياسي: “أعتقد بأن ما قام به الرئيس جو بايدن في الـ 100يوم الأولى في مسألة الشرق الأوسط حتى ولو أنه غير مُلاحظ وغطت عليه أخبار جائحة كورونا والتفاعل الاقتصادي، لكن في تقديري رأينا إنجازات كبيرة في الشرق الأوسط، في ظل وجود المعوقات الموجودة في الوقت الحالي.
المصدر : وكالات