أمر المستشار سامح كمال رئيس هيئة النيابة الإدارية، بإحالة 8 متهمين من العاملين بالمتحف المصري، للمحاكمة التأديبية العاجلة،وذلك إزاء ما كشفت عنه التحقيقات من إهمال جسيم وانتهاك صارخ للأصول والقواعد العلمية والمهنية للتعامل مع قطعة أثرية (قناع الملك توت عنخ آمون) بإحداثهم بها تلفيات وخدوش.
وقال المستشار محمد سمير المتحدث الرسمي لهيئة النيابة الإدارية – في بيان له – إن قائمة المحالين للمحاكمة التأديبية، ضمت إثنين من المرممين بالمتحف، و4 من كبار أخصائي الترميم، ومدير الترميم السابق والمدير العام السابق للمتحف.
وكشفت التحقيقات أن المتهمين تعاملوا بإهمال بالغ مع قطعة أثرية يربو عمرها على الثلاثة ألاف عام أنتجتها حضارة موغلة في القدم كإحدى أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية قاطبة، بأسلوب إن دل فإنما يدل على مدى الاستهتار الذي بلغ منتهاه من قبل أولئك المتهمين.
وذكرت النيابة الإدارية أن الأمر وصل إلى أنهم، وفي سبيل التستر على ما قاموا به ابتداء من رفع القناع بشكل خاطيء وانفصال الذقن المستعارة عنه، قاموا بالتعامل على القناع أكثر من 4 مرات سواء داخل قاعة العرض مرتين يوم 12 أغسطس 2014 وداخل معمل الترميم يومي 30 أكتوبر و 2 نوفمبر 2014 بأسلوب لايمت للعلم بصلة، وباستخدام غير مقنن لمادة لاصقة دون إجراء الدراسة العلمية اللازمة، ترتب عليها وجود فاصل وأثار لاستخدامها على القناع.
وأضافت التحقيقات أن المتهمين لم يكتفوا بذلك، بل زادوه بالإمعان في محاولة ستر ذلك التلف الذي تسببوا فيه، فقاموا باستخدام أدوات حادة (مشارط وأدوات معدنية) لإزالة أثار المادة اللاصقة عن القناع فأحدثوا تلك التلفيات والخدوش التي مازالت أثارها على القناع حتى الآن.
وأشارت النيابة الإدارية إلى أن المتهمين الأول والثاني قاما برفع قناع الملك توت عنخ أمون بطريقة غير صحيحة وغير مهنية يوم 12 أغسطس 2014 بقاعة عرض القناع بالمتحف المصري، بالمخالفة لكافة الأصول الفنية المعمول بها، مما ترتب عليه انفصال الذقن المستعارة عن القناع.. في حين حاول المتهمان الثالث والرابع إعادة تركيب الذقن المستعارة بالقناع دون اتباع للقواعد الصارمة المعمول بها في هذا الشأن، والتي توجب نقل القناع إلى المكان المعد للترميم بالمتحف، وعمل دراسة مسبقة لتحديد المواد المستخدمة في عملية الترميم (كما ونوعا) وتحديد وضع القناع وقت الترميم، وهو ما أدى إلى فشل محاولة الترميم وإحداث أضرار بالقناع.
وذكرت التحقيقات أن المتهمين من الأول حتى الخامس قاموا بترميم قناع الملك توت عنخ أمون دون اتباع الإجراءات الواجب اتباعها والأصول المعمول بها في عملية الترميم،مما ترتب عليه الاستخدام المسرف لمادة (إيبوكسي) اللاصقة أثناء الترميم، مما ألحق ضررا بالقناع..كما قام المتهمون الأول والثاني والثالث والسابع بمحاولات لتنظيف الذقن الأصلية لقناع الملك توت عنخ أمون، سترا لواقعة الاستخدام المفرط للمادة اللاصقة بطريقة غير صحيحة وغير مهنية، وباستخدام أدوات حادة تسببت في إحداث خدوش بذقن القناع الأصلية.
وأضافت التحقيقات أن المتهمين الأول والثالث والرابع والسادسة قاموا بإعادة الكرة،باستخدام أدوات حادة في تنظيف ومحاولة إزالة أثار مادة الإيبوكسي عن ذقن القناع،فتسبب ذلك في إحداث مزيد من الخدوش بذقن القناع الأصلية.. فيما أهملت المتهمة السابعة الإشراف على أعمال المتهمين المذكورين مما ترتب عليه اقترافهم للمخالفات الثابتة قبلهم، كما أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة حيال توثيق حالة قناع الملك توت عنخ أمون قبل وأثناء وبعد أعمال الترميم بعدم إجراء تصوير فوتوغرافي للقناع ووصف حالته وإعداد تقرير علمي بكافة التفاصيل الخاصة بأعمال الترميم، وذلك بالمخالفة لكافة الأصول المهنية المعمول بها.
وأوضحت التحقيقات أن المتهم الثامن لم يقم بإبلاغ قياداته بما لحق بقناع الملك توت عنخ أمون من تشوهات لحقت به من جراء الاستخدام غير المهني للمادة اللاصقة ومحاولات إزالتها بشكل لايتفق وأبسط القواعد المعمول بها، ولم يتخذ الإجراءات اللازمة المعمول بها حيال محاولة تنظيف ذقن قناع الملك توت عنح أمون والتأكد من سلامة تلك الأعمال، وهو ما ترتب عليه قيام فريق الترميم المختص بمحاولة تنظيف الذقن الأصلية للقناع باستخدام أدوات حادة ألقت ضررا بالقناع تمثل في خدوش متعددة بذقن القناع.
وكانت النيابة الإدارية قد باشرت التحقيقات في الواقعة في ضوء بلاغ تقدم به وزير الأثار حيال ما تم اتخاذه من إجراءات إدارية وفنية وقانونية لترميم قناع الملك توت عنخ أمون وما حدث به من تلفيات.. حيث استمعت النيابة للجنة المشكلة برئاسة مستشار الوزير للشئون الهندسية، وعضوية كل من مدير عام المتاحف الإقليمية، ورئيس قطاع المتاحف بوزارة الأثار، ومدير عام التفتيش ورئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم بوزارة الأثار، وعضو من الإدارة القانونية.
وقدمت اللجنة الفنية تقريرها المتضمن أن بداية الواقعة كانت حدوث عطل بالدائرة الكهربية بواجهة العرض المخصصة لقناع الملك توت عنخ أمون بالمتحف المصري، فتم حينها تشكيل لجنة لهذا الغرض لضرورة رفع القناع قبل الشروع في إصلاح الدائرة الكهربية،وبعد رفع القناع وعمل الإصلاحات اللازمة بالدائرة الكهربية للواجهة، وأثناء إعادة القناع إلى مكانه بداخلها، قام المرممون بحمله بشكل خاطيء وغير مهني لايتفق مع الأصول المعمول بها بحمله، بجعل وجه القناع مقابل لوجه من يحمله بخلاف المتعارف عليه علميا وفنيا، بضرورة رفع القناع من الخلف بحيث يتم تجنب احتكاك المناطق البارزة بالقناع، وهو ما ترتب عليه انفصال الذقن المستعارة عن القناع.
وأشارت اللجنة إلى أن الجذور التاريخية لتلك الذقن التي تم اكتشافها مع القناع تعود إلى أنها لم تكن مثبتة به، غير أنه تلاحظ أنذاك وجود أنبوب اسطواني من الذهب الخالص مثبت في الذقن الأصلية للقناع وله مكان فارغ داخل الذقن المستعارة يتم تركيبه فيها لتصبح جزءا من القناع، وهو ما دعى إلى تركيبها بجسم القناع عام 1942 واستمرت مرتبطة بالقناع حتى تاريخه.
وأكدت التحقيقات أن أعضاء اللجنة من المرممين بدلا من أن يتبعوا الإجراءات الواجبة لإصلاح وإعادة تركيب الذقن المستعار، قاموا بمحاولة إعادة تركيب الذقن المستعارة باستخدام مادة لاصقة تحمل نسب خفيفة من عناصر الترابط والتماسك، وحال وجود القناع بقاعة العرض وليس بمكان مجهز للتعامل مع مثل ذلك الأثر (معمل الترميم) ودون عمل أي دراسة علمية دقيقة حول المواد المستخدمة نوعا وكما بعد التعرف على المواد المصنوع منها الأثر.
وأشارت التحقيقات إلى أن المرممين قاموا بمحاولة اللصق في وضع خاطىء، وهو الوضع الرأسي بدلا من الوضع الأفقي، مما جعل المحاولات تبوء بالفشل نتيجه ثقل الذقن المستعارة ومقاومة الجاذبية الأرضية للمادة اللاصقة، وذلك بالمخالفة لأبسط القواعد العلمية والمنطقية.
وأضافت التحقيقات أن المتهمين قاموا في نفس اليوم 12 أغسطس 2014 بنقل القناع إلى معمل الترميم في محاولة أخرى لإجراء عمليه الترميم، وفي هذه المرة قاموا بالاستخدام المفرط للمادة اللاصقة (الإيبوكسي) مما أدى إلى وجود فاصل من تلك المادة بين القناع والذقن المستعارة، فضلا عن أثار للمادة اللاصقة على القناع نتيجة الإفراط في استخدامها، وهو ما مثل خطأ مهنيا جسيما أحدث تشوهات بجسم القناع.
وذكرت التحقيقات أن المتهمين لم يكتفوا بتلك الأخطاء، وإنما حاولوا ستر ما ارتكبوه من جرائم، يومي 30 أكتوبر و 2 نوفمبر 2014 بمحاولة تنظيف القناع من أثار المادة اللاصقة التي ظهرت من جراء الترميم الخاطيء، مستخدمين في ذلك أدوات حادة، بالمخالفة لكافة الأصول والقواعد المتعارف عليها.
وتضمن تقرير اللجنة الفنية المشكلة من النيابة الإدارية، أن كافة تلك الإجراءات تمت دون إبلاغ القيادات وعلى رأسها الوزير ذاته بالواقعة ودون عمل الإجراءات العملية المتمثلة في تسجيل حالة القناع قبل وبعد وأثناء عملية الترميم موثقا بالصور..كما أرفق بالتقرير المسح الضوئي للقناع الذي أعده أحد أساتذة كلية الأثار والذي خلص إلى ذات النتيجة، كما تضمن التقرير أنه تم إعادة القناع عقب مؤتمر صحفي بتاريخ 16 ديسمبر 2014 بعد انتهاء أعمال الترميم وإزالة أثار المادة اللاصقة، غير أن الخدوش التي حدثت بالقناع نتيجة استخدام ألات حادة في محاولة إزالة المادة اللاصقة ظلت كما هى.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )