تسعى فنانة الغرافيتي السعودية، عائشة عسيري، أن تضع بصمة فنية ثقافية في ذاكرة الأمكنة وواجهات معالم المدن داخل المملكة، مشيرة إلى أنها تطلب أجوراً رمزية متواضعة مقابل جهدها الفني كمبادرة منها للمشاركة بتحسين المظهر الحضاري في كل بلدية ومحافظة بمنطقة عسير.
ومن دون أن يفوتها التأكيد بأن فن الجداريات يلعب دوراً مهماً في التبادل الثقافي والحضاري، كما يساهم في بث قيم التسامح والتصالح بين الشعوب.
وأكدت عائشة أن الفن التشكيلي بحد ذاته رسالة ملهمة لكل مجتمعات العالم تحتفي بالموروث والهوية وعناصر الحضارة، وتختزل جوهر العادات والتقاليد في لوحة منحوتة على جدار.
بدايات عائشة كانت من الخط، ثم انتقلت إلى التشكيل ومنه الى الجداريات، لتصنع حالة إبداعية فريدة في المشهد الفني بالسعودية، حيث أوضحت بالقول: “كنت في الصغر من عشاق رسم البورتريه والطبيعة، وكان الخط من أجمل هواياتي، احترفت فنونه مدة طويلة، وبعدها انتقلت لرسم الجداريات”، لتبدأ رحلتها في عالم الغرافيتي، لتستلم مشاريع عملاقة بالبلديات والمحافظات والجامعات في السعودية، لما تملكه من مقومات فنية دفعت تلك الجهات للتعاون معها كونها تتسم بدقة أعمالها وأسلوب رسمها الاحترافي إلى جانب التزامها بالسرعة في الإنجاز، مما جعل لها سمعة فنية وصيتاً إبداعياً لدى الجميع.
استطاعت عائشة بصفتها فنانة غرافيتي تمثيل السعودية في محافل ثقافية دولية، في جميع دول الخليج ومصر والأردن والمغرب وغيرها، لافتة إلى أن حال فن الغرافيتي في المملكة ينقصه الدعم للازدهار والانتشار بين الشباب، وتأمل أن يشهد تطوراً وينتج مواهب شبابية واعدة تحترف أساليب جديدة تنسجم مع هوية وقيم المجتمع.
أبدعت عائشة نحو 60 جدارية موزعة في أرجاء المملكة، أبرزها جدارية جادة في محافظة محايل عسير، وجدارية في بارق، وجداريتين في خميس البحر بنفس المنطقة، وجداريات البرك، وجداريات في جامعة الملك خالد بتهامة، مشيرة إلى أن أول جدارية نفذتها كانت مساحتها 75 متراً، لكنها استطاعت إنجازها خلال 10 أيام.
وأشارت إلى أنها نفذت نحو 18 جدارية في أقل من شهر في جامعة الملك خالد، إلى جانب جداريتين كان طول كل واحدة منها 50 متراً، وعرضها 8 أمتار أنجزتها في غضون أسبوع. كما أبدعت مجسمين من مواد معاد تدويرها لصالح الدوري السعودي.
توصف عائشة بأنها أول سعودية تشتغل بفن الغرافيتي على مساحات عملاقة، حيث تصعد رافعة وسلالم مرتفعة، بدرجة كبيرة من الخطورة، لكنها قهرت الخوف وتحدّت الصعاب، حتى نجحت، وتضيف عائشة: “كل أعمالي تكمن قيمتها وأهميتها في جوهرها الثقافي والحضاري الذي يبقى شاهداً إبداعيا وواجهة جمالية في ذاكرة المجتمع”.
وتوظف عائشة لوحاتها الجدارية لخدمة التراث والثقافة حاملة إلى وجدان المجتمع رسائل توعية، معتبرة بأن الجدارية تقدم أسلوباً جديداً للتوعية الهادفة والمؤثرة في حياة المجتمعات.
وتضيف: “نعم جدارياتي دائماً تقدم رسالة للمجتمع، مثلاً لديّ جدارية قدمتها كمتحف متكامل لتعريف الأجيال بموروث الأجداد، أصبحت اليوم مزاراً دائماً للسياح من داخل وخارج المنطقة، ونفذت جدارية صممتها لتحاكي اليوم الوطني السعودي، كانت سبباً لاختياري لتنفيذ مشاريع قادمة لما تحمله من إشعاعات جمالية تتألق بمشاعر وطنية فريدة.
لم تكن عائشة تتوقع حجم الأصداء والانطباعات التي غمرتها بعد كل جدارية تنفذها في منطقة معينة، حيث تصلها كلمات الإعجاب والثناء من أفراد المجتمع.
وحسب عائشة فإن عالم الغرافيتي، رغم متعته، إلا أنه لا يزال حديث عهد في المنطقة العربية، وتكمن تحدياته بكونه أسلوب فني جديد، إضافة إلى عدم تقبل بعض المجتمعات بأن أنثى ترسم في الشوارع أمام نظرات المارة، لكن عائشة استطاعت أن تكسب احترم الجميع في مجتمعها بعد أن شاهدوها تتحدى المخاطر في أصعب الأماكن لتنتج أعمالاً جدارية تحمل توقيعها على واجهات مناطق حيوية ومدن عديدة بالمملكة، تاركة ألوانها تضفي بهجة روحية على الأمكنة.
وتتمنى عائشة أن تستلم مشاريع في المطارات، وفي مدينة نيوم سواء لعمل جداريات أو تصميمات فنية، وتسعى إلى ترك بصمة تشكيلية في كل منطقة سياحية تتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وتكشف عائشة أسراراً عن مراحل إنتاج جداريات عالم الغرافيتي، فتقول: “إن ما لا يعرفه المجتمع عن كواليس هذا الفن، بأن الفنان يبذل جهداً جسدياً وتركيزاً ذهنياً كبيراً، لتنفيذ لوحة تحفر ذاكرة المكان لتبقى تحفة جمالية تخطف الأنظار، وإن أي لوحة بمساحات عملاقة هي بمثابة حديقة فنية تجول في أرجائها العيون والقلوب والخواطر”.
وشاركت عائشة في معارض محلية ودولية، وحصدت العديد من الجوائز، أبرزها فوزها بالمركز الأول بالفن التشكيلي مع محطة “إم بي سي” في الطائف برحلة إبداعية حول المملكة 2021، وحصدت مركز أول في الرسم بالفحم والرصاص في “مهرجان خميس البحر” في 2021، ومركز ثان في مسابقة السيارات الكلاسيكية بالفن التشكيلي 2020، ونالت مركز أول في مسابقة الرسم المباشر في الطائف 2018، وهي تفخر بكل تلك المحطات.
المصدر:وكالات